تحولات البطل عبر ثلاثين عاما في مصر 3/5
شهداء يناير .. أبطال سينما المستقبل
أسامة صفار – القاهرة
يبدو البطل السينمائي في السنوات الثلاثين السابقة على الثورة وكأنه شاب في عنفوان شبابه فبدأ العقد الأول 80 – 90 قويا وفتيا يكافح القبح والقيم السلبية والفساد ويواجه بوادر اغتراب سياسي واغتراب اجتماعي في ذروته آملا أن يكون كل ما في الأمر أزمة مؤقتة لكنه مع استفحال الفساد واستفحال قوى القبح المادي والقيمي ينهزم فينعزل ويبدأ في الظهور عبر أفلام التسعينات – وخاصة النصف الثاني منها – بصورة سلبية منهزمة ثم ينفصل عن مجتمعه بشكل شبه تام – وهو الغارق في أوحاله – لكنه يعيش في عالم من الشظايا التي تدور حول ذاتها المنعزلة في غربة تامة عن الاخرين مأخوذا بما يتمناه من لقمة العيش حتي الخروج إلى حياة حقيقية لكنه دائما مقهور منهزم سلبي ليتجلى ذلك واضحا مع انطلاق موجة أفلام ” المضحكين الجدد” والذين جسدوا بأفلامهم مرحلة من “المازوشية المجتمعية ” تمثلت في انتشار موجة الكوميديا واحتلالها لكل شاشات العرض في مصر وحصدها للايرادات ولعل الصفات الشكلية لأبطال موجة الكوميدا والتي استمرت حتي العام 2006 تقريبا تشير الى أن المواطن – المتلقي – المشاهد والذي كان يشترط في بطله الوسامة ( رشدي أباظة – شكري سرحان – محمود عبد العزيز – محمود حميدة ) لم يعد يعتقد أنه يمكنه التوحد مع أبطال لهم نفس الشروط ..
إن شكل هؤلاء الأبطال يستحق دراسة عميقة حيث كل منهم كاريكاتير يصلح لرسم الصور المتحركة فمنهم القصير بشكل مبالغ والطويل بشكل مبالغ فيه والسمين بشكل مبالغ فيه وبدا الأمر نوعا من “جلد الذات” لمواطن يعرف أنه هارب من مواجهة ظروف مجتمع تسير من سيء الي أسوأ دون أن يكون له دور في وقف هذا السقوط وكان التنوع الذي فرض نفسه بوجود أفلام من أنواع أخرى وأكثر قيمة وجدية بدلا من تلك التي اعتمدت علي الافيهات اللفظية والأبطال الذين يهربون لتحقيق النجاح خارج بلادهم “همام في امستردام” أو “فول الصين العظيم ” أو “غبي منه فيه” أو غيرها فإن أفلاما لداوود عبد السيد ويسري نصر الله ومجدي أحمد علي قد بدأت في الظهور لتحتل مساحة في دور العرض ومن ثم يتوازن الأمر بشكل نسبي ومع عودة الجدية ظهر البطل في أفلام مثل “هي فوضي” ايجابيا مقاوما وواجه أمين الشرطة الفاسد ومعه أهل الحي حتى اضطروه للانتحار وفي حين ميسرة لم يستسلم البطل لكن جيلا جديدا لا يزال بعد في بواكير الشباب ضل الطريق ورغم ذلك فان بعض الأفلام مثل “كباريه” و”الفرح” و “الجزيرة” وغيرها قد صورت بطلا يتكيف مع واقع الفساد والسرقة وينجو بنفسه منه باعتبارهذه النجاة هي أقصي درجات المقاومة الايجابية.

والحقيقة أنه يصعب الفصل بين سينما الثمانينات والظرف السياسي والمجتمعي الذي فرضه الانفتاح الاقتصادي بدءا من عام 1974 ووصل الى ذروته مع بدء العقد الثمانيني والظرف السياسي الذي فرضته معاهدة كامب ديفيد ثم الظرف السياسي الذي صنع زلزالا سياسيا في مصر وهو قتل الرئيس السادات ورغم ذلك فان ظلال الأحداث السياسية لن تترك اثارا مباشرة علي الأفلام بينما صنع الظرف المجتمعي المرتبط بالانفتاح الاقتصادي وما أفرزه من قيم حالة اغتراب تبدت واضحة في أفلام مخرجي تلك المرحلة لكن هؤلاء القادمين من عالم الأحلام فهم الجيل الذي تربى وعيه مع التجربة الناصرية في الستينات واجتروا أحزان الهزيمة وحاربوا وقاتلوا حتى العبور والانتصار في السبعينات. هم أبناء الطبقة الوسطى التي لم تجن ثمار النصر رغم أنها من زرعته.. الطبقة التي دفعت من دمها وتجلى حصادها في انهيار اجتماعي سريع ومدوي، قابله صعود أسرع لطبقة طفيلية هدمت كافة القيم المجتمعية الراسخة، وقلبت الموازين لذلك كان طبيعي جدا أن يصبح نور الشريف في فيلم “سائق الأتوبيس” أو سائق التاكسي في “ليلة ساخنة ” أو أحمد زكي الهارب من القانون في فيلم “الهروب” رموزا للبطولة في سينما عاطف الطيب. يتعاطف مهم المخرج ويمجدهم الجمهور وقد التزم أغلب أبطالهم بمنظومة قيمية مقاومة للقبح والفساد وتميزوا بالايجابية في مواجهة ما يرونه خطأ ورغم ذلك فقد تسربت الهزيمة الى أبطال الثمانينات – وهو امر طبيعي – بعد حسم المعركة على الأرض فقدمت أفلاما انتهت بهزيمة الأبطال رغم مقاومتهم الشديدة للقبح بكل أشكاله
وهؤلاء المخرجين هم مجموعة جديدة من الشباب الذين استطاعوا أن يتغلبوا على التقاليد الإنتاجية السائدة، وأن يصنعوا سينما جادة وأطلق عليهم تيار الواقعية الجديدة أو جيل الثمانينيات، من هذا الجيل المخرج عاطف الطيب، وتجارب رأفت الميهى، وأفلام خيري بشارة ومحمد خان وغيرهم. وبرز في تلك الفترة نجوم مثل : “عادل إمام” و”أحمد زكى” و”محمود عبد العزيز” و”نور الشريف” و” نادية الجندي” و”نبيلة عبيد” و”يسرا” و”ليلى علوى” و”إلهام شاهين” و”سهير رمزي” وفي منتصف الثمانينيات وبالتحديد مع بداية عام 1984 ارتفع عدد الأفلام المعروضة بشكل مفاجئ إلى 63 فيلمًا، فيما يشكل بداية موجة أفلام المقاولات ؛ وهي عبارة عن أفلام كانت تُعَدّ بميزانيات ضئيلة ومستوى فني رديء لتعبة شرائط فيديو وتصديرها إلى دول الخليج.
واذا كان عقد السبعينات قد شهد أكثر الموجات هبوطا في تاريخ السينما – كما أكد المخرج الدكتور محمد كامل القليوبي دائما – فان الثمانينات بدت وكأنها تعويض مباشر في ظل تحديات الظروف المجتمعية والسياسية والثقافية التي كانت المرحلة تموج بها وقد واجه الشعب المصري في ظل سياسة الانفتاح الدولية نتيجة الأوضاع العربية المتردية ارتفاع الأسعار في السوق السوداء بشكل جنوني، ومخاطر التفكك الأسري، كالتفسخ والانحلال الخلقي وخاصة عندما تتبدل وتتغير القيم والمفاهيم وتنتفي السلوكيات الأخلاقية وينصرف الضمير الإنساني ويصبح الرجل همجياً عدوانياً والمرأة سلعة رخيصة.
ومن أهم وابرز الافلام التي قدمتها السينما المصرية في فترة الثمانينات هو “الغول” والبري وسكة سفر وانتبهوا ايها السادة وأهل القمة والكيف، وفيلم الغول اثار ضجة وقت عرضه بسبب مشهد العنف الذي انتهى به عندما ارتكب ابن أحد رجال الأعمال من اصحاب النفوذ جريمة قتل ولكن الأب استطاع ابعاد الشبهة عن ابنه ثم نجد صحفياً يهتم بمتابعة القضية ويستطيع تقديم الدليل على أنه ابن رجل الأعمال، والأب يتدخل مرة أخرى لتغيير مجرى الأدلة امام النيابة ومن ثم تحكم المحكمة بالبراءة على الابن القاتل. وبعدها يقوم الصحفي باستعمال العنف حيث يقوم بمهاجمة رجل الأعمال وقتله.
وفي فيلم “سكة سفر” يختار بشير الديك بطله زغلول من وسط شريحة من أكثر فئات المجتمع ميلاً للسفر بسبب ظروفهم الاقتصادية الأكثر صعوبة إنها شريحة الفلاحين الذين هجروا الأرض إلى الداخل حيث بدأوا بممارسة أعمال يدوية ليست لها علاقة بفلاحة الأرض ثم هاجروا إلى الخارج مقابل أية مبالغ وتحت أية ظروف والفيلم يبدأ برجوع زغلول من إحدى الدول العربية بعد خمس سنوات من المعاناة فجاء حاملاً بضعة آلاف من الجنيهات وقدراً هائلاً من مرارة الغربة وعاد ليجد ابنة عمه وخطيبته مازالت تنتظر رجوعه وكان من المفروض أن يتزوجا ولكن زغلول لم يعد زغلول لقد بدأ يتعامل مع كل شيء بمنطق المال والصفقات فدخل مشروعاً فاشلاً مع أحد اصحاب الاعمال الصغار في العزبة ثم تقدم إلى ابنة هذا الرجل والهدف هو تأمين مستقبله ووالطمع في المزيد من الثروة ضحى بأبنة عمه وباع الماضي وكل القيم الحميدة ولم تعد في قلبه مساحة للعواطف والمشاعر الإنسانية وهكذا ينتهي الفيلم بسفر زغلول مرة أخرى وهذا نتيجة اطماعه وتعذيب الروح والنفس من جديد وكأنه اصبح مكتوباً على البطل السفر إلى الأبد.
وكان فيلم “انتبهوا أيها السادة” هو أول أفلام الثمانينات التي غيرت مفهوم البطولة وأعطت للبطل ملمحاً جديداً ارتبط بالواقع الاجتماعي المعاش وعبر عنه إذ ينتهي الفيلم وأستاذ الفلسفة صاحب القيم والمفاهيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية مهزوم وانتصر جامع القمامة الطفيلي، إحدى ثمرات سياسة الانفتاح السيئة، لقد عجز أستاذ الفلسفة عن استيعاب المتغيرات الجديدة قاومها في البداية وظل يقاومها ولكنها كانت أقوى من المقاومة وأعنف من أن يتعرض لها شخص بمفرده ومن ثم كانت الهزيمة من نصيب البطل أستاذ الفلسفة ومن الأبطال المهزومين أيضاً كان محمد ضابط الشرطة الشريف الذي عانى من ضغوط اقتصادية عنيفة، وتحول إلى شاهد على هذا العصر الذي تحول فيه النشال إلى رجل اعمال واصبح فيه الطفيليون واللصوص هم أهل القمة كما أسماهم نجيب محفوظ كنوع من السخرية (القطط السمينة) وضابط الشرطة هذا هو أحد ابطال فيلم أهل القمة الذي يحاول مقاومة ذلك الانهيار الذي حدث ويتصدى لفساد رجال الأعمال الكبار وتكون النتيجة نقله من القاهرة إلى الصعيد كنوع من العقاب ليس ذلك فقط بل أن النشال زعتر الذي أصبح أحد رجال الانفتاح الاقتصادي يتحداه ويتزوج من ابنة شقيقته التي تقبل الزواج من زعتر رغم علمها بماضيه هروباً من ظروفها الصعبة التي تعيش فيها وتنتهي أحداث الفيلم بهزيمة ضابط الشرطة وفشله تماماً في المواجهة وبلقطة عامة في أحد الأماكن المزدحمة بالناس ينتهي الفيلم وضابط الشرطة يدخل في عمق الكادر يتوه في الزحام.

وفيلم الكيف الذي يقوم بدور البطولة فيه محمود عبدالعزيز وكاتب القصة محمود أبو زيد وأخرجه علي عبد الخالق، واحد من الأبطال الذين تعرضوا للهزيمة في فترة الثمانينات وبطله يعمل كيميائياً يتورط في صنع مادة تشبه المخدرات ولكنها في الحقيقة ليست مخدرة يحاول عن طريقها إثبات أن الكيف وهم وليس حقيقة كما يتوهم الذين يتعاطون المخدرات وعندما يكتشف أحد كبار تجار المخدرات ذلك يقوم باختطاف الكيميائي صلاح ويجبره على صناعة المخدرات
ويعد نور الشريف أحد أهم النجوم الذين جسدوا بطل الثمانينات حيث كانت الفترة الذهبية لنضوجه الفني فقدم في بدايتها
فيلم ‘حبيبي دائما’ الذي يعد واحدا من أهم الأفلام الرومانسية في السينما العربية، وعلى رغم نسجه على منوال الفيلم الأميركي ‘قصة حب’ أنجز الفيلم بصياغة مصرية، قد نراها فيمن حولنا من محبين ونسمعها عمن حولنا من قصص وحكايات. وفي عام 1980 قدم فيلم ‘ضربة شمس’ وغامر بتقديم محمد خان كمخرج جديد سيكون له شأن بعد ذلك.