صحافيون عراقيون يروون قصصا قاسية في افلام وثائقية
طاهر علوان
تشكل حياة الصحافيين والعمل الصحافي في العراق بعد 2003 مادة خصبة للبحث وعرض الوقائع التي ترتبت على الأحتلال وتبلور شكل جديد من العلاقة بين الصحافي ومصادر الأخبار الأمر الذي شكل تحديا كبيرا في بيئة خطرة بشكل عام على حياة الصحافيين بدليل العشرات من الصحفيين العراقيين والعرب والأجانب الذين سقطوا وهم يؤدون هذه المهمة راكبين موجة الخطر في مهنة هي الأخطر وفي بقعة هي الأكثر سخونة .
ومما لاشك فيه ان قصص استهداف الصحافيين والظروف التي رافقتهم كانت وماتزال دافعا لكشف الحقيقة ولتجسيد تلك القصص في افلام وثائقية تكشف عن التفاصيل الكامنة وراء ذلك .
ويبرز هنا فيلمان وثائقيان من بين افلام اخرى اختار صانعاهما ان يذهبا بعيدا في استقصاء الظاهرة وتتبع ظروف عمل الصحافيين ومكابداتهم والظروف التي رافقت عملهم .عملان بذل صانعاهما جهدا مميزا في تسليط الضوء على المسكوت عنه من هذه القصص المأساوية التي كان ضحيتها اولئك الباحثين عن الحقيقة .

الفيلم الوثائقي تكلم كما تفكر : اخراج عماد محمد
يوميات الصحافية الشابة والنشيطة “كوثر” هي التي يقتتح بها الفيلم منذ المشهد الأول ولتكشف هذه الفتاة المثابرة عن مكابدات الصحافي بصفة عامة فكيف اذا كانت امرأة تتنقل بين حقول الألغام ؟
تمضي كوثر يومها متنقلة بين الندوات والمؤتمرات لتغطيتها ثم لنشاهدها عائدة لبيتها البسيط وهي تروي في كل حركة جانبا من معاناتها ، انها ببساطة تشعر بأنعدام الأمان وان لااحد يحميها ولا يدافع عنها ضد اي خطر كامن ، لكنها وهي تروي ماتشعر به تؤكد ان منطلقها هو حبها الكبير للعمل الصحافي لكنها تشعر بالتهديد الحقيقي دائما .
كوثر تختطف في كمين هي وزملاؤها وزميلاتها اثناء قيامهم بتغطية حدث صحفي ولكنهم سينجون بأعجوبة ثم ماتلبث ان تتلقى تهديدات بالقتل لينتهي بها المطاف الى الخروج من العراق مضطرة لكي تنجو بحياتها بعد ان تحول من يستهدفونها الى اشباح لاتعلم من هم والى اية فئة ينتمون .
بتواز في تقديم الصورة الوثائقية نتنقل بين اكثر من مثال وحالة سنكون مع قصة الصحافي ابراهيم الكاتب الذي يصدمك انه بسبب تلك المهنة واخلاصه لعمله الصحافي فقد تحول الى انسان مقعد وعاجز عن الحركة بسبب اصابته بالشلل لتواجده في مؤتمر للمصالحة في منطقة ابو غريب نظمته وزارة الداخلية وليطوق مكان انعقاد المؤتمر بجماعات مسلحة تجهز على الحاضرين لتقع مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها العديد من الصحافيين وكان نصيب ابراهيم شظية في الدماغ بقي على اثرها فاقدا للوعي لشهور حتى انتهى به المطاف مصابا بشلل في الأطراف السفلى .

يروي ابراهيم وقائع محزنة لمكابدات عمله وان الصحافي يمكن ان يستهدف لأي سبب لاسيما بسبب عمله في وسيلة اعلامية قد لاترضي هذا الطرف او ذاك .
ومانلبث ان ننتقل الى منزل بسيط ، يدخل اليه المصور الصحافي ابراهيم جاسم فوتوغرافي الذي يروي قصته بعفوية انه اعتقل سنة 2008 عندما داهمت القوات الأمريكية بيته بأنزال جوي واعتقلوه ووضعوه في حجز انفرادي لمدة 21 يوما وما لبث ان امتد سجنه الى مدة عام ونصف لم يعرف خلالها ماتهمته وليمضي ذلك الزمن في معتقل كروبر الأمريكي قرب مطار بغداد ولتنتهي رحلة الشقاء بكلمة sorry يقولها له الضابط الأمريكي .
الفيلم الوثائقي مهنة الموت : اخراج حسن قاسم
اما المخرج حسن قاسم فيقدم في ذات الموضوع قصصا اكثر ، بل انه يجري مسحا مؤثر لقصص استشهاد عشرات الصحافيين العراقيين ليصدق وصفه لها انها مهنة الموت .
يبدأ الفيلم بلقطات للمراسل الصحافي مازن الطميزي الذي اغتيل قبل بضعة سنوات ولينتقل الى زميلته اسيل العبيدي (27 عاما) التي قتلت على ايدي القوات الأمريكية عن طريق الخطأ عندما كانت تغطي الأنتخابات النيابية في قلب بغداد .
اما الصحافي الشاب حيدر هاشم (27 عاما ) فيقدم الفيلم لقطات مؤثرة من حفل زواجه والذي مالبث ان فقد حياته في نفس الأنفجار الذي تسبب في شلل زميله ابراهيم الكاتب وحيث قتل في ذلك الأنفجار 60 شخصا من بينهم 20 صحافيا .
وينتقل بنا الفيلم الى قصة مؤثرة لمقتل اب وابنه وكلاهما صحافيان ليتركا تلك الزوجة والأم الثكلى وهي تروي فجيعتها .يستخدم الفيلم تتابعا مؤثرا من خلال الكم الكثيف من الوثائق ومتابعته ذلك الواقع الصعب الذي عاشه الصحافيون في العراق ومازالو يعيشونه .
فالقصة تبدأ في الفيلم في النزول الى الميدان وهي التفاتة مهمة في توصيف الظاهرة ومعالجتها فيلميا وذلك ابتداءا من المشهد الأول حيث يقف المرسل ومن خلفه دبابة محترقة وهو ينقل الحدث وسط اشتعال النيران ، ان تكون في الميدان بصفتك صحافيا معناه انك في مواجهة ذلك القدر الذي لاتعلم كيف سيتشكل ولا كيف سيؤول الواقع .

وبموازاة ذلك يستخدم المخرج اسلوب المقابلات المباشرة والصوت الخارجي voice over لملاحقة موضوعه ولملمة خيوطه المتشعبة بتشعب الأسباب التي تقف وراء استهداف الصحافيين في العراق لغرض اخفاء الحقيقة .
يتحدث عدد من الخبراء والمحللين الذين استضافهم الفيلم ليخرجوا بنتيجة واحدة مشتركة وهي ان الصحافي وهو ينزل الى الميدان في العراق فأنه يضع روحه على كفه لأنه لايعلم في اية مهمة صحافية وتحت اي ظرف يمكن ان يفقد حياته .
صورة اخرى لمعاناة الصحافيين صادقة ومؤثرة وهي احتشاد عدد من الصحافيين امام مدخل احدى المؤسسات الحكومية لغرض الدخول لتغطية ندوة او مؤتمر لتقع احتكاكات عنيفة مع حراس المكان المدججين بالسلاح الذين يحاولون ازاحة الصحافيين جانبا والتخلص منهم ومنعهم من الدخول لسبب ما ، وفي واقع الأمر سنكون هنا امام سؤال عن مقدار الحماية والحصانة التي تمنحها الهوية الصحافية للصحافي والأعلامي وهل تجد لها من قيمة في اثناء عمل الصحافي واداءه لواجبه ؟
ينقل الفيلم صورة قاتمة تماما لنعوش تتلاحق وهي نعوش الصحافيين الذين قضوا في العراق واللذين زاد عددهم على 350 صحافيا قتلوا اما على يد القوات الأمريكية او على ايدي الجماعات المسلحة هذا ما عدا المخطوفين والمفقودين الذين مازال مصيرهم مجهولا تماما.
يذكر ان هذا الفيلم كان قد نال الجائزة الثانية في مسابقة صورة انسان وهي المسابقة الخاصة بأفلام حقوق الأنسان ضمن مهرجان بغداد السينمائي الدولي الثالث العام الماضي.