عين على وثائقيات الأوسكار 3/3
نتعرف على دانيال، شخصية فيلم (إذا سقطت الأشجار… قصة جبهة تحرير الأرض) الرئيسية، وهو أحد الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار في فئة الأفلام التسجيلية، والتي ستعلن نتائجها في السادس والعشرين من شهر فبراير، في شقة صغيرة في مدينة نيويورك الأمريكية. اختار الشاب الامريكي، بخطوة لها مغزى سياسي نقدي واضح، بأن يرتدي خلال أيام التصوير الأولى من الفيلم الذي يسجل فترة عسيرة من حياته، قميص يحمل صورة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، مع كتابة تقول: الارهابي الدولي. هذا “إعلان” جريء، حتى بالنسبة لليبرالي يعيش في واحدة من اكثر مدن الولايات المتحدة الامريكية رفضا لسياسيات الحكومات اليمينية التي يقودها الحزب الجمهوري الامريكي. لكن ما تنزل الكاميرا الى الاسفل، وتلتقط الجهاز الخاص الذي وضعته الشرطة الامريكية في رجل دانيال، نعرف أن هناك قصة طويلة لابن مدينة نيويورك، وان “مفهوم” الارهاب” والمتورطين فيه، يشغل حياته بالكامل، وتهمة الارهابي تطارده وتفسد أيامه.
يبدأ الفيلم التسجيلي الأمريكي بمرافقة دانيال بعد أسابيع قليلة من خروجه من السجن بكفالة مالية، وشرط المراقبة وتحديد المنطقة الجغرافية التي يتحرك بها عن طريق جهاز يركب في جسمه. تنتظر دانيال محاكمة صعبة، وتهمة جسيمة بالإرهاب قد ترسله الى سجن خاص، لا يختلف كثيرا عن سجن غوانتانامو الشهير. من الصعب التصديق أن الشاب الذي يظهر في المشاهد الأولى وهو ينظف أكياس النايلون حتى يتم الاستفادة منها مجددا، والذي يداعب أخته التي يعيش في شقتها الصغيرة، يقترف جريمة تضعه في عداد الارهابيين.
ينتمي دانيال الى مجموعة من المدافعين عن البيئة. لكنهم لا يشبهون الصورة الشائعة عن أفراد مجموعات البيئة المسالمين، الذين يكتفون بالمظاهرات السلمية، وأحيانا بالاعتصامات البعيدة عن العنف. هم ،أي مجموعة دانيال، سئموا تلك الأساليب التي لا تفضي إلى نتائج كبيرة أو مرضية، فالشركات الكبرى تحصل بالنهاية على ما تريد، بموافقة أجهزة الدولة الرسمية، وأيام بل وأسابيع من الاعتصامات المتعبة تنتهي الى فراغ مؤلم، كما يصف دانيال في حديثه لكاميرا المخرجين كاري مارشال، وسام كولمان. تكرار تجارب الاعتصام السلمية، وتكرار الفشل من تحقيق نتائج، أجج مشاعر غضب كبيرة بين أفراد عاديين من ناشطي الدفاع عن البيئة، ودفعهم الى تأسيس فرع راديكالي لمنظمة ( جبهة تحرير الارض) ، والتي ستأخذ “الصراع” من أجل عالم أخضر لا تتعذب فيه الحيوانات الى مستوى آخر، ولتبدأ معها سنوات معتمة في تاريخ منظمات الدفاع عن البيئة في الولايات المتحدة الامريكية.

إذا سقطت الأشجار.. قصة جبهة تحرير الأرض
تبدأ منظمة (جبهة تحرير الأرض) واعتبارا من نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي، بسلسلة من الهجمات المدمرة على أهدافها من الشركات الخاصة، التي تخوض صراعات معها بسبب سجل الأخيرة في مسائل المحافظة على البيئة، أو معاملتها للحيوانات. فتحرق بالكامل شركات ومواقع عمل، في عمليات اتسمت بالدقة المتناهية، لمنع اصابة اي من الذين يعملون في تلك الأماكن. في النهاية تشكل الحكومة الأمريكية فريقا امنيا خاصا لتتبع أعضاء منظمة (جبهة تحرير الأرض). وتقبض على معظمهم وتقدمهم لمحاكمات، تحت قوانين الإرهاب الذي يمس أمن الولايات المتحدة الامريكية، والتي صنفت واعتبارا من عام 2001 المنظمة تحت قائمة المنظمات الارهابية المحلية.
يسرد أعضاء سابقون من منظمة (جبهة تحرير الأرض) وأعضاء في منظمات بيئية بقوا بعيدين عن العنف في نشاطهم، قصة تكوين المنظمة، وقصتهم هم أنفسهم، وكيف تحولت “الأرض” الى الشأن الأهم في حياتهم. تملك تلك اللقاءات أهمية كبيرة، لتسللها لعالم هؤلاء النشطاء وتقديمهم الى الجمهور الواسع. خاصة انهم تعرضوا، وبسبب العنف الذي طبع نشاطات اعضاء حركات (ضد العولمة) في السنوات العشر الاخيرة، الى هجوم من حكومات، ومن وسائل إعلام عديدة، والتي وصفتهم بالفوضوية والعنف الغير مبرر، والرغبة في التدمير دون طرح حلول بديلة.
يواجه الفيلم صعوبات كبيرة في تحقيق التوازن الذي تفرضه الطبيعة الاستقصائية للمشروع التسجيلي. هو يفرد قليلا من الوقت لاشخاص تعرضت ممتلكاتهم لتدمير كامل بسبب الحرائق التي أشعلتها المنظمة. كما انه يقابل رجال شرطة، من الذين تعقبوا نشاطات المنظمة وأفرادها، وشاهدوا عن قرب، الأثر الذي تركه تدمير بنايات على أصحابها، وعلى العاملين فيها. على الجانب الآخر، يمنح الفيلم معظم وقته، لدانيال ومجموعته. فالفيلم يعرض مشاهد مؤثرة حقا لحفل زواج دانيال، أثناء انتظاره للمحكمة، التي يمكن أن تؤدي به لقضاء سنوات طويلة من السجن. فدانيال وخطيبته قرّرا مواجهة مستقبلهما الغامض بفعل يربطهما معا للابد، لكنهما لن ينجحا في الحفاظ على روح “الأمل” على طول السهرة كلها، فتنهار دموعهما في القاعة التي شهدت زواجهما، في المنطقة الصغيرة التي يسمح لدانيال بالحركة فيها في مدينة نيويورك.
تنهار عزيمة دانيال، وإصراره على معركة طويلة مع القضاء الامريكي، فهو يتلقى نصائح من زملاء سابقيين من منظمة (جبهة تحرير الأرض) بالاعتراف بدوره في إشعال الحرائق وتدمير عدة بنايات ومصانع، للتقليل من عقوبة السجن المنتظرة. لكنه ورغم اعترافه بأفعاله، يتلقى حكما بالسجن لسبع سنوات، في سجن الارهابيين، والذي بذل هو ومحاميته جهودا مضنية حتى لا يصل اليه.
ينقل الفيلم في دقائقه الاخيرة، مشاهد لدانيال وزوجته وعائلته، وهو يسير باتجاه قسم البوليس، لكي يبدأ عقوبته التي تستمر لسنوات سبع طويلة. يغيب أخيرا الحماس الذي يميز سلوك الشاب الأمريكي. إنه يسير بخطى ثقيلة وبرأس محنية الى السجن الذي سيدخله، فقط لانه يحب الاشجار والغابات ويرغب أن يترك عالما أخضر لأبنائه وأحفاده..!