فيلمان لأميرالاي استشرفا التطورات السورية الراهنة

نقولا طعمة – بيروت

قدم “مركز بيروت للفن” وثائقيين سينمائيين، هما: “«تجربة فيلمية عن سد الفرات” (1970)، و”طوفان في بلاد البعث” (2003) للمخرج السوري الراحل عمر أميرالاي، من ضمن مجموعة نشاطات للمركز تحت عنوان: “ثورة ضد ثورة”، برنامج يستمر زهاء شهرين.
بدأ الفنان في مجال التوثيق السينمائي بفيلمه الأول، مدفوعا من جهاز التلفزة الرسمي السوري الذي صدر الفيلم الأول عنه، ليوثق لتجربة وطنية ضخمة هي سد الفرات مطلع السبعينات- مطلع عمل أميرالاي السينمائي، وللمفارقة، انتهى بالفيلم الثاني عن الموضوع عينه، لكن برؤية معاكسة.
في الفيلم الأول، حاول المخرج إظهار السد بحرا متراميا غير متناهي الحدود، كأنه يعبر به عن أحلامه اللامحدودة الأفق. ويبدو أن الشاب أمل الخير العميم في تجربة نظام قادم من جديد إلى إدارة الحياة العامة في البلاد طالما أنه انطلق بمشروع رؤيوي مستقبلي سيفيد البلاد والشعب الفقير الذي لم يخرج من بداوته، على ما ظهر في الفيلم.
واختيار أميرالاي التوثيق يؤشر إلى مدى تلازمه وارتباطه بواقع بلده، وتأثره بحياة شعبه الفقيرة المتخلفة عن الركب الحضاري. كانت مشاهداته لشعبه، وأحواله، ونمط حياته وامتدادات تلك المشاهدات والأحوال والأنماط حتى نهاياته، تعبيرا عن هاجس اقترن بمخيلته منذ انطلاقه للحياة – هاجس ازداد تفاقما لديه وانعكاسا على وعيه، مع تطورات الحياة العامة السورية بسلبياتها وإيجابياتها.
نجح أميرالاي في إيصال فكرته بتوثيقية موضوعية، لكنها تتضمن أفكاره المسبقة التي باتت قناعاته عن نظام بلده، فلم يتدخل لا شارحا ولا معلقا، لكنه عرض بكل تفاصيل حياة البداوة التي لا يزال شعب بلده، أو قسم منه، يعيشها في ظل التعبئة الإيديولوجية الحزبية. أظهر تفاصيل صغيرة وصلت إلى ماركة الحذاء وتشققات الأرجل البائسة فجعلها تنطق هي بما يريده هو، بحيادية تامة.

يختزل الفيلمان مسار تجربة انحدارية التوجه.  بدأ المخرج متشجعا، وانتهى محبطا. في الأول، (سبع دقائق) عرض للسد وآمال الناس. وفي الثاني (45 دقيقة)، شكوى مما أتى السد عليه من حياة القرى والبلدات المحيطة، والآثار الدفينة التي لن تعوض طالما هي غارقة تحت مياهه.
وينتقل الفيلم، بعد استخدام لقطات من الفيلم الأول، ليوثق للحياة العامة السورية عبر تجربة ضيعة صغيرة يرأسها شيخ، ويدير ابنه مدرستها، والمسؤول عن فرع الحزب فيها نسيبه. محاولة تختزل التركيبة السياسية للبلد.
يركز الفيلم على إيديولوجيا حزب البعث الحاكم، وكيف تمت تعبئة الأجيال بالولاء للنظام، بداية بالولاء لقائده حافظ الأسد، ثم للرئيس الحالي بشار الأسد حتى تمكن من الصمود.
يعرض الفيلم لدروس التعبئة، إن في التاريخ، أم الجغرافيا، أم اللغة بطريقة واقعية استغرب الجمهور معها كيف استطاع أميرالاي إقناع المسؤولين بالتصوير الحي لبرنامج الحزب التعبوي المدرسي.
المتخصص في شؤون المعارض والمتاحف ستيفان تارنوفسكي، وحافظ “مركز بيروت للفن” (Curator)، قال أن “إدارة المركز اختارت الفيلمين في هذه الظروف ليس لأسباب محددة إنما لأنهما أولا، فيلمان ممتازان، ويتوافقان مع برنامج “ثورة ضد ثورة”، وثانيا، ينمان عن تطور نظرة المخرج من حماسته الشبابية لحزب البعث في سوريا، ومشاريع الحزب التحديثية، إلى تراجع التعاطف مع النظام بعد التراجع عن وعود الحزب الإصلاحية السابقة ومنها التحديثية”.
ورأى أن تحول المخرج “يتردد في الوضع القائم حاليا في سوريا، مع العلم أن هذين الفيلمين أنتجا قبل “الربيع العربي”، وقد توفي أميرالاي (منذ عام) قبل اندلاع الأحداث السورية، وربما كان تراجع تعاطفه إنذارا لما حمله المستقبل”.
وأسف لأميرالاي لأنه “لم يكتب له معايشة التطورات التي تراءت في فيلميه”.


إعلان