رسالة مهرجان بارى السينمائى الدولى بإيطاليا (1)

تيرا فيرما الفيلم الذى أبكانى فى بارى بإيطاليا

صفاء الليثى

 فى الفترة من 23 -31 مارس أقيمت الدورة الرابعة لمهرجان بارى بإيطاليا فى الميناء الإيطالى ” بارى” الذى يقع فى جنوب شرق إيطاليا، يعرض المهرجان أهم الأفلام الإيطالية التى أحدثت تأثيرا عالميا مع عدد من الأفلام الأمريكية المنتجة حديثا فى إطار الاهتمام بسياسة توزيع الفيلم والترويج لفن السينما الذى يعشقه الإيطاليون. استوقفنى فيلم ” تيرافيرما ” الذى يتناول قضية الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوربا مربوطة بأوضاع قاسية لأهالى جزيرة صغيرة قريبة من صقلية. هذا الربط صيغ من خلال قصة الصياد الشاب فيليبو الذى قام بدوره فيليبو بيتشيلو المختلف عن أقرانه والذى تصادف وقوعه فى محنة إنقاذ مجموعة من الأفارقة المهاجرين عبر قارب وتحطم القارب والسباحة بمشقة، بينهم امرأة حامل ومعها طفل أتت لتلحق زوجها الذى استقر بنابولى. تحتضن أسرة فيليبو السيدة الإفريقية ويساعدونها فى ولادة ابنة سوداء جميلة يرفضها أخاها الذى يخشى من غضب والده لعدم تمكنه من توفير الطعام لكليهما.

المخرج كان شديد التوفيق فى وضع مأساة المهاجرين فى علاقة مع مشكلة اقتصادية يعانى منها أهل الجزيرة. فى حين أن البوليس الإيطالى يعيد المهاجرين لبلادهم –من بقى منهم حيا- ويعاقب من يساعدهم من أهل الجزيرة. وفى اجتماع للصيادين يقرر الجد أن يتبعوا قانون البحر الذى يحتم على أهل الموانئ إنقاذ من تلقيهم الأمواج مهما كانت النتائج. فى المقابل يعرض الفيلم لسياحة الأغنياء على الجزيرة واعتماد السكان المحليون على هذا الموسم فى معيشتهم. ودون قسوة على الآتين للسياحة يصور تعاطفهم مع السود القادمين هربا من جحيم بلادهم.  تدور أحداث الفيلم فى جزيرة صغيرة قبالة سواحل صقلية، على مقربة من أفريقيا، والدة فيليبو وجده أصبحواغير قادرين على العيش من نشاط الصيد التقليدي.وخاصة بعد وفاة أبيه المأساوية فى البحر، قرروا  عندما وصل الصيف تأجير بيوتهم للسياح الذين يأتون أكثر وأكثر كل سنة.  وفى أحد الرحلات يصادف الجد والصبى مجموعة من المهاجرين الافارقة غير الشرعيين  فيقومون بنجدتهم على الرغم من الحظر المفروض  على أسر الصيادين من السلطات المحلية.
من أجمل مشاهد الفيلم وأكثرها تأثيرا ما حدث من فيليبو الذى تسحب ليلا وكسر قانون منعهم من الإبحار وأبحر بقاربه مصطحبا السائحة الحسناء، وعندما وصلا عرض البحر نزلت المياه لتسبح لنفاجأ بمجموعة من السابحين من المهجرين انشقت عنهم مياه البحر  وهم يسرعون للتعلق بالمركب وسط مقاومة عنيفة من الصياد الشاب. القسوة مبررة بصغر المركب قياسا لحجمهم بالإضافة لما سيتعرضون له من البوليس. مشهد يدفعك للبكاء تعاطفا مع الجميع سواء كان الصياد أو السائحة الصغيرة أو المهاجرين بالطبع. كثير من الأوربيين فقدوا تعاطفهم مع “تيرافيرما ” الذى يفتقد المنطق طبقا لميلهم الطبيعى لحساب الأمور بالعقل، فكيف تُقدم سيدة حامل على الإبحار إلى المجهول وتعرض جنينها وطفلها للخطر لتلحق بزوجها فى غربته. وهى أسئلة لا ترد على ذهن متلقى آخر يدرك جيدا حجم مأساة العيش فى بلاد تحكمها ديكتاتوريات فاسدة وتنتشر بها البطالة كأغلب البلدان الإفريقية .
عنوان الفيلم يحيلنا إلى فيلم لوتشينو فيسكونتى “تيراتريما” وتعنى الأرض المهتزة إنتاج عام 1948 ، وهو مأخوذ عن قصة للكاتب جيوفانى فيرجا حيث تدور الأحداث فى قرية صغيرة لصيد الأسماك على الساحل الشرقى من صقلية، ويحكى عن استغلال الطبقة العاملة من الصيادين من الابن البكر لعائلة ثرية فى القرية. يقدم بطل فيلم فيسكونتى على رهن المنزل ليتمكن من أدوات إنتاجه بمركبه الصغير ويبيع الأسماكمباشرة للتجار دون وساطة المستغل. والفيلم واحد من أفلام فيسكونتى التى تتبع الواقعية الإيطالية والتى تأثرت بها السينما المصرية فى عدد كبير من أفلامها الهامة. ويكاد يكون فيلم “زقاق السيد البلطى ” لتوفيق صالح عن قصة صالح مرسى نزع من محاكاة فيلم الأرض المهتزة وسيرا على طريقه.

أهم ما يميز “تيرا فيرما” نجاحه فى رسم  الشخصيات للأسرة ، الجد والأم والأخ الأوسط والأصغر فيليبو وهو الشخصية الرئيسية للصبى الصياد الذى يبدو قرويا ساذجا يعيش على الفطرة، ولكنه يمتلك من القيم الإنسانية ما جعله يتحدى قوانين النظام المعاصر ويساعد المهاجرين ويقبل على مغامرة حمل المهاجرة السوداء بطفليها الرضيع والآخر لتصل لزوجها ويجتمع شمل الأسرة، فى نهاية سعيدة قد تبدو رومانسية بعيدة عن التصديق.  الفيلم يدين القوانين الصارمة  للنظم الرأسمالية وينتصر للقيم الإنسانية التى يتوارثها البسطاء كقانون البحر وميلهم الفطرى لمساعدة من يلجأ إليهم.
شارك ” تيرا فيرما ” فى مسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبى ولكنها ذهبت للفيلم الإيرانى “انفصال”.  ولكنه لم يخرج عن جوائز نقاد الفيبريسى حيث حاز تيرا فيرما على  جائزة أفضل إخراج للمخرج إيمانويل كيرلس من النقاد الذين كونوا لجنة تحكيم دولية بمهرجان بارى برئاسة كلاوس إدر منحت عدة جوائز وليس جائزة واحدة فقط كما تحتم القواعد المعمول بها فى المنظمة الدولية للنقاد الفيبريسى.
وإذا كان اليمين هو الذى يحكم إيطاليا من خلال بيرلسكونى فإن اليسار مازال مسيطرا على الثقافة والفن ويتضح هذا فى أكثر من فيلم عرض بدورة مهرجان بارى ومنها فيلم ” Do Not clean Up This Blood”  ” لا تنظفوا هذه الدماء ، وهو عن أحداث حقيقية و سيتم تناوله فى مراجعة أخرى.     


إعلان