فيلم كن لوش في كان: ينفخ في الفراغ!

شتان ما بين فيلم المخرج البريطاني كن لوتش “الريح التي تهز الشعير” الحاصل على السعفة الذهبية في 2006، وبين الفيلم الجديد الذي يعود به لوتش الى مسابقة كان “نصيب الملائكة” The Angel’s Share فالفيلم الجديد أقرب إلى أفلام لوتش الأخيرة مثل :البحث عن إريك” الذي عرض في كان عام 2009، فهو عمل miniature كوميدي خفيف مصور بأسلوب لوتش الواقعي الذي يصل إلى حد التسجيلية في الكثير من مشاهده، ويعتمد كالعادة، على المزج بين قليل من الممثلين المحترفين والممثلين غير المحترفين الذين يلعبون أدوارا قريبة من حياتهم الشخصية الحقيقية.

الرغبة في التغيير
“نصيب الملائكة” يدور في مدينة جلاسجو باسكتلندا، حول شاب يدعى روبي، عاطل وموزع مخدرات ومرتكب لأعمال عنف يقضي بسببها فترة في “العمل الإجباري”، لكنه يبدأ في الاحساس بضرورة التغيير والبحث عن عمل حقيقي والكف عن حياة الصعلكة بعد أن يصبح أبا لمولود تحمله زوجته الشابة وتذكره به طول الوقت.
غير أن روبي يخطط لكي يحصل على أكبر كم من المال قبل أن يعتزل عالم الجريمة. ومع فريق من أصدقائه الذين يتعرف عليهم أثناء عمله الاجباري، يذهب الجميع أولا في زيارة الى مستودع لتخمير شراب الويسكي الاسكتلندي الشهير، وهنا يكتشف موهبته في التعرف على الأنواع المختلفة من الويسكي من خلال حاسة الشم والتذوق. وتتطور هذه “التيمة” لكي تتحول الى خطة يقودها روبي للاستيلاء على كمية من الويسكي القديم النادر الذي يباع في المزاد العلني بأكثر من مليون جنيه استيرليني، تفقد الجماعة نصف الكمية نتيجة غباء ورعونة أحد أفرادها، بينما ينجح روبي في بيع النصف الآخر بمائة ألف جنيه، يتقاسمها الأربعة.
الفيلم من النوع الخفيف، الذي لا يدين الجريمة بل ولا يتعامل معها باعتبارها جريمة بل كنوع من التعبير الاجتماعي عن الغضب على النظام الرأسمالي، وهي الرسالة السياسية التي تتكرر في أفلام كن لوش، لكنها تبدو هنا مخففة كثيرا، فهو يميل أكثر إلى جعل فيلمه من الأفلام التي تلقى إقبالا لدى الشباب، بإفراطه في استخدم التعبيرات الساخرة أو التصوير الهزلي للشخصيات كما في حالة أحد رفاق روبي الذي يجهل من هي موناليزا ولا يعرف من هو أينشتاين!

كن لوتش

مشاكل الأسلوب
مشكلة هذا الفيلم أنه يبدو مفتقدا إلى وحدة الأسلوب من ناحية الإخراج، فهو يتراوح بين الفيلم الكوميدي الساخر الذي يصل الى أقصى حدود “الفارس” (أو الهزل) أحيانا، وفيلم النقد الاجتماعي الواقعي الذي يصور انعكاسات الأزمة الاقتصادية في بريطانيا على مصائر الأفراد وخصوصا الشباب، وحينا آخر ينحو الى الأسلوب البوليسي المثير للتشويق والترقب.
هنا أيضا افراط في استخدام الموسيقى الراقصة سريعة الايقاع التي تضفي نوعا من الاثارة على الفيلم. وهناك الكثير من المشاهد السياحية التي تدور في جبال اسكتلندا المعروفة بالأراضي العالية highlands، وتوقف طويل أمام أهمية الويسكي في الحياة الاسكتلندية (ربما كمصدر للدخل القومي) ولكن بصورة تصل الى “الدعائية” خاصة في التركيز على “روعة” الطعم من خلال قيام الشخصيات بتذوق الأنواع المختلفة خاصة القديم “المعتق” منها. وهو منحى غير مفهوم في أفلام كن لوتش الذي يقلل كثيرا هنا من نغمة النقد السياسي والاجتماعي.
ولعل العنصر الأهم في الفيلم يتمثل في قدرة كن لوتش المعتادة على العمل مع الممثلين الشباب والتحكم في حركتهم وجعلهم يبدون متآلفين معا، في “هارمونية” مثيرة للإعجاب، تستخرج منهم أقصى ما عندهم رغم قلة الخبرة أو انعدامها أصلا.
وإذا كان يبدو هنا أقل هجاء لبنية النظام السياسي رغم التعريض بالرأسمالية في مشهد واحد مباشر على لسان البطل الذي يحمل النظام العالمي الرأسمالي أزمته، فهو يبدو أكثر تعاطفا مع بطله، حتى أنه ليتجاهل التوقف كثيرا أمام سلوكه العنيف في البداية، وهو السلوك الذي يؤدي به الى أداء فترة في العمل الاجباري، كما يبدو كما لو كان يبرر لجوئه إلى سرقة الويسكي وبيعه مقابل بعض المال والحصول على وظيفة تكفل له تربية ابنه في بيئة أكثر أمانا.
“نصيب الملائكة”تعبير يتردد في الفيلم مشيرا الى نسبة الـ2 في المائة التي تتبخر من الويسكي وتذهب في الهواء، وهو تعبير يطلقه أصحاب أماكن التقطير والتخمير.
اقتضى عرض الفيلم في مهرجان كان وضع ترجمة انجليزية أسفل الشريط بسبب صعوبة اللهجة الاسكتلندية التي تستخدم في الفيلم بالنسبة للجنسيات الأخرى من الناطقين بالانجليزية مثل الأمريكيين.
ربما ينجح الفيلم في أسواق السينما خاصة في بريطانيا التي ستبدأ عروضه فيها في الأول من يونيو، إلا أنه لا يضيف سوى تراكما كميا الى أفلام كن لوتش. ولا نتوقع بالتالي أن يخرج من سباق “كان” بأي جائزة!


إعلان