جلال عبد السميع: “الأزهر” تحاول أن تفسر ولا تسرد
جلال عبد السميع منتج مصري متخصص في الوثائقي يبرهن يوما بعد يوم عن نضوج تجربة إنتاجية واعدة. فبعد فيلمه الرائع بابا شنودة ينتج للجزيرة الوثائقية رباعية وثائقية عن مؤسسة الأزهر. وهي سلسلة حاول فيها جلال أن يفسر أهم المسائل المتعلقة بهذا الصرح العريق عبر تاريخه. وقد أتت هذه السلسلة في راهن مصري تحاول فيه كل القوى والمؤسسات السياسية والدينة والعلمية أن تستعيد استقلاليتها ودورها في مصر ما بعد 25 يناير. سنحاول في هذا الحوار أن نفهم زاوية النظر التي قارب فيها جلال عبد السميع تاريخ الأزهر الشريف.
|
الأخ جلال لو نبدأ حوارنا حول رباعيتك حلقتك الأولى غطت حوالي 10 قرون فيما خصصت 3 حلقات لأقل من نصف الفترة في الحلقة الأولى
بداية، الجزء الأول والذي يحمل عنوان “الخوذه والعمامة” غطى حوالي 8 قرون وهو يشمل الدولة الفاطمية (262) سنة والدولة الأيوبية (60 سنة) والمملوكية ( 267 سنة) وجزء من الدولة العثمانية الي قيام الحملة الفرنسية علي مصر حوالي(280 سنة) وهي تعتبر مرحلة التأسيس والبلورة والتي مر الازهر فيها بأنه كان اللاعب الوحيد أيام الدولة الفاطمية رغم مشاركة بعض المساجد والمدارس. ثم مع مجيء صلاح الدين تم غلقه حوالي قرن من الزمان ثم المماليك اعادوا الاهتمام به ولكن عصرهم كان عصر اهتمام علمي وثقافي ولكن لم يعد الازهر هو اللاعب الوحيد حتى أنه في نهاية الدولة المملوكية ومع وجود ظروف سياسية واجتماعية وجغرافية مرت بأهل مصر والعالم العربي ظل هو المركز داخل القاهرة الذي حفظ العلم الي أن جاء العثمانيون فأعادوا له دورا جديدا.
هذا السرد التاريخي السريع للجزء الأول يمكن أن يوضح تصورنا المبدئي والأولي لبلورة السيناريو وطريقة المعالجة.
لقد أخضعت المراحل التاريخية التي مر بها الأزهر الشريف من النشأة إلى اليوم إلى الانتقاء فعلى أي أساس تم انتقاء تلك المراحل لتسلط الضوء عليها.؟

المخرج عبد الرحمان عادل
نحن نعتمد علي طريقة النموذج التفسيري للتاريخ لا النموذج السردي للمعلومات حيث أننا مؤمنين بأن فكرة سرد المعلومات تجعل من الفيلم شيئا مملا بالنسبة للمشاهد وهذه الطريقة تجعلنا نعمل على إعادة بناء المعلومات وترتيب الاحداث ليكون بينها رابط يعمل على تدفق المشاهد داخل الفيلم
والتحدي الكبير في سلسة مثل “الازهر” هو أن طبيعة المؤسسة وما أخذ عنها كفكرة عامة في الآونة الاخيرة انها مؤسسة تقليدية رسمية حكومية ويمكن هذه الصورة أن تجعلنا نخرج فيلما مملا ولكن كان التحدي في الاساس هو عمل فيلم ملحمي.
ولذلك تلاحظ ان الجزء الثاني وهو تحت عنوان ودخلت الخيل الازهر تعرض في اكثر من نصفه إلى حكاية 3 سنوات من عمر الأزهر فقط وهي قدوم الحملة الفرنسية والثلث الاخير من الفيلم كان عن مرحلة محمد علي والتي تشمل حولي 48 سنة اي اننا تكلمنا عن نصف قرن في الحلقة الثانية ولكن هذا النصف قرن نموذج تفسيري كاشف عن دور الازهر الذي تبلور في الجزء الاول وكيف ان العمامة اصبحت خوذة تكافح والتطورات الخطيرة التي نجمت علي ما بعد الحملة مع فترة محمد علي.
وهكذا الجزء الثالث الذي رجع ليتحدث عن فترة نابليون مرة أخرى ولكن من مدخل اصلاحي وتعليمي الى أن يصل إلى ثورة 52 أي حوالي قرن ونصف وكان تحت عنوان ثوار واصلاحيون
وهذا كله داخل اطار من المحاور المحددة تم الاتفاق عليها من البداية وهي : 1ـ الأزهر والسياسة 2ـ شخصية الازهري 3ـ الأزهر والإصلاح 4ـ الأزهر والدور العالمي
وهكذا تعتمد رؤيتنا على إعادة تكوين وترتيب الافكار والحقائق لتكون نموذجا تفسيريا للتاريخ يكون في صورة ممتعه وملحمية
تنوعت الأحداث والمراحل المراحل والأدوار ولكن بقي الأزهر.. فماذا بقي في الأزهر حسب رأيك؟؟
هناك سر في هذا الأزهر… سر يجعلك تقف متأملا تلك المؤسسة التي بقيت خالدة حتي الآن فقد ينظر البعض للأزهر علي انه المبنى ..أي الاثر الذي بقي مثله مثل اي اثر ولكن وراء تلك الجدران شيء عميق في نفوس المصريين يكفي أن تقول كلمة الازهر في مصر وخارجها لتعلم مدى التأثير والحب الذي في نفوس الجميع من مشرق الأرض لمغربها ورغم ما تعرض له الأزهر في القرون الأخيرة من تهميش لدورة ومحاولة ضربه من الداخل لكن يبقي هذا السر ما بقي الازهر..
تاريخ الأزهر هو تاريخ القاهرة فما وجه الشبه بين المدينة والمؤسسة ؟؟
الازهر والقاهرة نشآ معا منذ البداية فكلما نمت القاهرة وترعرعت نمي الازهر وكلما هبطت القاهرة هبط الازهر.. هذه الثنائية حكمت في الفيلم من البداية للنهاية ..
بالنظر إلى الراهن السياسي المصري الحالي يمكن لقراءة سياسية لفيلمك أن تؤدي بنا إلى استنتاج أنك تريد ان تعيد للمؤسسة الدينية العلمية كلاعب سياسي في هذا الحراك ؟؟
بداية تاريخ الازهر تاريخ طويل لمدة تصل لأكثر من 10 قرون حوالي اكثر من 9 منهم لم تكن هناك جدلية السياسي والديني وكانت المؤسسة في تلك الفترة تقوم بواجبها في حماية الأمة وان كانت بدايتها بداية

ايدلوجية بحته. ولم تظهر تلك الثنائية الا من بعد محمد علي الذي قام ببذر تلك الثنائية في مصر وداخل الازهر فأصبح هناك تعليم ديني وآخر تعليم مدني وبدأ الفضاء الفكري المصري “يتعلمَن”.
من هذا المنطلق يوضح لنا ان السياسة كانت لاعبا أساسيا لم ينفصل عنه طوال قرونه الـ10 سواء في التأسيس او حتي عند غلقه ايام صلاح الدين. وان كنا حاولنا إيجاد جدلية دينية سياسية هنا والتي تمثلت في جدلية الفتوي والفعل السياسي ثم عبر كفاحه ضد المستعمر و كفاحه مرة أخرى الى أن يصمد ويصلح نفسه ليعود. ثم محاولة كسره وتأميمه وسلبه من الإرادة ليفقد دوره. فمؤسسة مثل الازهر صمدت في وجه الزمن لمدة عشرة قرون يجب ان تكون السياسة جزء اصيل فيها وان كانت مؤسسة دينية تعليمية في الاساس …
سألتك هذا السؤال لأننا لم نسمع كثيرا الأصوات التي نقدت الأزهر بحدة سواء فكريا أو سياسيا..
الفيلم في الاساس عرض لمراحل الأزهر من الصعود إلى الهبوط وناقش العديد من القضايا التي تمس الازهر بالسلب والايجاب مثل قضية موالاته للحكام وخاصة في العصر الحديث وتعرضنا إلى سلبيات كبيرة منها تجمد الفكر والتعليم داخل الجامع الازهر. وتعرضنا لجدلية المشروعات الاصلاحية داخل الازهر وعرجنا على مشروع الامام محمد عبده بين المؤيد والمعارض.
اشتغلت للجزيرة الوثائقية بابا شنودة وقبلها سلسلة القراء والآن الأزهر فهل ميلك للوثائقيات ذات المنحى الديني هو اختيار مرحلي أم هو تخصص أم ماذا ؟؟
لو تابعت اعمالنا كاملة ستري تنوع كبير داخلها اذا كان في انتاج الافلام او البرامج الوثائقية ونحن هنا عندما نعالج تلك الافلام التي شرفنا بأن نكون منتجين منفذين لها لم نكن نعالجها بطريقة دينية او تميل لطابع ما …انما كنا نحمل علي عاتقنا ايجاد نماذج تفسيرية للتاريخ وجعلها في قالب مشوق ونحن في كل فيلم من الذي ذكرتموه من الممكن ان يتم معالجته بطريقة مملة ولكن دائما كنا نختار طريق المعالجة الاصعب حتي في البابا شنودة مثلا مزجنا بين الشخصية والمؤسسة والديني والسياسي بين السرد والتحليل ليخرج فيلما ممتعا ومن الاجحاف تصنيفه دينيا لان الفيلم الديني له مقومات اخرى.
سمعنا بأنك تشتغل على مشروع وثائقي مهم…
نعمل الآن على إنتاج سلسة ضخمة تؤرخ للصحافة العربية في 15 جزء ونتبع فيها ايضا طريقتين في المعالجة وبإذن الله ننجح في تقديم نماذج لأفلام وثائقية ناجحة تثري المكتبة العربية وتمتع المشاهد العربي.