جيمس بوند والأساطير المؤسسة 1/2

شهداء يناير .. أبطال سينما المستقبل
أسامة صفار

لعل من النماذج الأكثر وضوحا التي صنعتها السينما العالمية شخصية جيمس بوند وتعد سلسلة أفلامه واحدة من أشهر السلسلات في تاريخ السينما ومن أطولها وأكثرها شعبية ونجاحا على شباك التذاكر. وهي تشتمل على ثلاثة وعشرين فيلما حتى الآن، وتستخدم أفلام جيمس بوند صيغة سينمائية أثبتت نجاحها في الأفلام التي قدمتها حتى الآن، وتشتمل هذه الصيغة على قصص سينمائية تتخللها سلسلة من الأحداث والمطاردات المثيرة والعلاقات الغرامية التي تقع أحداثها في أنحاء العالم المختلفة ولا تخلو أبدا من  المشاهد الجميلة والنساء الجميلات. كما تشتمل على بعض الشخصيات الرئيسة الثابتة المشوقة كرؤساء جيمس بوند في المخابرات البريطانية، وبطلات الفيلم الرائعات الجمال من مختلف الجنسيات والشخصيات الشريرة التقليدية التي تسعى للسيطرة على العالم عن طريق استخدام الأسلحة الحديثة المتطورة والتآمر والابتزاز. وتعتمد هذه الأفلام عادة على براعة المؤثرات الخاصة المبهرة، وتتميز ببذخ إنتاجها وبتصويرها الرائع ولحنها الموسيقى المميز.

تبدأ قصص أفلام جيمس بوند عادة باستدعاء العميل السري البريطاني المتمرس جيمس بوند الذي تعهد إليه أصعب وأخطر المهمات، بعد أن يفشل فيها غيره. وبأسلوبه الهادىء الذي يستخدم فيه جاذبيته الخاصة مع النساء وأناقته وسرعة بديهته وبراعته في استخدام الأسلحة غير التقليدية التي تدخل في نطاق الخيال العلمي وسياراته التي تسبق عصرها ينجح في الخروج من المآزق المستحيلة التي يتعرض لها ويتغلب في نهاية المطاف على عناصر الشر الذين يمثلون عادة منظمة أو مجموعة يقودها شخص يجسد الشر بعينه يريد تدمير العالم أو السيطرة عليه أو التحكم في شيء حيوي فيه.
وقد بدأت سلسلة أفلام جيمس بوند بفيلم دكتور نو في العام 1962، ولم يكن أحد يتصور آنذاك أن هذا الفيلم سيستهل سلسلة سينمائية ستحقق مثل هذه الشعبية ومثل هذا النجاح. فقد أصبحت أطول سلسلة سينمائية ومن أكثر المسلات السينمائية نجاحا على شباك التذاكر، وبلغت الإيرادات العالمية الإجمالية للأفلام العشرين الأولى في هذه السلسلة قرابة 8,3 ملياردولار، وتحول العميل السري جيمس بوند بفضلها إلى واحد من أحب الشخصيات السينمائية إلى الجمهور. وبعد النجاح الكبير وغير المتوقع الذي حققه الفيلم الثاني في سلسلة أفلام جيمس بوند على شباك التذاكر، وهو فيلم من روسيا، مع حبي في العام 1963، أعيد عرض فيلم دكتور نو في دور السينما، وأقبل الجمهور على مشاهدته من جديد بحماس كبير، وكأنه اكتشف الفيلم الافتتاحي في هذه السلسلة السينمائية لأول مرة.
وتستند أفلام جيمس بوند إلى الروايات الاثنتي عشرة ومجموعتي القصص القصيرة للمؤلف البريطاني الراحل إيان فلمنج، وهو عميل سري سابق خدم في المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، واستند في بناء شخصية جيمس بوند إلى شخصيات استخباراتية حقيقية. ولكن بعد أن استنفدت جميع هذه القصص في أفلام سينمائية لجأ منتجو هذه الأفلام إلى عدد من كتاب السيناريو البارعين الذين ألفوا لأفلام جيمس بوند الأخيرة قصصا تتبع نفس نفسه وتستخدم الشخصيات الرئيسة نفسها، ونجح هؤلاء الكتاب في تقديم استندت إليها أفلام لا تقل إثارة، إن لم تزد، على الأفلام المبنية على القصص الأصلية للكاتب إيان فلمنج.

روجر مور في دور جيمس بوند

جيمس بوند
وقد تعاقب على أداء دور جيمس بوند ستة ممثلين، أشهرهم هو الممثل الإسكتلندي شون كونري الذي قام ببطولة سبعة من أفلام جيمس بوند والذي اقترن اسمه بشخصية جيمس بوند. ومن أشهر أفلامه دكتور نو (1962) و من روسيا، مع حبي (1963) و الإصبع الذهبي (1964). وجاء بعده الممثل الأسترالي جورج لازنبي الذي ظهر في فيلم واحد هو فيلم في الخدمة السرية لجلالة الملكة (1969)، ولكنه لم يحقق نجاحا يذكر في هذا الدور. واستبدل بعد ذلك بالممثل البريطاني روجر مور الذي ظهر في ستة من أفلام جيمس بوند أشهرها فيلم الجاسوس الذي أحبني (1977) و من أجل عينيك (1981) و الأخطبوط (1983). ثم تولى القيام بدور جيمس بوند الممثل الشيكسبيري البريطاني تيموثي دالتون الذي ظهر في فيلمين هما أضواء النهار الحية (1987) و رخصة للقتل (1989). ثم حل محله الممثل الإيرلندي بيرس بروزنان الذي قام ببطولة أربعة أفلام في هذه السلسلة، ابتداء بفيلم العين الذهبية (1995) ثم فيلم غدا لا يموت (1997) و العالم ليس كافيا (1999)، وآخرها فيلم مت في يوم آخر (2002). وجاء بعده الممثل دانيال كريج بطل فيلم كازينو رويال ، أحدث أفلام هذه السلسلة.
وقد حقق كل من شون كونيري وروجر مور نجاحا كبيرا في دور جيمس بوند، وقدمه كل منهما بطريقة مختلفة نسبيا. ومع أن شون كونيري اعتذر عن القيام بدور جيمس بوند بعد الأفلام الستة الأولى في هذه السلسلة، إلا أنه غير رأيه فيما بعد وظهر في الفيلم الثالث عشر وهو فيلم لا تقل لا مرة ثانية (1983).
وكان الممثل بيرس بروزنان في مقدمة المرشحين لدور جيمس بوند خلفا للممثل روجر مور بعد تقدمه في السن، إلا أنه لم يتمكن من إلغاء تعاقده التلفزيوني آنذاك حيث كان يقوم ببطولة المسلسل التلفزيوني المثير الناجح ريمنجتون ستيل . وعندئذ وقع الاختيار على الممثل المسرحي البريطاني تيموثي دالتون، إلى أن أصبح بيرس بروزنان متفرغا للقيام بذلك الدور. ومن المفارقات أن أول ممثل عرض عليه دور جيمس بوند هو الممثل البريطاني القدير الراحل جيمس ماسون الذي استخف بذلك الدور واعتذر عن أدائه، ثم ندم على ذلك أشد الندم بقية حياته.
ولا يدعي منتجو أو مخرجو أفلام جيمس بوند أن هذه الأفلام أعمال سينمائية خارقة للعادة في رسالتها أو مضمونها، بل يقرون بأنها أفلام ترفيهية لا تعتمد على المضمون بقدر ما تعتمد على براعة التكنولوجيا السينمائية والتصوير والمؤثرات الخاصة. إلا أن منتجي أفلام جيمس بوند ينفقون على إنتاجها بسخاء ويقدمونها بمستوى فني جيد جلب اليها مئات الملايين من المشاهدين في سائر أنحاء العالم وجعلها واحدة من أكثر المسلسلات السينمائية نجاحا.
والواقع أن ما تقدمه سلسلة جيمس بوند من رسائل يستحق اعادة التقييم فقد لا يكون في نظر منتجيه مهما أو مختلفا لكنه بالنسبة للأخرين يعني الكثير اذا وضعنا اعتبارا للرسائل الفرعية التي يقدمها بوند في أفلامه فضلا عن الرسالة الكبرى الكامنة في عمل يعتمد بالضرورة علي عنصر مخابراتي بريطاني يحمل تصريحا بالقتل ويتحرك – دائما – بالتنسيق مع جهاز المخابرات الأمريكي  CIAويقوم بعملياته قبل انتهاء الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفييتي وبعدها في مواجهة عصابات الارهاب الأسيوية أو العربية أو الكورية الشمالية كما أنه يبدو – كصورة ذهنية – عملاقا طائرا تحمله ثلاثة أجنحة هي الجاذبية والذكاء والتكنولوجيا

بن لادن

بن لادن ..أسطورة هوليوودية

بعد مقتله بساعات قليلة كان كبار صناع السينما في هوليوود يتسابقون من أجل صناعة فيلم عن نهاية الأسطورة التي بدأت صناعتها هناك , والحقيقة أن أسطورة بن لادن صنعت علي مهل مقارنة بغيرها ففي عام 1991 كان الدكتور ” هانيبال لكتر ذلك الطبيب النفسي البارع والمجرم آكل لحوم البشر قد هرب من الشرطة وجلس في منزله يقوم بأبحاثه ودخل إلى الشبكة العنكبوتية ليبحث عن أكثر المطلوبين للمباحث الفيدرالية الأمريكية ولم تكن المفاجأة أنه المطلوب رقم (1) في العالم ولكن المفاجأة أن المطلوب رقم (2) كان المليونير السعودي أسامة بن لادن الذي بدأ مناضلا اخوانيا وطرد بسبب الحاحه في طلب العمل المسلح ثم انضم الى المجاهدين الأفغان الذين كانوا يحاربون القوات السوفييتة في أفغانستان تحت اشراف مخابراتي أمريكي وبتنسيق أمريكي مع أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط لكن تضارب المصالح جعل من أسامة بن لادن والأمريكان أعداء فكان لابد أن يتحول إلى وحش شرير – بصرف النظر عما اذا كان كذلك أم لا، فالمعلومات المطلوبة لبناء الصورة الذهنية ستنسى ويبقي الموقف منه – وهكذا بدأ هانيبال لكتر الأسطورة التي تكررت في عدد من الأفلام بأشكال مختلفة وجاءت المخرجة التي فازت بالأوسكار من قبل عن فيلم ” hurt loker” الذي يظهر المخاوف والمعاناة الانسانية للجنود الأمريكان في العراق بجائزة الأوسكار لتعلن استعدادها لتقديم فيلم عن بن لادن
وأسامة بن لادن  هو نجل الملياردير محمد بن عوض بن لادن وترتيب أسامة بين إخوانه وأخواته هو 17 من أصل 52 أخ وأخت. درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة وتخرج ببكالوريوس في الاقتصاد ليتولي إدارة أعمال شركة بن لادن
ويمكن أن ينضم الى بن لادن هنا تشي جيفارا الذي قدم عنه فيلم بعد قتله بعامين فقط – أي في عام 1969 وقام هذا الفيلم بتصوير الجزء الاهم من حياة “جيفارا ” مع الثورة التي قام بها “فيدل كاسترو” ومعه “تشي” الذي اعدمته القوات البوليفية ولعل هذه المبادرة المبكرة جدا سياسية أكثر منها فنية حيث تهدف إلى  أن تترك معلوماتها المضللة والتي تؤدي الي انطباع سلبي  وكأنه هو الصحيح عن هذه الشخصية حيث يظهر في الفيلم فشل ثورة “تشي” لأنه كان معاديا للولايات المتحدة الامريكية
 وبن لادن وجيفارا نماذج لبشر عاشوا وتمت صناعة الأسطورة الهولييودية بعد بناء صورة ذهنية لهم ( أمريكية خالصة ) بينما جيمس بوند وباتمان ( الرجل الوطواط ” وغيرهم لم يولدوا من الأصل وتم بناء أسطورتهم طبقا لرؤي مسبقة عما يمكن أن يكون حلما بشريا ومجتمعيا في لحظة معينة, خاصة أن المجتمعات في ظل سيطرة الآلة الرأسمالية الجبارة تحتاج للحلم ببشر متجاوزين للقدرة الانسانية ولعل ايرادات عام 2008 في هوليوود يمكن أن تنبئ عن الكثير اذا علمنا أن الأفلام الأولي في شباك التذاكر الأمريكي كانت جميعها عن “البطل الخارق” ومنها “فارس الظلام” لكرستيان بيل، و”الرجل الحديدي” لروبرت داوني، و”هانكوك” لويل سميث وتشارليز ثيرون، و”مطلوب” لجيمس ماكوي، و”هيلبوي 2″ لرون بيرلمان، و”الرجل الأخضر” لإدوارد نورتون وكان العام 2008 هو السابع بعد تفجيرات 11سبتمبر والأمريكيون يشعرون بجرحهم الأكبر من تلك التفجيرات وانتبهت هوليوود لشعور الأمريكيين بالحاجة الى قوة متجاوزة واستجاب الجمهور فوضع تلك الأفلام على قمة الايرادات راضيا.
وقد أفرطت هوليوود في وصم العرب بأسوأ الصفات حيث ظهروا في أفلامها وكأن هدفهم الوحيد هو الجنس والمال واي شيء مادي وينزع منهم جميع الصفات الانسانية , فضلا عن كونهم مجرد وحوش تهوى القتل والتدمير ليطلق عليهم ” الارهابيين ”
والحقيقة أن هذا الزعم الذي لا ينتمي للحقيقة علميا أو عمليا ليس الا صورة ذهنية قامت السينما على مدى سنوات ببنائها عبر مئات الأفلام بإلحاح ومهارة ودأب
ولعل بعض النماذح المثيرة للإعجاب من الأفلام الأمريكية التي تؤكد أن صناعة الفيلم ليست عملا يحمل رسالة يمكن كتابتها في الصحف فقط لكنه عمل احترافي يصنع الصورة والذهنية ويبني الأسطورة باحترافية سينمائية عالية وقدرة كبيرة علي النجاح في تحقيق الايرادات ومن هذه النماذج فيلم taken  فحينما تختطف ابنة البطل لتكون سلعة تباع على يد العرب المهووسون بالجنس ويقوم البطل الاميريكي كالعادة بانقاذ ابنته منهم ليظهر لنا ان العرب مجرمين من دون رسالة مباشرة إلا ان الفيلم ليس الاول الذي يصور العرب بهذه الصورة فالمشهد المشهور في “انديانا جونز”يبين للعالم ان العرب ماز��لوا متخلفين حضاريا وان البطل العربي الذي يبدو مهرجا بسيفه يقضي عليه “انديانا ” بمسدسه بكل سهولة.
وأيضا فيلم ” الناقل”( الجزء الاول ) الذي يعرض فيه المخرج مايكل باي مشهدا يصور دولة عربية كصحراء لا يسكنها إلا مجموعة قديمة فكريا وفي المقابل يصور لنا الفيلم اكبر قاعدة أمريكية في الشرق الاوسط وهنا التناقض الكبير الذي يظهر فيه المخرج الصورة التي يريد تصديرها لجمهور هوليوود في أمريكا والعالم .
إلا أن السمة الرئيسية للعرب والمسلمين في أفلام هوليوود هي صورتهم الارهابية فمثلا فيلم “أكاذيب حقيقية” للمخرج جيمس كاميرون يظهر فيه العرب ارهابيون
 ولعل الملفت في تجربة المخرج والمنتج السوري هو فهمه العميق للكيفية التي تتم بها صناعة الأفلام الهوليودية ومن ثم تقديمه لتجربتين هما ” أسد الصحراء ” و ” الرسالة ” واستطاع بفيلمه الأول أن يخلد أسطورة ” عمر المختار” في الضمير العربي و أن يجعل اسمه معروفا لدي العرب الذين لولا الفيلم ما عرفوه الا قليلا وهنا نموذج يمكن السير علي هداه عبر التأسيس لصناعة الأسطورة تأسيسا علي حقائق تنتمي للواقع وتعكس صورة صادقة وتجذب جمهورا يبحث عن ملامح تشبهه


إعلان