المهرجان الدولي للسينما المتوسطية في دورة احتفالية
طاهر علوان
في كل عامين يكون المهتمون على موعد مع المهرجان الدولي لسينما البحر المتوسط الذي تشارك فيه كالمعتاد دول اوربية وعربية وهاهي الدورة الثانية عشرة تطلق فعالياتها في العاصمة البلجيكية بروكسل مع برنامج ضخم وحافل امتد الى قرابة 9 ايام من العروض اليومية في اربعة صالات .
اشتملت دورة هذا العام التي عدت دورة احتفالية واسعة ، وكالعادة على نوعين رئيسيين وهما الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة التي انتظمت ضمن المسابقات الرسمية ومابين هذين النوعين كانت هنالك بانوراما واسعة من الأساليب والتجارب وكذلك الدول المشاركة ، فابتداءا من الفانطازيا الفيلمية التي انطوى عليها فيلم الأفتتاح لهذه الدورة الفيلم الأيطالي ” الحضور المدهش” للمخرج من اصل تركي فيرزان اوزبيتيك وجاء الى المهرجان يسبقه النجاح بحصوله على عدد من الجوائز في ايطاليا وخارجها ، في الفيلم غرائبية ينطوي عليها انتقال الشاب بيترو ( الممثل اليو جيمانو ) للعيش في روما وهو في سعيه لترسيخ حبه للتمثيل وبحثه عن مكان يستقر فيه ، يعثر على شقة في احدى الضواحي لكنه يفاجأ في كل مرة بسماع اصوات وظهور ظلال واشياء تتحرك في داخل الشقة مما يثير الذعر في نفسه و ليكتشف فيما بعد ان ذلك المكان مسكون بالأشباح والتي ماتلبث ان تكشف عن نفسها انها اشباح مسالمة وغير عدوانية وانهم جميعا يشكلون فرقة للتمثيل كانوا قد قد قتلوا ابان الحرب العالمية الثانية ومن ثم لينظم بيترو اليهم ليبدأوا جميعا رحلة في العالم الواقعي ، يؤسسون فيه لعشقهم للتمثيل ، المخرج اوزبيتيك معروف على نطاق واسع في بلده الأم تركيا وغالبا ما حظيت افلامه بنجاح مشهود وهو اكثر مهارة وحرفية في صنع قصص من موضوعات بسيطة وواقعية وشخصيات قد لاتلفت النظر…

ومن المغرب يأتي فيلم ” موت للبيع ” لمخرج فوزي بنسعيدي وايضا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان والفيلم كما سبق وتحدثنا عنه في مقال سابق في هذا الموقع يتناول جوانب من حياة ثلاثة شخصيات في فضاء مدينة تطوان المغربية وحيث تتذبذب حياة الشخصيات تحت وطأة البطالة والمخدرات والسجن والدعارة ، جيل شاب محبط يقدمه الفيلم من خلال شرائح اجتماعية متعددة ، كاميرا بنسعيدي تتميز بديناميكيتها ولهاثها للحاق بالشخصيات وتفسير المكان وتجسير الصلة البصرية بين الجبل والبحر والمدينة واقبية الفقر ، لقطاته العامة لايريد من ورائها عنصرا جماليا لشكل المدينة وان تضمنت ذلك ، بل ان الخلاصة ان لاشيء سيختلف ان اتسعت المدينة او صغرت فهي قوقعة كبيرة لفقر جاثم على الصدور.. وفي مواقف اخرى كانت الصورة اكثر تعبيرا عن الشخصيات في ازماتها الطاحنة كمثل الحوارات المشتتة بين علال وابيه وبين دنيا ومالك وبين سفيان والتكفيريين …فوزي بنسعيدي ، المخرج يطيب له ان يظهر في فيلمه كما فعل في فيلم سابق له “ياله من عالم رائع ” 2006 وهو في موت للبيع يظهر بدور ضابط شرطة بملابس مدنية ، يسعى لتجنيد مالك لجلب اخبار عن المتطرفين في مقابل منحه المال ومساعدته في البقاء الى جانب حبيبته دنيا بل ان علاقتهما تذهب الى ماهو ابعد من ذلك اذ يظهران و هما يتشاركان طاولة الخمر لكن الشرطي مايلث ان ينقض على مالك ويلاحقه فيما بعد ، لكن بنسعيدي في كل الأحوال بدا مقنعا الى حد كبير في اداءه لذلك الدور وليعكس وجها آخر من المعادلة والقوى الفاعلة في تلك الحياة المأزومة وهي السلطة والقوة التي تحضر متماهية مع حياة القلق والهامش والعنف لكي يكون لها دور ما في احكام المعادلة .
واما مواطنه نبيل عيوش فقد جاء للمهرجان بفيلمه ” خيل الله” وهو فيلم مأخوذ عن رواية “نجوم سيدي مومن” للكاتب والرسام المغربي ماهي بنيبين ويعرض الفيلم وجها آخر مما قدمه بنسعيدي في موت للبيع ، انها رحلة مع شباب مغربي متطرف يخرج من بيوت الصفيح في اطراف ضاحية سيدي مؤمن في الدار البيضاء لتنفيذ عدد من الهجمات الأرهابية وذلك في العام 2003 ، ويحاول الفيلم استقصاء جذور ظاهرة الأرهاب من خلال الشخصيات الرئيسية من هذا الجيل الذي يطحنه الفقر وتغذيه الأنحرافات القيمية والأنقطاع عن العيش حياة طبيعية .
وعرض على هامش المهرجان فيلم بعنوان حبيبي راسك خربان للمخرجة سوزان يوسف وبدا ان الفيلم يحكي قصة الحب التي تربط بين قيس وليلى في اطار حديث ومنهم من عده نقلا لتلك القصة الى الواقع الفلسطيني وفي الفيلم يعود الطالبان الفلسطينيان الشابان قيس (قيس ناشف ) وليلي (ميساء عبد الهادي) وتقع الأحداث في قطاع غزة وهو انتاج متعدد شمل فلسطين والولايات المتحدة ودولة الأمارات وغيرها .
وللكوميديا نصيب في المهرجان من خلال الفيلم الصربي “الأسود البيضاء” للمخرج لازار ريستوفسكي الذي لفت النظر في اطار صنع المشهد الكوميدي من خلال شخصية الشاب العاطل عن العمل الذي يعشق فتاة هي مغنية في الأوبرا دون ان يستطيع الوفاء بالتزامه معها فيلجأ الى عدد من الحلول والحيل من خلال ابتكار لعبة يستطيع من خلالها جمع المال .

وعاد الفيلم العراقي ابن بابل للمخرج محمد الدراجي بعد عامين من عرضه في نفس المهرجان ليعرض مجددا ، ربما كان في الأعادة افادة ، حيث سبق وعرض في دورة العام 2010 وحصل على احدى الجوائز والفيلم يقدم جوانب من الحياة لعراق مابعد 2003 حيث تتجه عجوز من شمال العراق في رحلة شاقة الى جنوبه للبحث عن ابنها بصحبة حفيدها ليعرض الفيلم جوانب من الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد من جراء الحروب مصحوبا بجوانب انسانية مؤثرة تتعلق بتلك العجوز الباحثة عن ابنها والغلام الذي بفقد جدته يفقد صلته بالحياة ، هذه الشحنة الأنسانية تدفق بها الفيلم في معالجة واقعية وعميقة .
وفي اجواء الحرب وضحاياها يأتي فيلم ” طفل من سراييفو ” وهو من الأفلام المهمة والمؤثرة وعرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان ، يعرض الفيلم قصة الفتاة ” رحيمة” وشقيقها ” نديم ” وكلاهما من ضحايا مجازر البوسنة والهرسك حيث يواجه الأخوان مصيرهما في و قدرهما فلما يكبرا تجد رحيمة راحتها واستقرارها النفسي في التعبد والتمسك بعقيدتها الأسلامية واما نديم فلا يجد غير العنف سبيلا للتعبير عن نفسه وينخرط في هذه الدوامة ويقوده القدر الى مواجهة مع ابن احد الوزراء لتتصاعد الدراما الفيلمية في اجواء هذا الصراع .
واما من الأفلام الوثائقية المشاركة :
ابن خلدون للمخرج شركي خروبي ومن انتاج فرنسي بلجيكي
ايطاليا احبها او اتركها للمخرجين كوستاف هوفر و لوكا راكازي – ايطاليا
مجرد لعبة للمخرج ديمتري تشيمنتي من انتاج ايطالي – فرنسي – فلسطيني
الشاي او الكهرباء للمخرج جيروم لي مير – بلجيكا
العذراء والقبط وانا للمخرج نمير عبد المسيح – مصر
نحن هنا للمخرج عبد الله يحيى – تونس
السلاح اختيارا للمخرجة فلورنس تران – فرنسا
وافلام اخرى