مهرجانات السينما، والإتحاد الدوليّ لجمعيات الافلام
صلاح سرميني ـ باريس
في قراءةٍ سابقة، كتبتُ بأنّ الإدارات المُتعاقبة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي تُروّج معلوماتٍ خاطئة عن علاقتها الأسطورية مع “الإتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام” في باريس، وأكثرها تهويلاً، بأنه واحدٌ من 11 مهرجاناً مُعترفاً به في العالم .
(الرقم الصحيح هو 14 بمسابقةٍ دولية، 28 بمسابقةٍ متخصصة، 4 بدون مسابقة، 5 مهرجانات أفلام قصيرة، وتسجيلية).
ويندرجُ تحت هذا الخطأ مبالغاتٍ من نوع :
إعتراف دوليّ، شرعيةٌ دولية، أهمّ مهرجان في العالم بعد…، مهرجان من الفئة أ، مهرجان من الدرجة الأولى…، …
وتميل هذه التهويمات إلى منح الإتحاد صلاحية الوصاية على المهرجانات، وسلطةً عُظمى لا نعرف حدودها، كأن يوافق/أو لا يوافق على تأجيل دورة ما، يمنح/ أو لا يمنح الشرعية الدولية، يتدخل/أو لا يتدخل في مواعيد المهرجانات، علماً، بأنّ هذه النقطة بالذات، هي، في كلّ الأحوال، شأن داخلي.

ومن بديهيات تنظيم المهرجانات، بأن تكون دورية (وإلا أصبحت حدثاً سينمائياً، أو تظاهرة)، ومن الطبيعي أيضاً، بأن تحافظ على مواعيد ثابتة في شهرٍ محدد مع فارقٍ في بعض الأيام، حيث ترتبط مواعيد مهرجانات السينما في العالم بتفاصيل تقنية، وتنظيميّة بحتة لا علاقة لها بالإتحاد، وإنما بالفنادق، شركات الطيران، الرعاة، وحتى الأخذ بعين الإعتبار حالات الطقس، والمناخ، والأحداث المهمّة المُفترض انعقادها في نفس الفترة (من المُستحيل، على سبيل المثال، التفكير بإنعقاد مهرجانٍ ما في بلدان الخليج خلال شهور الصيف)، وتعكس المحاولات السابقة للتنسيق بين مواعيد المهرجانات العربية مصالح إنتهازية أكثر منها دراسةً معمّقة، ورغبةً حقيقةً في خدمة السينما، وقد أظهرت النتائج عبث تلك الفكرة نفسها، وخيالية تحقيقها، وكان الأحرى بالمسئولين عن هذه المهرجانات الإستفادة من ذاك الوقت الضائع في تحسين الحالة التنظيمية لكلّ مهرجانٍ على حدة، وتطوير برمجتها.
وللردّ على تلك الأوهام التي يُروّجها مهرجان القاهرة، سوف أستعين بالمعلومات المُتوفرة في موقع الإتحاد نفسه.
بدايةً، لا يمتلك الإتحاد صلاحية منح شرعية دولية، أو أهمية، ولكنه يمنح “إعتماداً” للمهرجانات التي تتقدم بطلباتٍ، وتوافق على “ميثاق شرف”(1).
من جهةٍ أخرى، لا يوجد إطلاقاً (والموقع شاهدٌ على ذلك) قائمة من فئة أ، أو أيّ فئة أخرى، ولا مهرجاناتٍ من الدرجة الأولى، أو الثانية.
هناك، حتى كتابة هذه السطور، 51 مهرجاناً مُعتمداً (وليس 11 كما يُروّج مهرجان القاهرة) موزعة في أربعة قوائم تقنية لا علاقة لها بأهمية مهرجان عن الآخر، وكلّ قائمة منفصلة عن الأخرى، ومرتبة وُفق تاريخ إنعقادها.
ـ المهرجانات التي تتضمّن مسابقةً دولية للأفلام الروائية الطويلة.
COMPETITIVE FEATURE FILM FESTIVALS
FIAPF ACCREDITED FESTIVALS
ويبلغ عددها 14 مهرجاناً، هي :
برلين، كان، شنغهايّ، موسكو، كارلو فيفاري، لوكارنو، مونتريال، فينيسيا، سان سباستيان، وارسو، طوكيو، مار دي بلاتا/الأرجنتين، غووا/الهند، القاهرة(موقع مهرجان القاهرة هو الوحيد حالياً في حالة صيانة).
وتتضمّن هذه القائمة ـ فعلاً ـ بعض أهمّ المهرجانات المهمّة في العالم(1)، ولكنها لا تخلو أيضاً من مهرجاناتٍ لم نسمع عنها من قبل، أو قليلاً، مثل “مار دي بلاتا” في الأرجنتين، و”غووا” في الهند.
يُقال أيضاً، بأنّ الإتحاد يُنسّق، أو يتدخل في تنسيق مواعيد المهرجانات، ومع ذلك، نجد في هذه القائمة فقط، عدداً منها تتداخل في تواريخ إنعقادها، مثل (شنغهاي، موسكو، كارلو فيفاري)، ومن ثمّ (مونتريال، فييسيا)، وأيضاً (وارسو، طوكيو).
وبالإضافة إلى تداخل المواعيد، تتوالى هذه المهرجانات واحداً بعد الآخر، بدون أن يتذمر أحدٌ من الوسط السينمائيّ العالمي.
ـ المهرجانات التي تتضمّن مسابقةُ للأفلام الطويلة، ولكنها متخصصة في بلدٍ معين، تيمة، أو نوع :
COMPETITIVE SPECIALISED FEATURE FILM FESTIVALS
FIAPF ACCREDITED FESTIVALS
عندما يتخصص مهرجانٌ معين بالأفلام الأولى، والثانية لمخرجيها، هل تنتفي عنه صفة الدولية (هو أصلاً ينتقي أفلامه من كلّ أنحاء العالم)، وعندما يبحث آخرٌ في التوجهات الجديدة للسينما، هل ننزعُ عنه صفته الدولية ؟
هذه القائمة التي تتضمن 28 مهرجاناً، ولا تقلّ أهميةُ عن المهرجانات التي تتضمّن مسابقة دولية، لا تعني بأنها من الفئة ب، أو الدرجة الثانية، لأنه لا يوجد فئات، ولا درجاتٍ أصلاً، ويمكن حصر التيمات التي تهتمّ بها وفق القائمة التالية : .
ـ سينمات أمريكا اللاتينيّة، والأفلام الناطقة بالإسبانية (قرطاجنة/كولومبيا).
ـ العمل الروائي الأول، والثاني (صوفيا/بلغاريا، ترانسلفانيا/رومانيا، بوسان/كوريا الجنوبية).
ـ الأفلام المُتعلقة بالأدب، المسرح، الموسيقى، الرقص، السينما، الفنّ التشكيلي(إستانبول/تركيا).
ـ أفلام الفانتازيا، والخيال العلمي (بروكسل/بلجيكا، سيتجس/إسبانيا).
ـ أفلام المخرجين الجدد (جيونجو/كوريا الجنوبية، فالانسيا/إسبانيا).
ـ الإتجاهات الجديدة في السينما (سيدني/أوستراليا).
ـ الأفلام الروائية، والتسجيلية من وسط، وجنوب شرق أوروبا (سراييفو/البوسنة، والهرتسك).
ـ الأفلام، والتوجهات السينمائية الجديدة (فركلاو/بولونيا، ستوكهولم/السويد).
ـ الأفلام المُنتجة في أوروبا، آسيا الوسطى، آسيا (المآتة/كازاخستان، تالينا/إستونيا).
ـ الأفلام من بلدان لا تُنتج أكثر من 30 فيلماً في السنة (ترويا/البرتغال).
ـ الأفلام الناطقة بالفرنسية (نامور/بلجيكا).
ـ الأفلام المُنتجة في أوروبا، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط (أنطاليا/تركيا).
ـ أفلام المخرجين الجدد (بوغوتا/كولومبيا، تسالونيك/اليونان، تورينو/إيطاليا).
ـ العمل الأول للمخرجين (مومبي/الهند).
ـ المخرجون الشباب (كيّيف/أوكرانيا).
ـ الأفلام التسجيلية، والعمل الروائي الأول، أو الثاني لمخرجيها (لوس أنجلوس/الولايات المتحدة).
ـ الأفلام المُنتجة في دول البلطيق، آسيا الوسطى، وسط شرق أوروبا، روسيا (مينسك/بيلاروسيا).
ـ الأفلام المُوجهة للشباب (جيجون/فرنسا).
ـ افلام من آسيا، أفريقيا، أمريكا اللاتينية (كيرالا/الهند).
ـ الأفلام البوليسية، وأفلام الغموض(كورمايور/إيطاليا).
وبغضّ النظر عن ميولنا نحو هذه التيمة، أو تلك، سينما هذا البلد، أو مجموعة من البلدان، فقد عرفت هذه المهرجانات المُتخصصة كيف تكسب تميّزاً خاصاً بها، وهو التوجه الذي أدعو إليه دائماً بضرورة الإبتعاد عن “الهوس الدولي” الذي أحدث منافسةً عقيمةً، وتعيسةً بين المهرجانات العربية، الخليجية منها بالتحديد، الفخورة بإستنساخ بعضها، وكأنّ الخيال توقف عند كلّ ما هو عربي، دولي، أو خليجي، بينما كانت تمتلك فرصةً عظيمةً في التفرّد من خلال الإهتمام بتيماتٍ أخرى تمنحها أصالتها، وتتحول إلى مواعيد لا غنى عن متابعتها، والحصول على أقصى فائدة منها، وأعتقد بأنّ ما يحدث فيها حالياً يشجع على إفساد من لم يفسد بعد من المُنتجين، المخرجين، الصحفييّن، النقاد، والعاملين في الوسط السينمائي.
ـ مهرجانات الأفلام الطويلة بدون مسابقة :
NON-COMPETITIVE FEATURE FILM FESTIVALS
FIAPF ACCREDITED FESTIVALS
وهنا، يمكن أن نسأل أنفسنا :
هل هذه المهرجانات الدولية بدون مسابقةّ أقلّ شأناً من تلك الدولية بمسابقة ؟
كحال المهرجانات الأربعة المُعتمدة من طرف الإتحاد(هوساوند/النرويج، تورونتو/كندا، فيينا/النمسا، كالكوتا/الهند)، وعشرات المهرجانات الأخرى الغير معتمدة، والتي لم تبحث عن هذا الإعتماد، ولا تهتم به.

ـ مهرجانات الأفلام الروائية القصيرة، والتسجيلية :
DOCUMENTARY AND SHORT FILM FESTIVALS
FIAPF ACCREDITED FESTIVALS
تكشف هذه القائمة عن علاقة الإتحاد بالمهرجانات، وإرتباطها بمصالح المُنتجين بالتحديد، حيث لا يوجد فيها أكثر من 5 مهرجاناتٍ فقط (تامبير/فنلندة، أوبرهاوزن/ألمانيا، كراكوف/بولندة، سانت بطرسبورغ/روسيا، بيلباو/إسبانيا).
وفي الوقت الذي لا نجد فيها مهرجاناً فرنسياً واحداً، نعرف مسبقاً بأنّ المهرجان الفرنسي الذي ينعقد في مدينة “كليرموـ فيرا” البالغ من العمر 34 دورة من أهمّ مهرجانات الأفلام القصيرة في العالم، وهو بمثابة “كان الفيلم القصير”، ومع ذلك، لا نجده في القائمة، وبالمُقابل، تختفي من هذه القائمة عشرات مهرجانات الأفلام القصيرة، والتسجيلية الموازية، والمتساوية في الأهمية، وبإعتقادي، لو وجدت قدراً ضيئلاً من الفائدة المادية، أو المعنوية من هذا الإتحاد لما ترددت يوماً في طلب الإعتماد، والحصول عليه.
في ختام هذه القراءة، لم أعدّ استغرب لماذا إنطلقت الثورات العربية من تونس، عندما نعرف بأنها تحتضن “أيام قرطاج السينمائية”، التظاهرة العربية الأقدم، الأهمّ، والأكثر متابعةً من طرف الجمهور التونسي، ومع ذلك، لم يُطلق عليها المُؤسّسون، أو الإدارات المُتعاقبة، مهرجاناً، ولم يتفاخروا يوماً بدوليّتها، وإكتفوا بمُسابقتها المُخصصة للأفلام العربية، والأفريقية، وهذا لم يمنع إمتاع جمهورها بأفلام من كلّ أنحاء العالم.
هوامش:
(1)FIAPF is also a regulator of international film festivals, including some of the world’s most significant (ones. FIAPF’ International Film Festivals’ Regulations are a trust contract between the film business and the festivals who depend on their cooperation for their prestige and economic impact.
ـ مواضيع ذات صلة :
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تحت المجهر.
.http://doc.aljazeera.net/cinema/2011/07/201173132248796282.html
القاهرة السينمائيّ الدولي: بين الإعتراف، والإعتماد
http://doc.aljazeera.net/followup/2012/03/201232773122480216.html