حوار مع الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي


حاوره: حسن المرزوقي

ما هو رأيكم في مهرجان الدوحة السينمائي “ترايبكا” ونحن نعلم أنكم متابعون له منذ أول دورة: هل هناك تطور ما؟
الواقع أن كل دورة من المهرجان هي حالة خاصة بذاتها، بمعنى أنه في الدورة الماضية كان الدور الأساسي موكولا إلى “كتارا” (الحي الثقافي في مدينة الدوحة) وقبلها كانت دور العرض السينمائي التقليدية هي التي تُعرض فيها الأفلام والندوات، وفي هذه الدورة أنا أرى لأول مرة مهرجانا سينمائيا في سوق شعبي رغم أني أحضر مهرجانات عربية وعالمية بعضها تجاوز عمره الربع قرن من الزمن، وهنا أرى أن سحر السوق الشعبي وأجواءه هامة، وقد كان هذا الاختيار مفاجأة لنا فنحن رغم أننا كنا في سوق لكن كان هناك انضباط في مشاهدة الأفلام، وأنا مثلا كنت أتساءل عما إذا كان ممكنا التخلص هذه المرة من السجادة الحمراء فيمشي الواحد منا في سوق ويستنشق رائحة البخور والقهوة والأرجيلة فتكون هناك حالة تتوافق مع طبيعة السوق.

وعلى مستوى المضمون ونوعية الأفلام ما الجديد في هذه الدورة؟
 أنا أرى أن فيلم “المفتاح” كان فيلما هاما جدا وكذلك فيلم “الأصولي المتردد”، لكن المشكلة في فيلم “متشدد على مضض” تكمن في أنه كان فيلما للافتتاح وليس في الفيلم في حد ذاته، فالمتلقي يدخل ليشاهد الفيلم ولديه مسبقا أفكار تتعلق بشخصية العربي المسلم بأنه مدان ومتهم، والغريب أن الفيلم كان يبرر هذه الرؤية ويبرر أيضا نظرة الريبة التي تلاحق كل من هو عربي أو مسلم وفي الوقت نفسه يتكلم عن أن هناك إرهابا وإرهابيين في العالم العربي الإسلامي، لكني أرى أن أخطر ما في الموضوع أنه لا يمكن أن نؤخذ بجريرة الآخرين، فالقول بأنه يوجد مسلم أو أحد من “القاعدة” قد فجر برجين في أميركا ليس له إثبات قطعي إلى الآن وقد لا يكون مسلما، وحتى لو ثبت ذلك فإن هذا لا يعني بالضرورة أن العربي متهم.

هذا يأخذنا إلى السؤال عن رسالة السينما مع فيلمي “الأصولي المتردد” و”المواطن” مثلا وذلك على مستوى تحليل رسالة كل فيلم فيهما لتحسين صورة العرب والمسلمين فما هو رأيكم؟
لا أعتقد أن فيلمي “الأصولي المتردد” و”المواطن” يحسّنان صورة العربي والمسلم، ففيلم “المواطن” مثلا يجعلك تشعر بالمهانة لأنك عربي، ففي نهاية الفيلم نرى خطابا من نوع “تحيا أميركا” و”أنا أحب أميركا”، فحتى الاعتزاز بالأصول العربية في أميركا ليس أمرا مستهجنا على مستوى الثقافة الأميركية ذاتها، وبعيدا عن مضمونه الفاشل فإن هذا الفيلم كان فاشلا تقنيا أيضا لأن التقنيات فيه كانت متواضعة، والممثل ليست له علاقة بفن الأداء فهو يؤدي دوره بطريقة قديمة مضى عليها نصف قرن.

 ما رأيكم في دعم وتمويل الأفلام التي تريد أن تقدم صورة العربي بشكل موضوعي؟
 كان هناك منذ ثلاث أو أربع سنوات فيلم جيد اسمه “أنا اسمي خان ولست إرهابيا” ورغم اللغة المباشرة التي كانت فيه، وأنا أكره هذه اللغة المباشرة، فقد بلّغ هذه الرسالة. وعموما أنا مع تمويل مثل هذه الأفلام مع ضرورة القول بأننا كإعلاميين ومثقفين وفنانين ساهمنا في ترسيخ هذه الصورة السيئة عنا كعرب ومسلمين.

الناقد طارق الشناوي

هذا الجواب يأخذني إلى رسالة “مؤسسة الدوحة للأفلام” فما هو رأيكم في مهرجان ينبثق عن معهد للسينما؟
ليس مهما من أين يأتي المهرجان ولكن المهم هو أين سيصل هذا المهرجان، ولكن في النهاية وجود معهد له تطلعات ورؤى متعلقة بالسينما هذا شيء إيجابي.

هذه التجربة هي الوحيدة حاليا في العالم العربي أليس كذلك؟
سنة 1992 كان هناك مهرجان تابع لمعهد العالم العربي بباريس وكان مهرجانا للسينما العربية وكان ناجحا لكنه الآن متوقف منذ 2006، وفي النهاية ليس مهما المعهد بل المهم هو أين تذهب وماذا تريد.

بالنسبة لمهرجان الدوحة التابع لمؤسسة الدوحة كأنه جاء ردا على سؤال: كيف يمكن أن تقيم مهرجانا في ظل غياب السينما؟ فكان الجواب أن يتم تنظيم مهرجان للسينما ويتم في الوقت ذاته وعلى مدار السنة تدريب وتمويل التجارب السينمائية، فما هو رأيكم في هذا الطرح؟
أنا أرى أن المناخ يخلق توجها، ففي الخليج مثلا عندما تم تنظيم مهرجانات دبي للأفلام في 2004 وأبوظبي في 2007 والدوحة في 2009 والكويتيون يفكرون في تنظيم مهرجان في 2013 وعندما تمت تهيئة مناخ سينمائي أصبح الناس يتحركون وينتجون أفلاما حتى أصبحت هناك أفلام روائية طويلة إماراتية في دبي وأبوظبي وهذا أمر لم يكن موجودا من قبل، والمهرجانات الخليجية للسينما أنجبت أيضا أفلاما.

كيف تقيمون تجربة السينما الخليجية في السنوات الأخيرة؟
أنا أرى أن القادم سيكون أفضل، لكن هناك شيء هام وهو أن معدل التقدم في مجال الأفلام بالبلدان الخليجية سريع جدا لأن عندهم حماية مادية، وهذا ما تعاني منه السينما في مصر وهو عدم وجود الحماية المادية فتضطر دائما لدعم ما يسمى السينما المستقلة أو السينما البديلة حتى تواجه السينما التجارية التي فرضها السوق، أما في الخليج فإنه لا يوجد هذا القيد ولأن حلقة تداول الفيلم محدودة فإن المردود التجاري للأفلام “التجارية” تكون ضعيفة مما يضعف الأقبال عليها تمويلا وإنتاجا، وهذا يعني أنه عندهم فرصة للمراهنة على الفن، ومع وجود الإنتاج المشترك للأفلام الكبرى ربما يخلق هذا الأمر إرادة لتقدم هذا الفن.

هناك ظاهرة ملفتتة للنظر هي وجود نصيب وافر من الأفلام الوثائقية في المهرجانات، فهل هذه استسهال أم توجه واضح؟

الأفلام الوثائقية عددها أكبر في العالم كله وتساعدها على ذلك سهولة التقنيات الرقمية والكاميرات المحمولة.

 كما أن الجوائز المقدمة في المهرجانات للأفلام الروائية هي من نفس قيمة الجوائز المقدمة للأفلام الروائية الطويلة رغم أن الاشتغال بالروائي أصعب وأطول وأكثر تكلفة من الاشتغال بالوثائقي فهل هذا سبب آخر لتفسير هذه الظاهرة؟
أنا أرى أنه لا يجوز أن يحصل الفيلم على جائزة أكبر لأنه روائي وطويل مثلا فالإبداع ليست له علاقة بطول الفيلم أو قصره، كما أن حتمية اختيار الزمن في العمل الإبداعي هي في حد ذاتها إبداع، وبهذا فإن تقييم الجائزة ماديا بحسب الزمن هو تقييم لا يعبر عن منطق فني، ولا يجب أن نعتبر أن اعتماد هذا المقياس في المهرجانات السينمائية الكبرى يعني أنه مقياس صحيح.

لكن قد يكون هذا المقياس مبررا فمن الصعب المحافظة على المشاهد لمدة ساعتين مثلا بجهد إبداعي قليل، كما أن الجهد الإبداعي في الفيلم الروائي الطويل أكبر فما هو رأيكم؟
عندما يتم ضبط الإيقاع وتكثيف الحكاية يكون ذلك إبداعا أيضا، وفي الصحافة مثلا العمود الذي يحتوي على 500 كلمة قد يحتاج جهدا أكثر من مقال مكون من 2000 كلمة، وفي مسابقة معهد الصحافة في دبي مثلا جائزة العمود الصحافي أكثر من جائزة التحقيق. وبهذا أنا أرى أن الزمن لا يحدد القيمة الإبداعية وأن الوثائقي في إبداعية الروائي، وفي لائحة مهرجان القاهرة كنت أُلحَ على إدراج الأفلام الوثائقية الطويلة في المسابقات.

ندخل الآن في تفاصيل بعض الأفلام، أحسست من بعض المتابعين لمهرجان الدوحة إحباطا من المخرج الجزائري مرزاق علواش فما رأيكم؟


مرزاق علواش يُشعر أغلب الجزائريين والمغاربيين بالإحباط منذ زمن طويل (ضحك)، وفيلمه “Normal” حصل على الجائزة الذهبية السنة الماضية لكني حضرت عرض الفيلم في مهرجان وهران بالجزائر وكان الصحافيون الجزائريون مستاءين منه لأنه “ينشر الغسيل القذر” للجزائريين وهذا انطباع مسبق ضد مرزاق علواش، وأنا خلافي معه ليس فنيا بل فكري، ففكرة التسامح غائبة عنده بينما هي شكلت الجزائر القائمة اليوم بعد السنوات العشر من الدم ولا يمكن إلغاؤها بموجب الانتقام لأن الأصل هو فتح الأعين على مفاهيم مثل الأمن القومي للجزائريين، كما أن فكرة التسامح هي التي صنعت جنوب إفريقيا الحالية وأنقذتها من فيضانات الدم.

لكن فيلمه “التائب” مثلا ليس فيه عقدة ونصه ضعيف، كما أن الزمن السينمائي فيه تحول إلى زمن واقعي في كثير من المشاهد أيس كذلك؟
مرزاق علواش في هذه الجزئية متأثر بالسينما الإيرانية وخاصة تجربة المخرج الإيراني عباس كرستاني.

لكن الجزائريين انتقدوه أساسا لأن الفيلم انتهى نهاية لم ينتظروها، فهل هذا صحيح؟
النهاية التي انتهى بها الفيلم وهو الموت هي رسالة تحذيرية من أن الخطر لم يمت، لهذا يجب أن ندعم فكرة التسامح وعدم الغفلة عن الخطر فالرماد يمكن أن يتحول سريعا إلى نيران.

ما هو تقييمكم لسينما ما بعد الثورة؟ هل هي واعدة؟ فمثلا فيلم “عشم” أعجبني.
وأنا أيضا أعجبني هذا الفيلم، والروح التلقائية في هذا الفيلم للمخرجة المصرية ماجي مرجان كانت جميلة، لكن كانت هناك زيادات في الفيلم كان يمكن التخلص منها خلال المونتاج، كما أن الشخصيات في الفيلم لم تكن متغيرة رغم أن زمن الفيلم كان خلال الثورة وربما في الـ18 يوما التي صنعت الثورة المصرية في الميدان وفي كل المدن المصرية.

هل أن الثورة على الأنظمة تعقبها ثورة ثقافية وسينمائية؟ ما هو رأيكم كناقد سينمائي؟
الناس في مصر مثلا يعتقدون أنه عندما تقوم ثورة تصبح كل الأفلام ثورية والأغاني ثورية وكل شيء ثوري، وهذا غير صحيح لأن الجزء الرديء والتجاري سيظل موجودا دائما ويشكل الجزء الأكبر من الفن.

لكن الثورة دكت المجتمع العربي كاملا فهل سيستفيد المبدعون من الثورة وهل سيعبرون عن جمالية الثورة؟
هناك نوعان من المثقفين واحد ثوري فعلا وواحد يتماشى مع السلطة القائمة مهما كان نوعها ثم يبدأ بالدفاع عن النظام القائم وينتهي بالإبداع وفق الشروط والقواعد التي وضعها ذلك النظام أو تلك السلطة، لكن الجميل في الموضوع أننا في زمن أصبح فيه الفضاء مخيفا فلو جاء عادل إمام وقال إنه مع الثورة مثلا فإنه بالإمكان وبسهولة إظهار الأشرطة والتسجيلات التي تتضمن مواقفه السابقة من ترشيح جمال مبارك للرئاسة مثلا أو قوله بأن مبارك هو رب مصر، وهذا فقط هو الذي سيخيف المثقفين الذين يراهنون على السلطة، ففي هذه المرة إذا بعت (ضميرك) فإنه يوما ما ستكون هناك فضيحة.


إعلان