افلام الحبيبة الكهرباء، ومعاناتها !!

غزة – أسماء الغول
“أمانة ما تغيبي عني والله العظيم بحبك والله العظيم يا عالم بحبها..زمان ما كانت تغيب عني وهلقيت يا خسارة بتروح كثير وبتيجي قليل ..ما أحلى طلتك وعيونك وكل شيء فيك حلو..نفسي أروح أنا وانت لحالنا على البحر..”
هذا ما يقوله الشاب محمد من غزة بأسلوب مؤثر حتى أن المُشاهد يسرح معه في افتقاده وتأثره وهو يخاطب حبيبة بعيدة، ويفرح لجرأة شاب يعيش في مكان تسكنه الأزمات، آخر ما يفكر فيه أهله فيلم عن الحب.
ويكرر الشاب الذي تتركز على وجهه الملتحي كاميرا في ضوء ضعيف وصورة ليست بتلك الجودة :”أما انت فأنا بكرهك وبكره طلتك ولن تكوني بديل عن حبيبتي”، يستمر محمد في مونولوج أمام الكاميرا الثابتة عليه ولا تتغير، إلا حين تأتي الكهرباء وينير المكان حوله وهنا يقول: “ألم أقل أن حبيبتي سترجع”.
 إذن فيبدو أن محمد منذ البداية يخاطب الكهرباء، وحين كان يعبر عن الكره كان يخاطب الشمعة التي ظهرت في نهاية الفيلم الذي يحمل عنوان “حب في ظلام شمعة”.
صورة ساخرة عبرت عن واقع مؤلم، وأين يمكن أن يحدث هذا التعبير الابداعي السريع كرد على أزمة متفاقمة؟ سوى في مكان مثل قطاع غزة حيث “ينعم” أهله بالتيار الكهربائي ست ساعات يوميا فقط!.

الفيلم لا يتجاوز التسع دقائق، يعتمد على الحوار وتعابير وجه محمد الشاب الهزلي السمين، وقد نشره البعض على المواقع الاخبارية بعد وضعه على يوتيوب، وتمت مشاهدته مايزيد عن الـ12 ألف مرة. فبالنسبة لهؤلاء الشباب من الصعب عليهم تنظيم عرض لأفلامهم في غزة لأن الأمر غالبا ما يحتاج إلى إذن مسبق من الجهات الرسمية، وحجز مكان للعرض وتمويل لا يملكه الشباب الذين استغلوا ما تتيحه وسائل الاعلام المجتمعي أفضل استغلال، ليحاكوا بذلك خطوات الشباب المصري الذين نشروا ما ابدعوه من أفلام وبرامج ساخرة وأغاني شهيرة على يوتيوب قبل أن تشتريها القنوات ويجدون جهات راعية لها.
الفيلم الذي جاء خفيفاً كتفريغ شبابي عن الحالة أكثر مما يمثل صناعة سينما لنقد الواقع مثّله الشاب محمد ابو عليان واخرجه وسيم الهندي ومن مونتاج حسين عبد الجواد.
أما الفيلم الآخر الذي ظهر في ذات الفترة، خلال النصف الثاني من شهر فبراير الماضي بعد أن أعلنت سلطة الطاقة في قطاع غزة عن توقف تقديم خدمات الكهرباء لأهالي القطاع نتيجة نفاد الوقود، فيبدو أن مخرجه اشتغل عليه لفترة أتاحت له مزيدا من الاتقان إذ ركز على اظهار أصوات شبابية يتحدثون فيه عن أزمتهم مع غياب الكهرباء والانترنت، وحلول ضوضاء المولدات.
أنور الشيخ صوت في الفيلم يتحدث عن نظرية استحمار الشعوب واغراقها بالأزمات الأمر الذي يجعلها تغيب عنها الكثير من الحقائق التي تحدث حولها، بل الأدهى أنها تتأقلم مع معاناتها وتستسلم لمبررات الحكومة لها.
أحمد بعلوشة شاب آخر في الفيلم يسخر من الواقع بقوله أنه لو كان الوضع جيدا في قطاع غزة فمن الصعب عليه أن يعيش فيه، ويستغرب لو تحسنت تفاصيل حياته، فعندما تأتي الكهرباء ساعة أكثر من المعتاد فهو يفصل أمان الكهرباء فقد اعتاد العتمة وأصوات المولدات الصغيرة.
حمل الفيلم عنوان “ضوضاء” نسبة إلى صوت المولدات الكهربائية الصغيرة التي تغص بها شوارع القطاع بحيث يصبح من الصعب أن تسمع ما يقوله جارك إذا اقتربت منها، ومدته 19 دقيقة، يوثق معاناة الشباب وسخريتهم من حياتهم اليومية التي رغم انقطاع الكهرباء عنها معظم أيام الشهر إلا أن قيمة الفاتوة الشهرية تزيد عن المائة دولار كما يقول أحدهم في الفيلم، مضيفا: “الآن لم يعد مهماً أن يكون الموبايل الذي تحمله يحوي تقنيات عالية أو كاميرا لأن أهالي القطاع يبحثون عن جهاز محمول فيه ضوء كشاف فقط”.
محمد الشيخ يوسف صوت آخر في الفيلم يقترح أن يجدوا طريقة كي تصدر هذه المولدات

قطعا موسيقية بدلاً عن صوتها المزعج، بشكل يجعله قادر على اهداء صديقه على سبيل المثال مقطوعة مولد جارهم الموسيقية، أو لحن مولد البقالة في الشارع وهكذا.!!
نشره المخرج الشاب محمد الجبالي على يوتيوب وتمت مشاهدته ما يزيد عن الخمسة عشر ألف مرة، قائلا للجزيرة :” بعد أن شعرت بالاختناق من ضوضاء المولدات ورائحة البترول التي تخرج منها، قررت أن آخذ كاميرتي الفوتغرافية Nikon D5100 وأصور بها أصدقائي في الشارع ومنازلهم والجامعة ليقولوا لي عن حياتهم مع الكهرباء”.
مخرج الفيلم ضَمّن الفيلم بعض اللقاءات التي لها طابع رسمي ما جعل فيلمه يشبه تقريرا صحافيا، في حين لو أنه ركز على ثيمة الضوضاء ذاتها كصوت وجعل لها معادلا في الصورة وأضافها لأصوات الشباب التي قدمها، لحمل فيلمه مزيدا من تلك اللمسة الشبابية اللاذعة في كوميديتها وإبداعها.


إعلان