بطاقات، ودليل السينما في فرنسا

صلاح سرميني ـ باريس

يمكن ترجمة (Les Fiches du Cinéma) بملاحظاتٍ، أو بطاقاتٍ عن السينما، وهو عنوان مجلة سينمائية فرنسية متخصصة، تصدر كلّ أسبوعين، وتُعتبر خزينةً لا مثيل لها من المعلومات، وأداةً لا غنى عنها للباحثين، وعشاق السينما، والمُؤسّسات الصحفية.
ظهرت المجلة في عام 1934 عن طريق هيئة رسمية مُخوّلة من طرف الكنيسة الكاثوليكية، وأصبحت إنجيلاً حقيقياً للأفلام التي تُعرض تجارياً في فرنسا، حيث كانت تتعامل معها انطلاقاً من معايير، وتقييّماتٍ تربوية، وأخلاقية وُفق التصنيفات التالية:
ـ فيلمٌ لكلّ الأعمار (وحتى الأطفال بدون مُرافقة أولياء أمورهم).
ـ فيلمٌ لكلّ الأعمار(بعض العناصر لا تُناسب الأطفال).
ـ فيلمٌ للكبار فقط (لا يُناسب الأطفال، ولا المُراهقين بشكلٍ عام).
ـ فيلمٌ للكبار (بعض التحفظات التي لا تُناسب المراهقين).
ـ فيلمٌ لا يُنصح بمُشاهدته (يُلحق الضرر بغالبية الكبار، ويؤذي الصحة الروحية، والأخلاقية للمجتمع).
ـ فيلمٌ للكبار فقط (يُعرض في الصالات الخاصة).
ـ فيلمٌ يجب الامتناع بتاتاً عن مشاهدته من منطلقٍ دينيّ مسيحيّ.
كانت البطاقات تحتوي أيضاً على توجيهاتٍ للمُبرمجين بهدف حثهم على تحسين هذا الجانب الأخلاقي، وتقترح عليهم حذف لقطة، أو أكثر من الفيلم.
وتختلف تلك التصنيفات الأخلاقية المكتوبة عن اعتبارات “هيئة الرقابة” التي كانت تضمّ في عضويتها شخصياتٍ مُفوّضة من الدولة، وقد استمر ذاك النظام حتى بداية السبعينيّات، وفي نهايتها اختفت تلك “الهيئة”، وتحوّلت ملكية الأعداد السابقة، والمجلة نفسها إلى جمعية خاضعة للقانون الفرنسي لعام 1901 الخاصّ بتأسيس الجمعيات الأهلية، وهكذا تمّ تأسيس Les Nouvelles Fiches Cinema (البطاقات الجديدة عن السينما)، واعتمدت على جهود مُحررين مُتطوعين، وشغوفين يستثمرون طاقتهم، وخبراتهم في المُشاهدة، والكتابة، ويخلقون حولها نشاطاً نقدياً لا مثيل له.
يتكوّن الفريق من شخصياتٍ بأعمار، وآفاقٍ ثقافية، واحترافية مختلفة (أساتذة جامعييّن، معلمين، صحفييّن، عاملين في الحقل السينمائي، وطلبة)، يهتم كلّ واحدٍ منهم بكتابة تحليلٍ يعكس وجهة نظر جماعية تأخذ بعين الاعتبار ردود الأفعال المُتباينة لهيئة التحرير المُكونة عمداً من أذواقٍ غير مُتجانسة، ولا يتجسّد ذلك بتقديم حكم مطلق عن فيلمٍ معين، ولكن، توفير غذاء للفكر من شأنه السماح للقارئ بتكوين رأيه الخاصّ.

هكذا، بطريقةٍ منهجية، يتمّ تحليل كلّ فيلم يُعرض تجارياً في فرنسا مهما كانت جنسيته، نوعه، نوعيته، ويُضاف إليه معلوماتٍ تقنية، ملخصاً عاماً، تعليقاً، وصورة، ويتمّ التعامل مع كلّ فيلمٍ بنفس الموضوعية، والحرص.
هدف “بطاقات السينما” إذا تجميع، وتحليل كلّ الأفلام التي عُرضت تجارياً في فرنسا خلال عام بالارتكاز على نظرةٍ مستقلة عن أيّ معبدٍ نقديّ، وعقبة ترويجية.
واليوم، بإمكان الراغبين من الجمهور، او المُتخصصين مراجعة حوالي 35000 فيلماً تقريباً، اصبحت تُشكل مصدراً من المعلومات المُخصصة للسينما في فرنسا هي الأكثر اكتمالاً.
ومنذ عام 1979 تُصدر الجمعية دليلاً/كتاباً توثيقياً بعنوان “دليل السينما”(في الشهر الرابع سوف تصدر طبعة 2012 )، ونجد فيه ـ كما عودتنا الإصدارات السابقة ـ عموم الأفلام التي عُرضت في الصالات التجارية الفرنسية عام 2011 (أيّ حوالي 610 فيلماً)، وهو رقمٌ قياسيّ سوف يُثير شهية العاشقين، وحسد المحرومين.
يحتوي الدليل على فهرس لاغنى عنه للعثور على أيّ معلومة نحتاجها عن المشهد السينمائي الفرنسي مرتبة وُفق : المخرج، النوع، التيمة، الجنسية، الموزع، وأيضاً صفحات تتضمّن نبذةً عن الراحلين من الوسط الفني، والسينمائي، وقائمة بالكتب التي صدرت عن السينما في عام 2011، وقوائم أخرى تُوثق الجوائز الرئيسية التي حصلت عليها الأفلام في المهرجانات الدولية الكبرى.
من جهةٍ أخرى، أصدرت الجمعية مطبوعةً أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقتها تحت عنوان (وقائع تحوّل، دردشة حول السينما 2000-2010) إنطلاقاً من الفكرة التي تؤكد بأنّ الحوارات التمهيدية للدليل تُشكل قسماً لاغنى عنه للحديث عن تاريخ السينما، ولهذا سوف نجد في طبعة عام 2012 حواراتٍ، ومقابلاتٍ جديدة لإطالة هذه الدردشة، وفهم التحولات، والانقلابات الجمالية، والتقنية، خلال السنوات العشرة الماضية (يتكوّن الدليل من 764 صفحة).
وبإنتظار الطبعة القادمة 2012 الخاصة بالأفلام التي عُرضت في فرنسا عام 2011، فإنه من المفيد تقليب صفحات الطبعة 2011، وإلقاء نظرة سريعة على محتواها.
تقدم الصفحات الأولى إشاراتٍ مُقتضبة لأهمّ الأحداث التي طبعت المشهد الفرنسيّ لعام 2010، وأختار منها على سبيل المثال :
ـ في 10 يناير 2010 تسلم المخرج الهايتي المُقيم في فرنسا “راؤول بيك” منصب رئيس المدرسة الأوروبية لمهن الصورة، والصوت بدلاً من “كلود ميللر” .
ـ في نهاية فبراير 2010 وصل فيلم “افاتار” إلى قمة مبيعات شباك التذاكر مع رقم قياسيّ بلغ 14 مليون تذكرة في فرنسا، وجمع أكثر من مليار دولار من المداخيل في كلّ أنحاء العالم.
ـ في 8 مارس 2010 حصل فيلم The Hurt Locker لمخرجته “كاترين بيغولو” على ست جوائز أوسكار منافساً “افاتار”، كما حصل الفيلم القصير “لوغوراما” على أوسكار افضل فيلم تحريكيّ قصير.
ـ من 27 يونيو وحتى 3 يوليو 2010 سجل “عيد السينما” انخفاضاً قدره 30 بالمائة مقارنةً مع دورة عام 2009.
ـ في 26 يوليو 2010 أعلنت الحكومة البريطانية عن اختفاء “هيئة الفيلم البريطانية”(ومن بين النتائج التي لاحظناها، تخلي الهيئة عن مشاركتها المعهودة في “سوق الفيلم القصير” لمهرجان كليرموـ فيرا 2012).
ـ في 17 نوفمبر 2010 خروج 21 فيلماً للعرض في الصالات التجارية(من المعروف بأنّ المعدل الوسطيّ لعدد الأفلام التي تخرج إلى العرض الأسبوعيّ يتراوح بين 10 وحتى 15 فيلماً).
ومن المفيد التوقف قليلاً كي نتأمل هذا الخبر الذي تمّ إعلانه في 26 نوفمبر عام 2010 رُبما تقرأه الأنظمة الثورية الحالية، والقادمة، وتعمل على تطبيقه في بلادنا.
يقول الخبر حرفياً :
حكمت المحكمة على “مارتان بروفوست” مخرج فيلم “سيرافين” بدفع مبلغ 25 ألف يورو إلى “آلان فيرمونديه” لإنتهاك حقوقه المعنوية في النسخة الأولى من السيناريو بدلاً من 100 ألف يورو طلبها في بداية القضية، حيث قدم “آلان فيرمونديه” في بداية شهر سبتمبر شكوى ضدّ المخرج، ومنتجي الفيلم يتهمهم فيها بالتزوير.
ـ في نهاية نوفمبر 2010 إستقطب فيلم “محارم صغيرة” لمخرجه “غيّوم كانيه” مليون متفرج خلال 7 أسابيع من عرضه التجاري، وهكذا كان الفيلم الفرنسي الأول في شباك التذاكر لعام 2010.
ـ في نهاية ديسمبر 2010 وصل الجزء الأول من فيلم “هاري بوتر، والأقداس المُهلكة” لمخرجه “دافيد ياتيس” إلى قمة مبيعات شباك التذاكر لعام 2010 مع 5.3 مليون متفرج في فرنسا.
وعن طريق إحصاءٍ شخصيّ للأفلام العربية، أو الأجنبية المُنجزة من طرف مخرجين من أصولٍ عربية، عُرضت في الصالات التجارية، حصلت على القائمة التالية:
ـ البارونات، إخراج “نبيل بن يادير”، إنتاج فرنسا/بلجيكا عام 2009.
ـ كلّ يوم عيد، إخراج “ديما الحر”، إنتاج فرنسا/ألمانيا/لبنان عام 2009.
ـ الصين مازالت بعيدة، إخراج “مالك بن إسماعيل”، إنتاج فرنسا/الجزائر عام 2008.
ـ الغريب في داخلي، إخراج “إميلي عاطف”، إنتاج ألمانيا عام 2008.
ـ إحكي يا شهرزاد، إخراج “يسري نصر الله”، إنتاج مصر عام 2009.
ـ الخيط، إخراج “مهدي بن عطية”، إنتاج فرنسا/بلجيكا/تونس عام 2010.
ـ ثبتني، إخراج “رياض عندوني”، إنتاج فلسطين/فرنسا عام 2010.
ـ حراقة، إخراج “مرزاق علواش”، إنتاج فرنسا/الجزائر عام 2009.
ـ الخارجون عن القانون، إخراج “رشيد بوشارب”،إنتاج فرنسا/بلجيكا/إيطاليا/تونس/الجزائر عام 2010.
ـ قرية الظلال، إخراج “فريد بن هامو”، إنتاج فرنسا عام 2009.
ـ فينوس السوداء، إخراج “عبد اللطيف كشيش”، إنتاج فرنسا عام 2010.
ـ الأسرار، إخراج “رجاء عماري”، إنتاج تونس/سويسرا/فرنسا عام 2009.
ـ ثوب السهرة، إخراج “مريم عزيزي” إنتاج فرنسا عام 2009.
ـ فين ماشي يا موشي، إخراج “حسن بن جلون”، إنتاج المغرب/كندا عام 2008.
ـ همسات الريح، إخراج “شهرام عليدي”، إنتاج كردستان العراق عام 2009.
وهكذا نفهم بأنّ الأفلام التي تتضمّن حصة إنتاجية فرنسية تمتلك حظوظاً أكثر من غيرها ذات الإنتاج الوطني الخالص، ولكن، هذا لا يمنع بأن بعض المخرجين العرب ـ كحال المصري “يسري نصر الله” قادرون على فرض أفلامهم في الصالات التجارية بفضل نوعيتها القريبة من الذائقة الأوروبية.

وبمُراجعة قائمة جنسيات الأفلام في الفهرس الخاصّ، تتوضح المُشاركة الإنتاجية العربية وُفق الأرقام التالية :
الجزائر(3 أفلام)، تونس (3 أفلام)، الإمارات العربية المتحدة (فيلمان)، المغرب (فيلمان)، مصر(فيلم واحد)، كردستان العراق (فيلم واحد)، لبنان (فيلم واحد)، فلسطين (فيلم واحد)، قطر(فيلم واحد).
وتظهر هذه المعلومات مشاركة إنتاجية كاملة من طرف الإمارات العربية المتحدة (فيلمان)، وقطر(فيلم واحد)، والأفلام الثلاثة لمخرجين أجانب، وهنا نتساءل عن الجدوى الإقتصادية، والمعنوية لمثل هذه الإنتاجات المُكلفة، والقابلة للتحويل إلى عشرات الأفلام الروائية الطويلة المحلية، أو مئات الأفلام القصيرة، والتسجيلية، إلاّ إذا كان الغرض منها دعاية إعلامية، …لا ينتبه إليها أحد.
ومن بين  642 فيلماً عُرضت في فرنسا عام 2010 هناك 71 فيلماً تسجيلياً، وهو رقمٌ يزعزعُ قناعاتٍ تتباكى على حال الأفلام التسجيلية، وهي تجهلها أصلاً، وربما يذرف هؤلاء الدموع على أوضاعٍ محلية بدون معرفة ما يحدث في بلدانٍ أخرى.


إعلان