سباق التصوير….لمن الاوسكار؟.

محمد رُضا
 
جاءت نتائج جوائز البافتا البريطانية وجوائز جمعية المصوّرين الأميركية في يوم واحد. ففي الثالث عشر من هذا الشهر صدرت جوائز ما يُسمّى بالأوسكار البريطاني وجائزة الجمعية العريقة لفن التصوير تلك التي تأسست قبل أكثر من سبعين سنة.
وفي حين أن الإختلافات في النتائج عموماً واردة، الا أن جمعية المصوّرين لا تمنح جوائزها لغير الحقول التصويرية ذاتها. فهي جمعية تضم المصوّرين المسجّلين فيها (أكثر من مئة وعشرين) وجوائزها حكراً على هذا الحقل المهم من حقول السينما، بينما البافتا هي جمعية أكاديمية عامّة تضم نحو 2000 عضو وتمنح جوائزها، كما الغولدن غلوبس والأوسكار وجمعية الفيلم الأوروبي إلى كافّة الحقول.
لذلك فإن وجه المقارنة محصور بجائزتي التصوير وحديهما. هاتان الجائزتان اللتان توزعتا بين إيمانويل لوبزسكي عن تصويره «شجرة المعرفة»، وبين غويلام شيفمان عن تصويره «الفنان». جمعية المصوّرين الأميركية وجدت أن تصوير «شجرة المعرفة» هو أفضل تصوير للعام والأكاديمية البريطانية وجدت أن تصوير «الفنان» هو أفضل تصوير للعام. كلاهما على حق لكن أحدهما معه حق أكثر قليلاً من الآخر. هل يمكن لنا أن نقارن؟
غويلا شيفمان مدير تصوير فرنسي أنجز للآن نحو خمس وأربعين فيلم ولم يسبق له أن نال جائزة كبيرة بحجم جائزة البافتا. بدأ مساعداً في أفلام مثل «دانتون» الذي أخرجه البولندي أندريه ?ايدا سنة 1983 و«سوان العاشق» الذي أخرجه الألماني فولكر شلندروف في العام التالي. كذلك عمل على فيلم مهدي شارف «شاي عند الحريم» وعلى فيلم «مرتفعات وذرينغ» نسخة الفرنسي جاك ريفيت (كلاهما سنة 1985). كل هذه الأفلام انتحت منحى  على عكس فيلمه الأول كمدير تصوير فعلي وهو «قبل العاصفة» لبرونو هربولو (1992). بعد ذلك أفلامه تنوّعت بتنوّع مخرجيها. لكن أحداً لم يعتبره طوال التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي ذا موهبة تستطيع أن تتنافس عالمياً. لكن المخرج ميشيل أزانافيشوس، الذي أسند إليه مهمّة تصوير «الفنّان»، الذي كان السبب وراء منح مدير التصوير هذه البافتا، أعجب بعمله واستخدمه في فيلميه السابقين  OSS 117?:? Cairo?,? Nest of Spies وOSS 117?:? Lost in Rio
شاهدت الفيلمين من دون أن يلفت تصوير شيفمان الإنتباه. مرّة أخرى غلب المخرج الساعي لتطويع فيلمه جماهيرياً على فن التصوير (وفن العناصر الأخرى) فلم يبرز للعيان ما هو خاص بمدير التصوير. هذا اختلف تماماً حين قرر أزانافيشوس تحقيق فيلمه الخاص «الفنان» ولأسباب جوهرية.
«الفنان» فيلم يتعاطى ومرحلة تاريخية (أواخر العشرينات) ومصوّر بالأبيض والأسود وذلك تلاؤماً مع أفلام تلك الفترة خصوصاً وأنه يتحدّث عن سينما تلك الفترة التي كانت بالأبيض والأسود، عدا عن أنها كانت أيضاً صامتة كحال هذا الفيلم أيضاً. هل الإختيار يؤسس منهج التصوير فيه هذا لأن المشاهد، داخلية وخارجية، تنشد تحقيق الغاية المطلوبة منها وهي منح المشاهد الحس بالكيفية التي كانت فيها السينما آنذاك. هذا بالطبع على الرغم من أن الحياة في ذلك الحين وفي مختلف العور كانت بالألوان والفيلم يتحدث عن حياة وليس هو عرض لفيلم داخل فيلم بالأبيض والأسود.

شيفمان ينجز المهمّة جيّداً، خصوصاً لناحية التعبير والتلاؤم ذلك لأن منهج الفيلم وخطّة إخراجه لا مكان فيها لجماليات خارج هذا الإطار.
من ناحيته، نجد أن شغل إيمانويل لوبزسكي في «شجرة المعرفة» أكثر تنوّعاً. في الوقت الذي صوّر فيه شيفمان «الفنان» مستخدماً كاميراسينما (وليس دجيتال) من نوع Arriflex 435 (وهي كاميرا مناسبة من حيث يعمد إليها المصوّرون حين يريدون تحقيق فيلم بقياس 35 مم من دون صوت)، نجد أن لوبزسكي عمد إلى ما لا يقل عن خمسة عشر نوع كاميرا سينما ودجيتال لتحقيق فيلم متشابك الإهتمامات والمواقع والإيحاءات. لم يعمل لوبزسكي المكسيكي المولد، مساعد تصوير في مطلع الثمانينات حين بدأ مهنته، بل صوّر وأخرج أفلاماً قصيرة قبل أن يبدأ العمل مع آخرين من العام 1991 وصاعداً. بحلول منتصف التسعينات كان بدأ العمل في أفلام أميركية وإن لم يترك المكسيكية (هو مصوّر «وأمّك أيضاً» لألفونسو كوارون سنة 2001). طلبه إليه المخرج ترنس مالك، مخرج «شجرة المعرفة» سنة 2005 لفيلمه السابق «العالم الجديد» وفي العام نفسه أنجز فيلماً آخر محسوب له هو «أطفال الرجال» لألفونسو كوارون.
شغل لوبزسكي على «شجرة الحياة» صعب في تكويناته (أكثر صعوبة من شغل «الفنان» في هذه الناحية). والإنتقال من موقعين أرضيين (ريف تكساس ثم مدينة غير محددة) ليس المقصود بهذا التنويع بل الإختلاف الأجوائي بينهما. واحد يبدو قريباً من الحياة يقع على الأرض الخضراء في البلدة الهادئة والآخر يقع في عالم اليوم تحدّه ناطحات سحاب حيناً وشوارع رمادية مصوّرة من عل ثم أرض جدباء يمشي فيها شون بن باحثاً ومقلّباً في ذكرياته التي تعود به، وبنا، إلى تكساس الخمسينات. ثم هناك التصوير التسجيلي والمشغول دجيتال وكومبيوتر غرافيكس ويشكّل نحو ثلث الفيلم الثالث: لقطات للحياة قيد التكوين وبعده. الأرض قبل الإنسان وخلاله. الماء. السحاب. الكون البعيد. البراري والغابات والجبال الخ… ما يشوب هذه المشاهد معالجتها الكلّية. المسألة بذلك ليست مجرد تصوير لقطات بل كيف تجمع بينها في حس من السرمدية والملائمة الدائمة.
المنافسة على الأوسكار قائمة الآن بين هذين المصوّرين كذلك بينهما وبين ثلاثة لا تقل أعمالهم مستوى إبداعياً: توني رتشاردسون عن «هيوغو» ويانوش كامينسكي عن «حصان حرب» وجف كروننوَذ عن «الفتاة ذات الوشم التنين». ومن المثير جدّاً معرفة خصائص كل من هذه الأعمال الثلاثة وأيها يستحق أكثر من سواه حمل الأوسكار في تلك الليلة غير البعيدة.


إعلان