شهداء يناير ..أبطال سينما المستقبل.. مسخ البطل 4/5
كان النموذج الذي قدمه عادل امام قد بدأ في الخروج الي أرض الواقع بعد نجاحه في فيلم “البحث عن فضيحة ” عام 1979وتحقيقه ايرادات كبيرة وقد أنجز عادل امام سلسلة من الأفلام التي تقدم المواطن المصري علي أنه “الهلفوت” المقاوم للظلم و “المتسول” صاحب القيم الأصيلة كما قدم محاولات جيدة في “المشبوه” مع فاروق الفيشاوي والذي شاركه في ” النمر والأنثي ” لكن أغلب أفلام عادل امام كانت تدور في مجتمع اخر خلال تلك الفترة الي أن اهتدي الي السيناريست وحيد حامد فشكلا ثنائيا قدم عددا من الأفلام التي لمست جروح المجتمع المصري وقدمت بطلا مقاوما من اللعب مع الكبار الي طيور الظلام وغيرها لكن النموذج الذي طرح في أغلب أفلام الزعيم كان متورطا بنسب مختلفة في سلوكيات تصم المجتمع بالتوحش وكثيرا ما قدم نماذح غير واقعية لمعارك تصلح للسوبر هيرو فقط ويعود ذلك الي العدد الكبير للأفلام التي قدمها مأخوذة عن أعمال أجنبية لعل أشهرها ” عصابة حمادة وتوتو” وبعد سنوات يعود ليقدم” شمس الزناتي ” ولكن النضوج الحقيقي يبقي في مرحلة وحيد حامد حتي أن عددا من تجاربه لقي فشلا وكاد نجمه يخبو تماما لولا ” التجربة الدانماركية ” و”عريس من جهة أمنية ” و”عمارة يعقوبيان” بالطبع لكنه عاد ليقدم سينما بلاستيكية لا تستطيع معها التعامل مع البطل باعتباره نموذج صادق بل نموذج معلب وضع داخل الفيلم ليبوح بمقولات تواكب قضايا مجتمعية انية مثل ” حسن ومرقص ” وهو لم يكن غريبا علي الزعيم الذي قدم فيلما ضعيفا في ” الارهابي ” والذي كتبه السيناريست والكاتب المسرحي لينين الرملي فلم يلمس الفيلم حقيقة ذلك الارهابي الذي يفشل في قتل أحد الكتاب ويصاب في حادث فتعالجه أسرة الكاتب ويأسره الموقف الانساني فيتراجع ويشك في مقولات أميره ولم يحاول السيناريو أن يتلمس طريقه الي أعمق من ذلك وعلي العكس تماما أتي فيلم ” “الارهاب والكباب ” حمل بطله ملامح الانسان المصري الذياحتمل الكثير وحين غضب وثار – بالخطأ – لم يجد لديه من المطالب سوي أبسطها لكن الفيلم ينتهي دون نجاح سوي في أكل الكباب وفضح أداء مسئولي الأمن وعلي رأسهم وزير الداخلية .
ويقدم عادل امام في مرجان أحمد مرجان بطلا فاسدا وراشيا ولكن ودون مبرر واضح نفاجأ بابنه وابنته – اللذين تربيا في بيته – نفاجأ بهما صالحين تماما ويقفان ضده مع أستاذتهما في الجامعة – التي تحبه رغم فساده – وينتهي الفيلم بالتصالح بين رأسمالي طفيلي نفسد بالضرورة مع المجتمع
وبالعودة الى نور الشريف فقد قدم عام 1981 ‘أهل القمة’ عن قصة الكاتب نجيب محفوظ وسيناريو مصطفى محرم. و’أهل القمة’ هنا هم اللصوص الجدد الذين استفادوا من قوانين الانفتاح الاقتصادي.
وفي عام 1983 عرض فيلم ‘سواق الأتوبيس’ قصة محمد خان وسيناريو بشير الديك واخراج عاطف الطيب. ويقدم الفيلم محاولة الابن حسن سلطان (نور الشريف) انقاذ ورشة الأخشاب التي يملكها والده (عماد حمدي)، وتمثل له حياة الأب وكفاحه واصراره. ولكن لتراكم الديون تعرض الورشة للبيع في المزاد، وحسن مازال يقاوم.
في ‘سواق الأتوبيس’ الذي يتسم برحابة الرؤية ودقة تحليل الواقع، يتابع عاطف الطيب رحلة الوعي عند بطله، ويرصد الفيلم مراحل التغير والتحول من المراقبة والتأمل حتى لحظة المواجهة والكشف عن التغيرات التي حدثت في بنية المجتمع المصري في السبعينات وما صاحبها من اهتزاز لسلم القيم واستشراء للفساد وسيادة القيم المادية وطغيان الجشع والطمع، بالإضافة الى شراسة الواقع الجديد الذي أدى الى انعدام الدفء في العلاقات العائلية والإنسانية ولعل أجمل ما قدم من نماذج البطل الايجابي المقاوم للقبح في المجتمع هو هذا العمل , لكن وبتوقيع عاطف الطيب أيضا يهرب البطل الشريف الخارج علي القانون ويقتل مع ضابط الشرطة الشريف في نهاية فيلم “الهروب” ليهزم الشجعان الصالحون ويبقي المجرمون في ملابسهم ومناصبهم الرسمية .

وفي عام 1984 قدم نور الشريف فيلما ‘آخر الرجال المحترمين’ عن الأستاذ فرجاني المدرس الذي يعتبر أطفال المدرسة مسؤوليته الخاصة على كل المستويات الشخصية والعامة. وهو مرب فاضل مهمته بناء عقل الانسان ووجدانه بكل الصدق والحب، ولايستطيع تصور وجود عوامل اخرى تهدم ذلك البناء. ومن خلال شخصية فرجاني أيضا أكد نور الشريف قدراته الادائية، وقدم بعض ملامح البطل الطيب الذي يدخل في مواجهة غير متكافئة مع الروتين والفساد الحكومي.
وفي ‘الصعاليك’ عام 1985 ومن خلال متابعة اثنين من الصعاليك الى القمة جرى تفنيد أكذوبة رجال الأعمال العصاميين. حاول الفيلم من خلال أبطاله الصعاليك ان يقدم تحليلا لأساليب الصعود غير المشروع بوعي فني واجتماعي واقتصادي وسياسي. لقد حاول المخرج داود عبد السيد البحث عن المنطق النفسي والاجتماعي في تصرفات شخصياته، كما استطاع الكشف عن ما يعتمل في داخلها من الحب والاشتهاء والندم والخيانة والجشع، كل ذلك من خلال عرض واقعي صادق للحياة.
وفي فيلم ‘الزمار’ عام 1985 قدم لنا نور الشريف جانبا من حياة الزمار حسن، الشاب المطارد والمتنقل من قرية الى قرية من قرى الصعيد بحثا عن الامان والاستقرار.
وفي زمن ‘حاتم زهران’ 1988جسد شخصية الشاب الانتهازي الذي يهرب من أداء الخدمة العسكرية ويسافر الى اميركا. وهو على النقيض من اخيه يحيى الشهم الوطني الذي يستشهد في حرب 73، في الفيلم صيحة مبطنة ثم صرخة عالية عن الوضاعة التي وصل اليها الانفتاحيون الجدد بمحاولة ضربهم لكل القيم الأصيلة بحثا عن الثروة والمجد.
ورغم تراجع السينما في التسعينات الي حد كبير الا أن قوة الدفع من العقد السابق ظلت مستمرة حيث قدم نور الشريف عن رواية للكاتب نجيب محفوظ عام 1990 فيلم ‘قلب الليل’، وفيه معالجة لقضية فلسفية مهمة اتعبت الفكر الإنساني كثيرا، هي قضية الحرية .
وفي ‘البحث عن سيد مرزوق’ عام 1991 خاض نور الشريف تجربة مختلفة وفريدة عندما تجاوز داود عبد السيد مؤلف ومخرج الفيلم حدود الواقعية الصارمة وقرر ان يقفز فوق التفاصيل والعلاقات المرتبطة بالواقع ليخلق عالما مختلفا يرتكز على معطيات الواقع، لكنه يقوم على منطق خاص يمزج بين الحلم والواقع من دون تحديد لما بينهما من حدود، وفي عام 1992 جسد نورفي فيلم ‘دماء عل الاسفلت’ شخصية الدكتور ثناء الذي يعمل في احدى المنظمات الدولية، وعندما يعود بعد غياب يفاجأ بأن الانحلال أصاب أسرته. ويحاول اصلاح الأمور مهما كانت الخسائر.
كان نور الشريف قادرا على رغم الاختيارات المحدودة في السينما في ذلك الوقت على الاختيار بوعي ليقول كلمته من خلال ابطاله وفي عام 1992 قدم نور الشريف فيلم ‘ناجي العلي’ عن شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي صاحب الشخصية الشهيرة ‘حنظلة’. وقدم نور تنويعة جديدة لملامح البطل الذي يحمل في قلبه الهم العربي ويرغب في تجاوز الواقع المهزوم ويحلم بالوطن الذي لا يدوسه الغرباء وفي عام 1996 قدم ‘ليلة ساخنة’، ومع عاطف الطيب قام باستخراج احشاء القاهرة في ليلة رأس السنة، وأشار البطل الى امراض المدينة وتوحشها. وكان الفيلم بمنزلة تقرير بصري شديد السخونة عن افتقاد الدفء وتنامي تجارة التعصب والتشدد وغياب الوعي والانغماس في الملذات الصغيرة. كان ‘ليلة ساخنة’ تنويعة جديدة على ‘سواق الأتوبيس’، لكن من خلال سائق تاكسي هذه المرة يستكشف ويكشف عن قاهرة التسعينات الشرسة التي لا ترحم مواطنيها، المفعمة بالحب الذابل والكراهية البغيضة، المحتشدة بالأوغاد والسفلة، وبالغلابة والمقهورين، المزدحمة بالجلادين والضحايا.
وفي ‘المصير’ ليوسف شاهين والذي عرض عام 1997 برع نور الشريف في تجسيد شخصية ابن رشد، وصرخ في احد المشاهد باحساس المثقف المهموم بإيصال فكره وعمله للناس ‘انا بكتب ايه ولمين ولا اللي بكتبه مابيوصلش لحد’. استعار ‘المصير’ حياة واحد من اكبر التنويرين، وعلى لسانه جاءت دعوة مهمة عالية الصوت واللهجة للدفاع عن خيارات الحداثة والفكر والفن. وكانت هناك أيضا صيحة تحذير وتنبيه من الردة الفكرية التي تطرق الأبواب بعنف وتأكل في طريقها وطرقها الأخضر واليابس.

وقد واجه أحمد زكي صعوبات كثيرة فى بداية طريقه الفنى فقد رسب أكثر من مرة فى إمتحان القبول بمعهد الفنون المسرحية لكن الالتحاق بالمعهد و التفوق فيه لم يكن نهاية المطاف فقد رفض الكثير من المخريجين و المنتجين التعاقد معه بحجة أنه لا يحمل مواصفات فتى الشاشة فهو أسمر هزيل الجسد لا يحمل قدراً من الوسامة المطلوبة و لم يكن نصيبه فى السنوات الآولى سوى أدوار هامشية ثانوية لم يكن له رأى فى إختيارها
وقدم أحمد زكى للسينما 77 فيلم تلون فيهم بكل الآلوان فقدم أفلام الحركة و التشويق مثلما فعل فى الإمبراطور و الباشا و رائعته الهروب و قدم الكوميديا فى البيه البواب و أربعة فى مهمة رسمية و قدم النقد الإجتماعى فى إضحك الصورة تطلع حلوة البيضة و الحجر و زوجة رجل مهم الذى رفضته الجهات الرقابية أكثر من مرة بحجة الإساءة إلى رجال الشرطة حتى عرض و نجح و أصبح يدرس الآن فى أكاديمية الشرطة بوصفه مثال حى لتجاوز رجال الشرطة و قدم السينما الفكرية مع داوود عبدالسيد فى أرض الخوف و قدم السينما الحالمة فى هيستيريا مع عادل أديب و قدم النقد السياسى فى البداية مع صلاح أبو سيف كما قدم ضد الحكومة و البرىء و معالى الوزير و الذى يدور حول قصة حقيقية لوزير عين عن طريق تشابه الآسماء أما عن الآفلام الوطنية فحدث و لا حرج فقد جسد شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى فيلم ناصر 56 و جسد بإقتدار شخصية الرئيس الراحل أنور السادات فى فيلم أيام السادات كما قدم من قبلهم أبناء الصمت .
ولعل ملامح أحمد زكي هي الأكثر أهمية في دلالتها في تاريخ تحول الذوق السينمائي للمشاهد فقد انتخب أحمد زكي عبر أدواره وشكله معا ليكون ممثلا للبسطاء في بورصة الفن وليكون نتيجة ثورة سينمائية حقيقية من المتلقي وأحمد زكي هو ذلك الشاب الذي يعاني الأمرين في فيلم ” الحب فوق هضبة الهرم ” ليحقق انساميته ويتزوج حبيبته لكنه يفشل وهو ضابط الشرطة المستقيم الشهم والشجاع الذي يتنكر ويدخل الي أخطر أحياء المخدرات في مصر وهو ” الباطنية ” ولكنه أيضا الطبال الذي ينافس الراقصة علي الأضواء في “الراقصة والطبال ” وهو المتحول من شخص شريفو مؤمن بالفلسفة والعلم معا الي دجال ونصاب في “البيضة والحجر ” وهو يسوق طوال حواراته مع صديقه مبررات هذا التحول وكما استدعي أحمد زكي في ” ناصر 56″ أيام المجد مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يستدعي نموذج لزعيم مختلف في توجهاته لكنه حقيقي تماما كسابقه وهو أنور السادات في فيلم ” أيام السادات ” مع محمد خان ويكاد عدد كبير من مستخدمي المواقع الاجتماعية في مصر وخاصة ط الفيسبوك” يجمعون علي أن أشد أدوات التحريض لهم علي الخروج للاعتصام في ميدان التحريرأثناء الثورة في يناير هو ذلك المشهد الصادق لحد الجرح في فيلم “ضد الحكومة “والذي كتبه الراحل وجيه أبوذكري وأخرجه عاطف الطيب حيث يترافع المحامي الذي كان فاسدا ويعمل في تشكيل شبه عصابي في السطو علي أموال تعويضات ضحايا الحوادث .
يقول زكى فى مرافعته التاريخية: أنا ابن هذه المرحلة والمراحل التى سبقتها.. هنت عندما هان كل شىء.. وسقطت كما سقط الجميع فى بئر سحيق من اللامبالاة والإحساس بالعجز وقلة الحيلة.. لكنى اصطدمت بحالة خاصة شديدة الخصوصية جعلتنى أراجع نفسى، أراجع موقفى كله أراجع حياتى وحياتنا.. اصطدمت بالمستقبل.. رأيت فيه المستقبل الذى يحمل لنا طوق نجاة حقيقى.. رأيتنا نسحقه دون أن يهتز لنا جفن.. نقتله ونحن متصورون أن هذه هى طبائع الأمور.. فكان لابد لى أن أقف وأصرخ.. إن هذه جريمة.. جريمة كبرى لابد أن يحاسب من تسبب فيها.. لم يجنوا شيئاً سوى أنهم أبناؤنا.. أبناء العجز والإهمال والتردى.
ويقول أحمد زكي في مرافعته: كلنا فاسدون.. كلنا فاسدون لا أستثنى أحداً حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة.. كل ما أطالب به أن نصلى جميعاً صلاة واحدة لإله واحد إله العدل الواحد الأحد القهار.
ويختم زكى مرافعته، قائلاً: “لدى مستقبل هنا أريد أن أحميه.. أنا لا أدين أحداً بشكل مسبق.. ولكنى أطالب المسئولين الحقيقيين عن هذه الكارثة بالمثول أمام عدالتكم لسؤالهم واستجوابهم.. فهل هذا كثير؟”.