”الأندلس مونامور” لنظيف :متدين زائف و سياسي فاسد
ضـاويـة خـلـيـفـة – الجـزائـر
بعد تجربتين في مخبر الأفلام القصيرة كللتا بالنجاح و عدد من الجوائز، دخل الممثل و المخرج المغربي محمد نظيف تجربة إخراج الأفلام الروائية الطويلة من بوابة الأندلس، حيث أنتج و أخرج فيلما بعنوان ”الأندلس مونامور”، أولى أفلامه الروائية.
من خلال هذا الحوار الذي جمعه الجزيرة الوثائقية سنتوقف عند واحدة من الحكايات التي تسردها ”قوارب الموت” ، لنتعرف على تفاصيل أخر افلامه.
طرحك لظاهرة الهجرة السرية جاء بأسلوب مغاير و بطرح جديد …
صحيح تماما فالموضوع هو موضوع شائك تعاني منه مجموعة من دول الجنوب، بما فيها شباب المغرب العربي، تناولته السينما الجنوبية والدراما بشكل عام، و لكن الأهم ما هو الجديد الذي يأتي به كل مخرج، أنا مثلا اخترت بالشراكة مع السيناريست أن نتوجه بالفيلم نحو الكوميديا الهادفة و الذكية لنحاول من خلالها تمرير جملة من الرسائل للمسؤولين و السياسيين، وكذا الشباب الحالم أو الطامع في مستقبل و حياة جديدة خارج حدود الموطن الأصلي، إذ حاولنا و بشكل غير مباشر التطرق إلى الأسباب و الدوافع التي تجعل الشاب يقدم على ترك وطنه آملا في حياة أفضل في الضفة الأخرى ما وراء البحر، و قد تناولنا ذلك من خلال مجموعة من الشخصيات، كشخصية العمدة، التي تمثل السياسي الفاسد أو السياسي المافيوزي، أيضا شخصية الإمام المزور، الذي يتخفى وراء عباءته لتمرير بعض الممارسات و الصور البعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الإسلامي، كذلك بالنسبة لشخصية المعلم الذي لديه علاقة غربية مع مهنته و تلامذته، ففي ظل كل هذه المعطيات ماذا ننتظر من نظام و نسق تعليمي ينجب طلاب بشهادات جامعية، و شباب غير مؤهل لعالم الشغل فبالتالي أردنا من خلال هذا العمل أن نتساءل لماذا يتوجه هؤلاء الشباب بتفكيرهم إلى “الحرقة” هل لأن الرصيد المعرفي الذي يمتلكونه لا يؤهلهم لسوق الشغل؟ أم أن الوطن الأم لا يوفر لهم فضاء خصب يحتضن أفكارهم و طموحاتهم و يلبي رغباتهم؟.

الجمهور الجزائري حضي بمتابعة عرضين للفيلم الأول بوهران مفتتحا مهرجان الفيلم العربي الخامس تحت عنوان ”الأندلس يا لحبيبة” و العرض الثاني بالعاصمة بعنوان ”الأندلس مونامور” لما تم تغيير اسم الفيلم؟
صحيح في البداية كان عنوان الفيلم ”الأندلس يا لحبيبة” و بعدها قررت تغيره فأصبح ”الأندلس مونامور”، فكلما رددت هذا العنوان أمام الكثير من الأصدقاء يظنون أن الفيلم تاريخي يصور الفردوس المفقود، ففي كل مرة كان الكثير يسألونني ظنا منهم إن كان هذا الفيلم تاريخيا حسب ما يوحيه العنوان، لهذا حاولت أن أغير عنوان الفيلم وأعطيه هذه التسمية على غرار بعض الكلمات و العبارات المتداولة في دول المغرب، فعبارة ”الأندلس مونامور” فيها نكهة مغاربية و بما أن ظاهرة الهجرة الغير شرعية ضاربة أطنابها في الدول المغاربية قلت لما لا يكون العنوان مستلهم من العبارات المتداولة في بلداننا المغاربية التي لدى شعوبها تاريخ مشترك و لهجات متقاربة.
كيف قدمت أحداث قصة ”الأندلس مونامور” من ناحية الشكل و المضمون، فليس سهلا تقديم موضوع بهذا الوزن بأسلوب كوميدي يستوفي شروط الصناعة السينمائية؟
طرحي للمشكل كان مغايرا و قد ساعدني في ذلك تكويني كممثل و تجربتي المتواضعة كمخرج أيضا، أعتبر هذا العمل مغامرة، فقد أردت و بأسلوب فيه الكثير من المواقف الكوميدية إيصال و بعث جملة من الرسائل، تجعل المتلقي يفكر بعد العرض و يحلل الوضع، فقد بينت هذه الرؤية الإخراجية انطلاقا من قصة شابين جامعيين بطالين ”أمين و سعيد” يفكران في الهجرة إلى اسبانيا بطريقة غير قانونية، يزعمان أمام الأهالي بأنهما باحثان في مجال التنقيب عن الآثار الموجودة في السواحل المغربية، و في تلك البلدة يلتقيان بمدرس ”يستغل تلامذته و يتاجر في الممنوعات” يعرض عليهما خدماته مقابل قارب ”الموت” كما يسميه البعض، الذي يكون سبيلهم للوصول إلى الفردوس الأندلسي الأوروبي حسب اعتقادهم، و في رحلتهم البحرية يلقي القارب ب”أمين” في واحدة الشواطئ المغربية، و ”سعيد” بمخيم نصبته إحدى العصابات التي تستغل الفارين من أوطانهم و توهمهم بأنهم في قلب الأراضي الاسبانية و و في عرض بحورها و رمالها الذهبية، و بذا يكون ”سعيد” و أفارقة آخرون عبيد و سجناء تجار المخدرات، الدين يبررون تواجد هؤلاء الأفارقة المهاجرون و المتواجدون بالمخيم ”السجن” بدافع حمايتهم من عنصرية الأسبان.
سرد هذه الوقائع و الأحداث جاء ليميط اللثام عن تواطؤ السلطة السياسية و الدينية أو المسؤول باسم السياسة و الإمام والمصلح باسم الدين و الضحية في كل ذلك الشاب طبعا.
أفاد مؤخرا تقرير صادر عن وزارة الاتصال المغربية أنه تم إقرار بند في قانون المالية ضمن صندوق النهوض بالقطاع السمعي البصري مخصص لدعم قاعات السينما، إقرار خضوع السينما للضريبة على القيمة المضافة و امتيازات أخرى تندرج في نفس السياق، ماذا سيضيف هذا الإجراء للسينمائيين بالمغرب؟ في المغرب هناك قفزة كبيرة على مستوى الإنتاج و التنظيم، نعلم جميعا أن المغرب أرض السينما، تصور فيها أكبر الأفلام السينمائية، فجل المخرجين العالميين اتخذوا المغرب موقعا لتصوير أعمالهم حتى الإخوة ”لوميار” لديهم صور ملتقطة في المغرب، و من خلال هذه الانتاجات التي تقام بالمغرب اكتسبنا تقنيين، ممثلين و مصورين متشبعين بهذه المهنة.

إذن أصبحت لديهم خبرة كبيرة واحترافية عالية في المجال السينمائي، ولا يمكن لبلد اتخذ كموقعا لتصوير أضخم الأعمال السينمائية العالمية أن لا ينتج أفلاما، و لكي يكون هناك إنتاج سينمائي جيد و وافر لا بد أن ننتج أفلاما تعكس صورة البلد، صورة شعوبنا و من بيئتنا، لأن المتلقي بحاجة إلى أن يرى صورته في هذه الأعمال و ليس أن يرى الصورة التي يريدها الغير، صورة غريبة عنا و لكي تكون هناك أفلام تمثلنا يجب أن تكون لدينا استقلالية في الدعم، فالشيء الايجابي في المغرب أن هناك صندوق الدعم الذي يمول و يدعم 15 فيلم في السنة و 6 أفلام تنتج بشكل خارج الصندوق، إذن هناك استقلالية و مساحة كبيرة للحرية، فالمخرج المغربي يمكنه الذهاب بعيدا بأعماله من ناحية الجرأة و التعبير، خاصة في الخمس السنوات الأخيرة، و كما هو ملاحظ الأفلام المغربية حاضرة تقريبا في كل المهرجانات الدولية، لكن لا زلنا نعاني من مشكل التوزيع غير أن اتخاذ الحكومة المغربية لإجراءات من هذا القبيل وتقديمها لمثل هذه الفرص و الامتيازات سيدعمنا كسينمائيين و سيحفز ممتلكي القاعات لئلا يعلقوا عملهم في قاعات السينما ولكي لا تغلق أو تتجه هذه القاعات إلى النشاط التجاري، إذن هذا تحفيز لكل من يريد الاستثمار في هذا المجال وهناك تحفيزات كبرى بالمغرب كتوفر المساحات و الأراضي التي يمكنها اقتناءها بأثمان جد معقولة، ففي ظل هذه الطفرة النوعية الكبيرة يمكن التنبؤ بغد أفضل لسينمائيي المغرب، لأن هناك بعض الموزعين، وهم أصحاب القاعات في نفس الوقت هم من يتولون مهام جلب الأفلام من الخارج، و الشيء الايجابي كذلك هو أن القاعات لم تأخذها الدولة بل بقيت ملك وتابعة للخواص، فمند حوالي 15 سنة كانت لدينا تقريبا 250 قاعة، موزعة على المدن الكبرى لكن هناك بعض المدن لا تمتلك قاعات، أما الآن هناك تحفيزات و مساعدات عدة، فحاليا يدرس المركز السينمائي المغربي إمكانية تجهيز القاعات التي لا تزال تزاول عملها بمعدات رقمية لتعرض أفلام بالرقمية و ليس ب 35 مم.