الأفلام التسجيلية في مكتبات فرنسا
صلاح سرميني ـ باريس
قبل أن تصلني رسالته المُمتعة، كان السينمائيّ الفرنسيّ “جيرار كوران” يُمطرني بمُكالماته الهاتفية كي يزفّ لي أخباره السينمائية العسيرة على الهضم،…والإحصاء، يكفي بأن يتصفح الهاويّ السينمائيّ موقعه المُمتاز كي يندهش من نشاطه المُتواصل.
تتلخصّ كلماته، بأنّ دار النشر الفرنسية الشهيرة “لارماتان” قد أصدرت له :
ـ 6 أقراصٍ مُدمجة بعنوان “فيليب غاريل من خلال جيرار كوران”.
ـ 4 أقراصٍ مُدمجة بعنوان “فرنر شروتر من خلال ج.ك”.
ـ 3 أقراصٍ مُدمجة بعنوان “جوزيف موردر من خلال ج.ك”.
ـ 3 أقراصٍ مُدمجة بعنوان “لوك موليه من خلال ج.ك”.
وفي الإنتظار
ـ 3 أقراصٍ مُدمجة بعنوان “فانسان نوردون من خلال ج.ك”.

وللكتابة المُنهكة، والمُهلكة عن جديده، إقترح عليّ الإتصال بـ “ريمي لانج” المُشرف على قسم الفيديو، سينمائيّ شابٌ، لطيفٌ، ورقيقٌ أنجز مجموعةً من الأفلام القصيرة، والطويلة بكاميرا 8 مللي سوبر قبل أن يؤسّس شركته الخاصة، ويهتمّ بتوزيع أفلاماً تتطرّق موضوعاتها للمثلية الجنسية، وكما شرح لي بعد اللقاء معه، وضع مفتاحها تحت الباب، أيّ أقفلها (وُفق التعبير الفرنسيّ)، وذهب كي يستقرّ به الحال مرتاحاً في دار نشر كبيرة يقبض منها راتباً شهرياً معقولاً بدون أن يبتعد كثيراً عن هواجسه الإخراجية .
وأمام هذا الإغراء السينمائيّ، التجريبيّ منه خاصةً، كتبتُ له رسالةً أنيقة أُرمّم من خلالها جسور التواصل التي تصدّعت منذ أن حاولت إنتاج فيلمه القصير الأول “NEZ-DE-PIED”(تعبيرٌ فرنسيٌّ يعني وضع أصابع الكفيّن مفتوحةً بطريقةٍ معينة أمام الأنف علامةً على السخرية) الذي حوّله في عام 1993 إلى فيلم تسجيليٍّ/روائيٍّ طويل بعنوان “Omelette”(أعتقد بأنّ الكلمة لا تحتاج إلى ترجمة) بعد أن أطال مدته الزمنية، وأوصلها إلى 87 دقيقة.
يرتكز البناء الدرامي لهذا الفيلم الراقي في حساسيته على يومياتٍ فيلمية يُصور فيها “ريمي لانج” نفسه، وعائلته، وهو يكشف لها واحداً بعد الآخر عن مثليّته الجنسية، تلك الإعترافات التطهيرية التي أنقذته من الإنتحار، ومثلكم، قبل مشاهدة الفيلم، لم أفهم معنى العنوان إلاّ عندما سمعته يقول في أحد المشاهد :
ـ لا يمكن تحضير وجبة بيضٍ مقليّ بدون كسره،…..
حالياً، وقبل تقديم قراءة نقدية لهذا الفيلم، أو الحديث عن المسيرة السينمائية المُتميزة لمخرجه، يهمّني بدايةً السطوّ على الأفلام المُشار إليها أعلاه، وأيّ زيادة يمكن أن تجد طريقها إلى حقيبتي المُزعجة للبعض، والمُثيرة للتساؤلات، ولكنني أعرف مُسبقاً آليات النصب على المنتجين، والمخرجين، حيث لا يمكن لي، ولا لغيري مهما كان عظيم الشأن كحال الإمبراطور المُسلم “أكبر” في الفيلم الهندي الأعظم “جودا أكبر”(إنتاج عام 2008، إخراج أشوتوش غواريكر)، أقول، لا يمكن الحصول على هذه الأفلام التي أصدرتها دار نشر “لامارتان”، والهروب من دفع ثمنها الباهظ إلاّ بحجةٍ إحترافية قوية جداً، هي عادةً، الكتابة عنها، وهنا يكفي بأن أكتب رسالةً قصيرةً، وأنيقةً لتحقيق هذه الغاية الخبيثة مع التحذير بأنّ حقوق الفكرة، والتأليف محفوظة في مكان ما :
ـ عزيزي “ريمي لانج”، أخبرني “جيرار كوران” بأنّ الأفلام التي أخرجها حول فيليب غاريل، فيرنر شروتر، جوزيف موردر، لوك موليه، وفانسان نوردون (بمجموع 19 د.ف. د) قد تمّ إصدارها عن طريق دار نشر “لارماتان” التي عرفتُ بأنك تعمل فيها مشرفاً على قسم الفيديو.
أُعلمكَ، بأنني، ومنذ سنواتٍ طويلة، أكتب عن أفلام “جيرار كوران”، وغيره من مبدعي السينما التجريبية، والسينما بشكلٍ عام، ومؤخراً نشرتُ كتاباً عنه بالتعاون مع “مهرجان الخليج السينمائي” في دبي عام 2011 بمُناسبة تنظيم عروضاً إستعادية لأعماله.
حالياً، يمنحني موقع قناة الجزيرة الوثائقية مساحةً أسبوعيةً أكتب فيها مقالاتٍ، قراءاتٍ، حواراتٍ، وترجماتٍ مُنفتحة على كلّ أنواع السينما، وأشكالها، وخاصةً الطليعية منها، ويُسعدني الكتابة من جديدٍ عن الإصدارات الفيديوية المُتعلقة بالسينمائيّ “جيرار كوران”، ومن أجل تسهيل مهمّتي النقدية، أتمنى إهدائي نسخةٍ منها…..
للوهلة الأولى، كنت أعتقد بأنّ هذه المؤسّسة تهتمّ فقط بإصدار الكتب، وأعرف مُسبقاً بأنّ “ريمي لانج” واحدٌ من شباب السينما الفرنسية المُوازية، وفي السنوات الماضية أنجز أفلامه بكاميرا سوبر 8 مللي مُستلهماً أسلوبها من مُعلمه “جوزيف موردر”، ويومياته الفيلمية، ولهذا إنتابني الإعتقاد أيضاً بأنّ كلّ إصدارات “لارماتان” تتعلق بالسينما التجريبية حصرياً، وقبل ليلةٍ من اللقاء معه، وبعد تصفح عاجل لموقعها، تبيّن بأنها، ومنذ بعض السنوات، قد أنشأت قسماً خاصاً يهتمّ بإصدار كلّ أنواع الأفلام، وتحظى التسجيلية منها على نسبةٍ عُظمى، وبقراءة العناوين المُحفزّة على المُشاهدة (حوالي 400 فيلم)، أصبح اللقاء مع “ريمي لانج” حتمياً.

في المقهى القريب من مكتبه، جلسنا نتقهوج، ونُدردش، وتمحور النقاش بشكلٍ خاصّ حول إمكانيات التعاون من أجل إصدار مختاراتٍ من الأفلام العربية، منفردةً، او مجتمعةً في تيمةٍ معينة، أو متسلسلة.
ومن خلال المعلومات المُتوفرة في الموقع، وتلك التي حصلتُ عليها مباشرةً من “ريمي لانج”، عرفت بأنّ “لارماتان” دار نشر مستقلة تأسّست في عام 1975، وخلال هذه المدة إكتسبت تجربةً كبيرةً، وتُعتبر اليوم من أوائل دور النشر الفرنسية في عدد الكتب التي أصدرتها.
ومن أجل تنويع نشاطاتها، إنفتحت على السينما بكلّ أنواعها، وأشكالها، وبدأت تقدمها في إسطواناتٍ رقمية، وتعرضها عن طريق التحميل حسب الطلب (VOD)، وهي دعاماتٍ تسمح لها بتقديم المحتوى لجمهورٍ واسع، وتتوّجه رغبة المؤسّسة في هذا الإتجاه، أيّ منح الجمهور، والشبكات المؤسّساتية أفلاماً نوعيةً تسمح بتعميق المعارف، والثقافات، وتتحقق هذه الطموحات من خلال وجهة نظر مؤلفيها، ومبدعيها، وهي قبل شيئ بمثابة “نظرة عن العالم” .
عن طريق الموقع، يمكن تحميل أفلاماً تسجيلية، أو روائية، ومشاهدتها مباشرةً، أو نسخها على أقراصٍ مدمجة، وبالإمكان أيضاً الإطلاع مجاناً على عددٍ من البرامج، والمجلات التلفزيونية، والمُؤتمرات المُسجلة،….
تعتمد دار النشر على شبكتها المُتأسّسة منذ عام 1975، وتجربتها في إصدار الكتب يسمح لها بتوزيع الأفلام عن طريق الإسطوانات الرقمية.
من بين إصداراتها الفيديوية الجديدة (حوالي 15 في الشهر)، تنتقي بعض العناوين، وتضعها في أماكن التوزيع الكبرى كي تكون في متناول الجمهور العريض، ومن أجل ذلك، تتعاون مع شركةٍ متخصصة تختار بنفسها الإصدارات التي ترغب بتوزيعها، وبشكلٍ عام، يتمّ إختيار الأفلام التي تمتلك إحتمالياتٍ تجارية.
هناك أيضاً مكتبة مخصصة للبيع المباشر تتموقع في قلب الحيّ اللاتيني على بعد خطواتٍ من جامعة السوربون، ومعهد العالم العربي، ودزينة من صالات السينما المُستقلة، وفي جنباتها، وفوق رفوفها نعثر على مجموعةٍ هائلة من الأفلام التي أصدرتها مؤسّساتٍ أخرى، وتشمل أفلاماً تسجيلية، روائية، تجريبية، تحريكية، ووثائق فيلمية، تغطي تيماتٍ واسعة، ومختلفة : التاريخ، الجغرافيا، الفنون، الثقافة، الرحلات، الأحداث الإجتماعية، السياسة، الآداب، العلوم، ….
تمتلك المؤسّسة أيضاً مُجمّع ( Lucernaire)، وهو يتكوّن من ثلاث صالات سينما، وصالتيّ مسرح، ومركزاً لبيع الإصدارات الفيديوية المُتعلقة بالمسرح.
ومنذ تأسيسها، تتباهى دار نشر “لاماران” بأنها تتواصل مع حوالي 14.000 مكتبة في فرنسا، وخارجها،

وتُشكل هذه المكتبات مراكز بيع مجاورة للجمهور في كلّ الأحياء السكنية، وفي هذه الفضاءات الجديدة التي تمنح الأولوية لتوزيع الكتب، تهتمّ “لارماتان” بإقتراح مختاراتٍ من الإصدارات الفيديوية، وتنصح أصحاب المكتبات بها، ويسمح لها معرفتها لهذا الوسط بتوزيع منتجاتها الثقافية بأفضل طريقة في المكتبات العامة، أو المُتخصصة، وتعمل المؤسّسة بإستمرار على تطوير هذه الشبكة من مراكز البيع.
تتضمّن القائمة التي تمتلكها المؤسسة حوالي 20.000 عنواناً إلكترونياً، وأكثر من 14.000 عنواناً بريدياً، وتُرسل بإنتظام رسالةً إعلاميةً ورقيةً، وأخرى إلكترونية إلى عموم زبائنها.
وتتعاون المؤسسة مع إتحاد المتاحف الوطنية التي تُوزع بدورها قسماً من الإصدارات الفيديوية في مراكز البيع المُتواجدة فيها، ومنها :
مركز جورج بومبيدو/المتحف الوطني للفن الحديث، المتحف الوطني للبحرية، المتحف الوطني للفنون الآسيوية، متحف الفنون، والحضارات في أفريقيا، آسيا، أوقيانوسيا، والأمريكتيّن، متحف اللوفر،…….كما تمّ التمهيد لشراكاتٍ جديدة مع معهد العالم العربي، والسينماتيك الفرنسية.
كما تُوزع إصداراتها في المكتبات العامة، وتلك المتخصصة بالوسائط السمعية/البصرية، ومؤسسات أخرى مثل : وزارة التربية الوطنية، السفارات، القنصليات، مراكز التكوين المهني، المؤسّسات الصحية، الجمعيات،….
هاهي معلوماتٍ وافرة عن دار نشرٍ فرنسية يمكن أن تنفتح تدريجياً، أو مرةً واحدة على السينما العربية، التسجيلية منها خاصةً، وتصبح نافذةً تسمح لبعض الأعمال المُنتقاة فرصة الإنتشار في بلدانٍ لا يمكن أن تصل إليها بدون هذه المُبادارات المُتراكمة، وإهتمام ناشطين سينمائييّن فهموا بأنّ الكتابة وحدها ليست كافية من أجل تطوير الثقافة السينمائية.