ضريبة هوليوود

الباحث والناقد السوري أحمد دعدوش :
هل شوه الممثلون العرب صورة الإسلام والمسلمين في هوليوود؟

سعيد أبو معلا/ رام الله

في الفيلم لفلسطيني – الأمريكي “القيادة إلى زغزغلاند” والذي يتسيد بطولته الممثل الفلسطيني بشار القدومي وتخرجه الأميركية “نيكول باليفيان” نرى مشهدا يظهر البطل رافضا لدور عرض عليه في فيلم أمريكي، يخرج إلى الصالة قائلا للممثلين العرب المنتظرين الفرصة “أنه دور يشوه العرب والمسلمين”. ينهض البعض فيما يبقى أخرين مصرين على الحصول على فرصة التمثيل في هوليوود.. حتى لو شوهت العرب والمسلمين!
 جوهر هذا المشهد هو مضمون كتاب الإعلامي والناقد السوري أحمد دعدوش والصادر عن دار الفكر في دمشق في عام 2011 والذي يحمل عنوان “ضريبة هوليود/ ماذا يدفع العرب والمسلمون للظهور في الشاشات العالمية؟” ويقع في 203 صفحات من القطع الكبير.
هذا الكتاب يمتاز بأمور قيمة كثيرة منها أنه يعمل على الكشف عن طبيعة الأدوار التي يشارك بها الممثلين العرب في سينما هوليوود.. وهو ما يجعله كتابا يستحق أكثر من إشادة.. كما أن مضمونه لا يغرق بالنقد الأكاديمي وهو ما يجعله صالحا للناقد والقاريء معا.. وهو إلى جانب ذلك يتمتع بلغة صحفية شيقة ورشيقة، وقدرة كبيرة على التقاط التفاصيل بكل ما تحمل من جدل ووجهات نظر.
يأت الكتاب بعد أكثر من 11 سنة من أحداث 11 سبتمبر، حيث شكلت الأخيرة الانعطافة الأكبر في اقبال هوليوود على الممثلين المسلمين والعرب.. إقبال انعكس علينا سلبا وتشويها، والكتاب مجرد دليل سيغضب البعض وهو ما لا يهمنا في هذا المقام، والمهم من وجهة نظرنا أنه سيشكل جزء من حالة وعي يستحقها المشاهد الذي يجلس أمام التلفاز متلقفا كل ما يعرض عليه باستسلام منقطع النظير.
تلك الانعطافة الهوليوودية الجديدة بعد ذذ سبتمبر تجاه الممثلين العرب والمسلمين وبالضرورة تجاه القضايا العربية والغربية التي تتقاطع معنا لا تستحق كتبا بل وأفلام سينمائية أيضا.. وما محاولة المؤلف هنا إلا إحساسا عميقا بهذه الحاجة الماسة في ظل أن الأفلام السينمائية اليوم لا تطلب منك أن تزور السينما بل ترجوك أن تبقى متسمرا بالبيت جالسا على أريكتك المريحة مسترخيا لتفعل افاعيلها فينا، ونحن مبتسمين فاغري أفواهنا من هول الدهشة.

البدايات غير موفقة
يعود الكتاب إلى البدايات في حضور الشرق الإسلامي في هوليوود ويصفها بأنه بداية غير موفقة معتمدا على الأرقام ومؤكدا “أن 25% من الأفلام التي انتجتها هوليوود في تاريخها تحقر العرب بشكل أو بأخر، إلى جانب أن حوالي ألف فيلم انتجت بين عامي 1896 – 2000 لم يظهر فيها أكثر من 12 حالة إيجابية فقد للعرب والمسلمين”.
فقد امتلئت تلك الافلام بالصورة النمطية التقليدية مثل: الشرق الغامض المليء بقصص الجان والسحر والصحاري الواسعة المليئة بالعصابات وقطاع الطرق وكذلك الباشوات والأمراء المحاطين بالجواري والخدم والمليئة بالمجون والمراقص وموائد الشرب وهي صورة لا تكتمل إلا بأقبية التعذيب. ومع الربع الأول من القرن العشرين تغيرت الصورة قليلا لتكون عبارة عن ملوك نفط متخمين.
يرد الباحث السبب في تلك تكريس الصورة المشوهة إلى النفود الصهيوني حيث صورت عشرات الافلام التي تكرس فكرة الهجرة إلى أرض الميعاد أو تجسد الأساطير اليهودية حيث انتحت أفلام مثل: “الوعد الكبير”، “ملك الملوك”، و”بيت أبي والشيخ” و”سيف في الصحراء” و”جوديث” و”البرعم” وكلها أفلام على اختلاف سنوات انتاجها حاولت تشويه صورة العرب، وهو ما ترافق مع مجموعة من التطورات والتغييرات السياسية والدولية مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وصولا إلى تنميط صورة “الإسلام والارهابي” باعتباره العدو الجديد لأمريكا وللعالم المتحضر.
الباحث هنا يعتقد أن هوليوود بعد 11 سبتمبر استأنفت مرحلة جديدة من الدعاية الممنهجة فبعد شهرين من وقوع الهجمات بدأ الإعداد لمجموعة كبيرة من الافلام التي تطلب انتاجها الاعتماد على ممثلين عرب ومسلمين بعد أن كانت هوليوود تستعين بممثلين يهود لتقديم الأدوار العربية وهو ما يؤكده الممثلين العرب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية.

النجاح أولا
يعود الباحث بعد مقدمته تلك إلى الحديث عن بدايات الحضور العربي في الولايات المتحدة الأمريكية ويقر بأن هذه البدايات كانت تمتلك حظوظا من النجاح، حيث يسرد في فصله المعنون “عرب ومسلمون أمريكيون في هوليود.. النجاح أولاً” اسماء ممثلين شقوا طريقهم ومن هؤلاء اللبناني داني توماس، وللبناني جورج نادر، والسوري مايكل عنصره، ومايكل نوري، والايرانية سارة شاهي، إضافة إلى إميل كوري، ورونالد شويري، وكالي خوري، وموراي ابرهام، وطوني شلهوب..الخ من الممثلين العرب والمسلمين الذين نشأوا في أمريكا ومثلوا أو عملوا في سينما هوليوود وحصدوا جوائز أيضا.
وفي فصل أخر يتحدث “دعدوش” عن العرب والمسلمين الذين هاجروا من بلدانهم إلى هوليود ومنهم محمد يقطين المعروف بـ “فرانك لاكتين”، الذي يعتبر من أول من هاجر إلى هوليوود وقدم مجموعة من الأعمال السينمائية فيها. كما ويذكر المؤلف قصة الممثل السوري “جميل حسونة” ويفرد حيزا كبيرا للممثل “عمر الشريف” من حيث تجربته وتحولات مواقفه، وكذلك الممثل المصري “سيد بدرية” الذي يعتبر ثاني ممثل مصري ينضم إلى نقابة الممثلين الأمريكيين.
ولا يتوقف المؤلف في حدود المشرق العربي وهوليوود يل يتجاوز وصولا إلى المغرب العربي وتحديدا في أدوار الممثلين المغاربة المقيميين في فرنسا وطريقهم التي شقوها نحو العالمية مثل: الممثل “رشيد زم” و”سامي أبو عجيلة”، و”طاهر رحيم”، و”سامي ناصري” و”سعيد طغماوي” و”جاد المالح”…الخ، والمخرج الجزائري “رشيد أبو شارب”.
وهنا لا يتوقف المؤلف على الصعوبات التي واجهها الممثلين بل يتحدث أيضا عن المخرجين والمصاعب في هوليوود حيث يتحدث عن تجربة المخرج المصري “أسعد قلادة” والمخرج اللبناني “عمر نعيم” والمخرج “علي سليم” وهم مخرجون تمكنوا من شق طريقهم بصعوبة لكن الحظ لم يحالف مخرجين مثل: المصري “هشام عيساوي”، والمغربي “حسان بن شيخة” والتونسي “رضا الباهي”.
وفي معرض حديث الكتاب عن تجارب المنتجين العرب في هوليوود أفرد مساحة خاصة للمخرج والمنتج الراحل “مصطفى العقاد” الذي عده صاحب تجربة ناجحة يتيمة إلى حين ظهور تجربة المنتج الباكستاني “شيراز حسن”.

استئناف بدايات غير موفقة
وفي فصل خاص معنون بـ”حلقة الإرهاب المغقلة” يشير إلى قائمة الصفات التي الصقت بالعرب والمسلمين ومنها: التخلف والبداوة والجهل والقذارة والشهوانية والطمع والخيانة والميل الفطري للعنف والقتل والتدمير والارهاب..الخ كما ربطت الافلام بين الفلسطينيين والنازية مثل أفلام “الأحد الأسود” و”الخروج” في السبعينيات.
ويعتبر المؤلف أن فيلم “أكاذيب حقيقية” 1994 كان بمثابة القفزة الأكبر في حضور الممثلين العرب في هوليوود ويحكي الفيلم قصة عصابة عربية تريد تفجير قنابل نووية في مدن أمريكية مختلفة، إضافة “إلى فيلم “الحصار” عام 1998 وفيه تقوم خلية عربية بسلسة تفجيرات في شوارع مدينة نيويورك انتقاما لاستهداف قائد تنظيمها.
أما بعد أحداث 11 سبتمبر، زاد الطلب على العرب، فغالبية الأفلام كان لها طابع يخص الشرق الأوسط وغالبا ما كان بشكل سلبي والقليل منها حمل تصورات إيجابية، حيث ظهرت أفلام مثل: “سيريانا”، ومسلسلات مثل: “الخلية النائمة” الذي يظهر المسلمين بأنهم عملاء محليون للإرهاب العالمي، و”خلية هامبورج”.

ويرى المؤلف أنه “بالمجمل زاد الطلب على الممثلين العرب لكن بطابع سلبي لإرضاء وزارة الخارجية الأمريكية، كل مخرج أمريكي كان يريد أن يثبت أنه “وطني أمريكي” بغض النظر عن الإساءة للعرب المسلمين، والأدوار تلخصت إما في جنود عراقيين منظور لهم بنظرة دونية، أو أن يظهر الرجل الأبيض قائداً وبقية الممثلين يدورون في فلكه”.
ويفرد الكتاب فصلا بعنوان “الإنصاف على طريقة هوليود.. المسلمون والعرب الأخيار” كما تريدهم هوليوود حيث ظهرت مجموعة من الافلام التي تقدم العربي الطيب والعربي الخير وكانت تلك الأدوار تنحصر بالعربي المتحالف مع “الغربي المتحضر” للقضاء على الإرهاب، فالمسلم الجيد هو الذي يساعد الحكومة الأمريكية في حربها ضد العرب الأشرار.
غير أن تلك الصورة لا تنطلق من قناعة ما بأهمية وجود صورة إيجابية بعيدا عن التعميم المخل إنما تنطلق من رغبة عامة في تقديم “صورة تزويقية” ليس أكثر، وهي صورة حضرت في مجموعة كبيرة من الافلام مثل فيلم “سقوط النسر الأسود” 2001 و”سريانا” عام 2005 وفيلم “خائن” عام 2008، “وجسد من الأكاذيب” عام 2008 و”المنطقة الخضراء” عام 2010 من قبلها في فيلم “الحصار”.
وتبدو تلك الأعمال (أفلام/ مسلسلات) تقدم شروطها الخاصة للقبول بالعربي والمسلم لاندماج المسلمين في المجتمع الأمريكي ومنها ذوبانهم التام في هذه المجتمع دون أن يكون هناك ما يميزهم على صعيد الهوية والشخصية أو السلوك العربي، وكذا اعترافهم بالكيان الإسرائيلي مسالم ينبغي تقبل السلام معه.
الكتاب هنا يتناول عشرات الممثلين العرب والمسلمين الذين تورطوا وقدموا أعمال سينمائية تسيء لبلدانهم ولهويتهم وتكرس الصور النمطية عن الشرق بصفة عامة وعن المسلمين بصفة خاصة.

هوليوود بالشرق
والكتاب لا يكتفي بالعرض المتداخل في سبيل تقديم رؤيته المتكاملة والسلسة في الوقت نفسه لكنه يقدم تحليلا لمجموعة من الأفلام المهمة حيث أفرد فصلا لكل من فيلم “وادي الذئاب عنونه “المقاومة على طريقة الدراويش”، وفصلا عن فيلم “الجنة الان” عنونه “عندما تدفع المقاومة الإسلامية الضريبة”، وفيلم “سيريانا” عنونه: “تعاطفٌ معنا أم ترسيخ لعجزنا؟”، وفيلم “بابل” حمل عنوان: “أين حظ العرب والمسلمين من العولمة؟”، وفيلم “مملكة السماء” حمل عنوان: “عندما تكرمت هوليود بإنصافنا”، وفصلا عن فيلم “المملكة”  حمل عنوان: “من لم يكن معنا فهو ضدنا”.
كما قدم دعدوش محاولات الكوميديين المسلمين في أمريكا.. متسائلا أهي: سخرية منا أم لأجلنا؟
وفي نهاية الكتاب قدم الكاتب فصلا بعنوان “عندما تنتقل هوليود إلى الشرق” وفيه تحدث عن تجارب التصوير في الدول العربية بدءا بالمغرب من مدينة ورزازت التي صور فيها أفلام مثل: “باتون”، و”المصارع” و”سلسلة المومياء”، “وقواعد الاشتباك”..الخ ومن ثم تونس ودبي والأردن والكويت وحالة التنافس على جذب استثمارات التصوير في الدول العربية بغض النظر عن طبيعة الافلام التي يتم تصويرها عنا ولا عن الصورة التي تحملها وتنقلها لنا تلك الأفلام.
وفي النهاية يخلص المؤلف إلى أن الصورة في مجمل الأفلام الهوليوودية هي ذاتها مع فارق بسيط هذه المرة وهي أنها أصبحت أكثر ذكاءة في تقديم حمولاتها الفكرية ونظرتها العنصرية والدونية للشخصية العربية وبإمضاء ممثلين عرب أيضا.

وقبل أن تنتهي صفحات الكتاب المثير والمليء بالتواريخ والأسماء والأرقام يختم الباحث بفصل يطرح فيه سؤالا شائكا: “هوليوود ترفيه أم سياسية؟” ويخلص فيه إلى أن “هوليوود وواشنطن بصفتها مركز صنع القرار السياسي تحمل الجينات نفسها”.
أخيرا تعتبر هوليوود بحسب المؤلف ليست مجرد ضاحية من ضواحي لوس أنجلوس، ولا حتى مركز صناعة السينما والإعلام في الولايات المتحدة، بل هي عاصمة هذه الصناعة في العالم كله، والتي تصدر منتجاتها إلى أكثر من مائة وخمسين دولة، فهوليوود هي القادرة على تصدير جميع منتجاتها –وبغض النظر عن قيمتها ومضمونها- إلى معظم دول العالم، لذا فإن كل من يعمل فيها أو ينتقل إليها وكل ما ينتَج في استوديوهاتها أو يتمكن من الوصول إليها من الخارج فإنه يعطى صفة العالمية والكتاب وقفة مع ما يتعلق بنا عرب ومسلمين بإمضاء ممثلين عرب ومسلمين أيضا، فهل اختلف الأمر أو تغير.
الكتاب يخبرنا أنه لم يتغير شيء يحمل معنى حقيقي لنا، فهل كان علينا أن ننتظر أكثر من 11 سنة بعد أحداث 11 سبتمبر ليرى هذا الكتاب النور فعلا؟ ليخبرنا أنه خلف قصص النجومية والشهرة تختبيء الشياطين بتفاصيلها الكاملة والتي يجود الكتاب بفضحها.


إعلان