البرامج الدولية في مهرجان الخليج السينمائيّ
عرفتَ شيئاَ، … وغابت عنكَ أشياءَ
صلاح سرميني ـ باريس
(عرفتَ شيئاً، وغابت عنكَ أشياءَ)، شعارٌ “شعريٌّ” رفعه مهرجان الخليج السينمائي في دورته الخامسة التي إنعقدت خلال الفترة من 10 وحتى 16 أبريل 2012، وكانت مناسبةٌ عملية لمُراجعة، وتقييّم ما أنجزه في الدورات السابقة، وما يطمحُ إليه لاحقاً.
وُفق أدبياته، يُعتبر المهرجان حدثاً ثقافياً سنوياً غير ربحيّ، يهدف إلى الإحتفاء بالسينما الخليجية، ويسعى إلى تحقيق هدفيّن رئيسييّن :
ـ تطوير، وترسيخ الثقافة السينمائية المحلية، والخليجية، ومنح الفرص أمام المُبدعين الخليجييّن لعرض أفلامهم، وتطوير مشاريعهم المُستقبلية.
ـ الاحتفاء بالأعمال الإبداعية المُتميّزة على مستوى السينما الخليجية لتصبح محطة يتجه إليها مجتمع السينما العالمي لاكتشافها، والاشتراك بفعاليات المهرجان، والاحتكاك بمبدعي الحركة.
وبدوري أُضيف، إذا كانت الأهداف الرئيسية من هذا المهرجان تتوجه نحو رصد تحولات السينما الخليجية، وتطوّرها، ومنحها منصة عرضٍ لا تتوفر، أو جزئياً، في مهرجاناتِ إقليمية أخرى، فإنه لم يُغفل السينمات الأجنبية الأطول تاريخاً، والأكثر تقدماً، وخلال الدورات السابقة قدمها في برامج، وأقسام مختلفة بالتوازي مع “المُسابقة الخليجية” بفروعها المُتعددة.

في الدورة الأولى عام 2008، إقتصر “برنامج الأطفال” على أفلامٍ من إنتاج “الإمارات العربية المتحدة” (4 أفلام قصيرة)، وكانت سويسرا “في دائرة الضوء” (7 أفلام قصيرة، وفيلمٌ واحدٌ طويل)، وعُرضت الأفلام الأجنبية “خارج المسابقة” مختلطةً مع أفلام إماراتية، خليجية، وعربية.
في الدورة الثانية عام 2009، توسّعت جغرافيا “برنامج الأطفال”، وشملت أفلاماً إماراتية، خليجية، وأجنبية، وقفز العدد من أربعة إلى 22 فيلماً قصيراً، وكانت الهند “في دائرة الضوء” (19 فيلماً قصيراً)، وبدأت الأفلام الأجنبية “خارج المسابقة” تُعرض في قسمٍ خاصّ بعنوان “تقاطعات” (24 فيلماً قصيراً)، بينما تجمّعت الأفلام الإماراتية، الخليجية، والعربية في قسمٍ آخر بعنوان “أضواء”.
في الدورة الثالثة عام 2010، إستمر “برنامج الأطفال” مع 7 أفلام من دولٍ أجنبية مختلفة، وإحتفل برنامج “في دائرة الضوء” بالمخرج الفرنسي “فرانسوا فوجيل” (16 فيلماً قصيراً)، وعُرضت الأفلام الأجنبية “خارج المسابقة” في قسم “تقاطعات” (59 فيلماً قصيراً، منها 15 من بلغاريا).
في الدورة الرابعة عام 2011، حافظ “برنامج الأطفال” (8 أفلام) على إستمراريته، وإنطلقت الدورة الأولى للمُسابقة الدولية (13 فيلماً)، وبقيت الأفلام الأجنبية “خارج المسابقة” تُعرض في قسم “تقاطعات”، وتوسّعت النشاطات المُوازية، وإمتدّت مع ورشةٍ بالتعاون مع “أصوات وثائقية” أشرف عليها المخرج الإيراني “عباس كياروستامي”، وفي تلك المناسبة عرض المهرجان ثلاثة أفلام قصيرة من إخراجه.
في تلك الدورة، أقدم المهرجان على تجربةٍ أصيلة، وفريدة من نوعها، حيث عرض مجموعةً كبيرة من أعمال السينمائي الفرنسي “جيرار كوران” على 11 شاشة فيديو توزعت في أماكن مختلفة، وبدوره، صوّر “كوران” مادةً فيلمية إستقبلتها الدورة اللاحقة بحذر نقديّ عربيّ.
في الدورة الخامسة عام 2012، تضمّنت “المسابقة الدولية” 15 فيلماً أجنبياً، وعربياً قصيراً، و17 في “تقاطعات” خارج المسابقة، وأصبح الكبار أيضاً يتسللون إلى الصالة التي تعرض “أفلام الأطفال”.
وعاد “جيرار كوران” إلى المهرجان مرةً أخرى كي يعرض ما صوّره في الدورة الرابعة (134 سينماتون، 3 بورتريهات ثنائية، 2 بورتريهات جماعية، 2 من نافذة غرفة فندق، 1 سينما، 10 ملاحظات فيلميّة، بورتريه خارج السلسلة بعنوان ” السيد فيرنر هيرتزوغ، لا، هذا ليس سينماتون حقيقيّ لك”).
وتحت عنوان “كرز كياروستامي” عرض المهرجان حصيلة ورشة الدورة السابقة (39 فيلماً تدريبياً قصيراً) تمحورت حول تيمة الوحدة، تباينت في مذاقها، وحلاوتها.
هذه السنة، كانت الأردن “في دائرة الضوء”، كما إنطلقت الدورة الأولى من “سوق سيناريو الأفلام الخليجية القصيرة”، وإستمرت “ليالي مهرجان الخليج” رغماً عن تأفف المُتذمرين من أيّ فكرة جديدة، ومبتكرة.
المسابقة الدولية
في الدورة الرابعة، واجه المهرجان تحدياتٍ كبيرة، تغلبت عليها بإحترافيةٍ فائقة، عندما إنعقدت “مسابقةُ دولية” بالتوازي مع “المُسابقة الخليجية”، ومنحت المهرجان زخماً، ثقلاً، وعالميةً، وأصبحت نافذةً يُطلّ منها المُشاركون، والجمهور المحليّ على المشهد السينمائي العالميّ للأفلام القصيرة.
تخيل بعض أصحاب الحساسيات الرقيقة، بأنه يتوّجب الإنتظار دوراتٍ أخرى كثيرة كي تختفي مشاعر القلق، الحذر، وحتى الأنانية المُبّطنة، حيث إعتقد هؤلاء، بأن “المسابقة الدولية” سوف تطغى على “المسابقة الخليجية”، مُسابقتهم، ولكن، لم يمضِ وقت طويل حتى أصبحت مع دورتها الثانية جزءاً أساسياً من المهرجان، ولم تعدّ تثير أيّ تساؤلاتٍ، أو مقارنة، أو على الأقلّ تقلصت حدتها.

تفسيري لتلك الإنفعالات الآنية، بأنها تعكس فهماً مُتأخراً لآليات العمل المهرجانيّ السينمائي، كما الحال تماماً عندما كانت بعض أقلام الثقافة السينمائية العربية تزدري ظهور مهرجاناتٍ سينمائية في الإمارات، وبعد أكثر من عشر سنواتٍ، إكتشفت بأنّ “السينما الخليجية موجودة، وحيّةّ”، صحّ النوم كما كتب الناقد السينمائي اللبناني “محمد رضا”.
وهي خلاصةٌ نقديةٌ تنسف كلّ الأقوال الشفهية، والآراء المكتوبة بتحاملٍ عن هذه السينما الشبابية، ومهرجاناتها، ويمكن لأيّ فضوليّ العثور عليها في الشبكة العنكبوتية، وهذا يعني بوضوحٍ، بأنّ هؤلاء إستيقظوا متأخرين جداً من سباتٍ نقديّ، وإعترفوا مُرغمين، أو على “مغص”، بالحراك السينمائي الذي حدث في المنطقة بدءاً من تأسيس “مسابقة أفلام من الإمارات”، وحتى آخر تجربةٍ منسوخة عن مهرجان الخليج .
العودة إلى تلك الكتابات المُتهورة، تؤكد محدودية النظرة النقدية لأولئك الذين إقتنعوا بها، ودافعوا عنها بضراوةٍ خلال عقدٍ من الزمان، ورُبما يحتاج هؤلاء إلى عشر سنواتٍ أخرى كي يتبين لهم من خطأ إستنتاجاتهم الجديدة حول مبادراتٍ مهرجانية جديدة، ومتسرّعة.
ويكفينا حالياً، بأنّ نشاطات الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي في دبي تكشف تصوراتهم الخاطئة عما حدث “هناك”، وسوف يحدث “هنا”، لأنّ ما حدث “هناك” قد حدث “هنا” منذ سنواتٍ، أفلاماً، ضيوفاً، مكرمين، وحتى نظاماً داخلياً منسوخاً.
منذ تأسيس”مسابقة أفلام من الإمارات” بمبادرةٍ من السينمائي “مسعود أمر الله”(ولا أحد غيره)، ونشرها العدوى السينمائية في كلّ أنحاء المنطقة، يتأصل الإعتقاد سنةً بعد أخرى، بأنّ السينما الخليجية لن تتطوّر بالبقاء منطويةً على ذاتها، ومنتشيةً بالإحتفاء المُبالغ بأفلامها، مخرجيها، ومهرجاناتها الباذخة، والمُتناسخة .

هي تحتاج دائماً إلى الإستفادة من سينماتٍ أخرى عربية، وأجنبية سبقتها تاريخاً، وتجربةً، وبينما إقتصرت “المسابقة الدولية” في الدورة الماضية على الأفلام الأجنبية، فقد فتحت دورة هذا العام فرصة التسابق للأفلام العربية.
في الدورة الخامسة (الدورة الثانية للمسابقة الدولية)، تلقت إدارة المهرجان عدداً كبيراً من الأفلام من جميع أنحاء العالم، أكثر بكثير من الأرقام المُعلنة، والمُسجلة رسمياً، وأظهرت المُشاهدة الأولية، بأنّ المشهد السينمائي العالمي للأفلام القصيرة يعيش حالةً مُزدهرة جداً، وتحديداً في البلدان التي تُدرك قيمتها، وتعتبرها وسيلة تعبير سينمائية أصيلة، وليست تدريباتٍ أولية، أو جسراً للعبور إلى الأفلام الطويلة.
كانت عملية فرزها مثيرةً بحدّ ذاتها، ولكن، الأكثر فرحةً (وحزناً في بعض المرات) حتمية إختيار البعض منها:
15 فيلماً في “المسابقة الدولية”.
17 في قسم “تقاطعات” خارج المسابقة.
10 أفلام في “برنامج للأطفال”.
بينما توزعت بعض الأفلام في برنامج “أضواء”، و”المُسابقة الخليجية” بفروعها المُتعددة.
إختيارات نهائية تحتمها آليّات عمل المهرجانات، طبيعتها، وأذواق مبرمجيها أيضاً.
أفلامٌ مختلفة في موضوعاتها، وأساليب معالجاتها الدرامية، والجمالية، ولكنها تتشارك في نوعيّتها العالية، وفيها نعثر على ملامح مشتركة، تدخل قلوب المتفرج بدون إستئذانٍ، لأنها، ببساطةٍ، تمسّ جوانب إنسانية عامة.
وهذا ما لمسه بالضبط الناقد اللبناني “نديم جرجورة” عندما كتب :
“هذه المسابقة أُنشئت في العام الفائت، ولاقت رواجاً لقدرتها على اختيار بعض أفضل العناوين السينمائية اللافتة للانتباه، كتلك المختارة في الدورة الخامسة أيضاً، أفلام لافتة للانتباه، التقت حكايات بعضها عند تيمة واحدة : الموت، سواء اكان مباشراً، أم ظلَّل طيفه الفضاء الدرامي، والحياة اليومية لأفراد معينين. لكن الموت، الجذر الدرامي الموحِّد حكايات أفلام عدّة، مفتوح على أسئلة إنسانية مختلفة بمناخاتها، وتفاصيلها، وآلامها، وهو، لكونه نواة الحياة، ومصيرها، لم يظهر بشكل مباشر، ولم يبق أسير ملامح مبطّنة فقط، لأنه تُرجم بصرياً في أشكال متنوّعة”(صحيفة السفير 19/4/2012)

في البرنامج الدولي، وبالتوازي مع “المسابقة الرسمية”، تمّ إختيار مجموعة من الأفلام عُرضت في قسم بعنوان “تقاطعات”، ولم تكن أقلّ أهميةً من الأفلام المُتسابقة، ويمكن إعتبارها إمتداداً سينمائياً، وجغرافياً ينضح بنوعيةٍ عالية المستوى، ولكن بدون جوائز، وقد شغلت هذا المكان لأسبابٍ تقنية تحكم البرمجة كما الحال في كلّ مهرجانات الدنيا، ويمكن القول أيضاً، بأنها طبق المُشهيات قبل وجبة طعامٍ دسمة، أو قطعة حلوى بعدها مباشرةً.
وبينما تغطي “المسابقة الدولية” بلداناً مثل : (أذربيجان، البرازيل، إيران، رومانيا/فرنسا، الولايات المتحدة، فرنسا/إيطاليا، النمسا، إستونيا، مصر، بولندا، رومانيا، فرنسا/لبنان، ألمانيا، فرنسا، سويسرا/المغرب)، يُوسّع برنامج “تقاطعات” من هذه الجغرافيا السينمائية، ويُثريها بموضوعاتٍ، وأساليب من بلدان أخرى (لبنان، فرنسا/الجزائر، إيران، هولندة/فرنسا/بلجيكا، إسبانيا، بولندة، النرويج، المجر، سنغافورة، الجزائر، قيرغيستان/المملكة المتحدة، تشيكيا، أندونيسيا).
ها نحن قد عرفنا أشياءَ عن مهرجان الخليج السينمائي في دبي، ورُبما بقيت أشياءَ لم نعرفها عنه بعد، وأفضل طريقةٍ هي متابعته عن قرب.