أمير العمري، مدير مهرجان الإسماعيلة

الإسماعيلية يجب أن يكون مهرجاناً للاكتشافات الجديدة

عدنان حسين أحمد – لندن

لا يحتاج الناقد السينمائي المتميّز أمير العمري إلى نبذة تعريفية، فهو من الأسماء النقدية الراسخة والمعروفة في مصر والعالم العربي على حد سواء، هذا إضافة إلى حضوره الواضح في عدد من المنابر الثقافية والقنوات والإذاعات في لندن. تخرّج العمري في كلية الطب. كما درس الصحافة والتلفزيون في لندن، وأسس شركة هورايزن للانتاج السينمائي والتلفزيوني. نشر مقالاته وأبحاثه في عدد كبير من الصحف والمجلات والدوريات العربية والأجنبية. صدر له حتى الآن اثنا عشر كتاباً نذكر منها “هموم السينما العربية”، ” سينما أوليفر ستون”، ” السينما الصينية الجديدة”، ” كلاسيكيات السينما التسجيلية”، ” النقد السينمائي في بريطانيا”، ” حياة في السينما” و” شخصيات وأحداث من عصر السينما”. أطلق على الإنترنيت في عام 2008 مدوّنة تحمل اسم “حياة في السينما”، كما أسس ورأسَ تحرير موقع “عين على السينما”. يشغل حالياً منصب مدير مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة. التقاه موقع “الجزيرة الوثائقية” فكان هذا الحوار:

بوصفكَ مديراً لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، ما الذي هيأتموه من أفلام الثورات العربية سواء في مصر أم في بقية البلدان العربية لتعزيز الدورة الخامسة عشر للمهرجان؟

– تركيزنا في هذه الدورة ليس على ما أُطلق عليه “ربيع الثورات العربية” أو “الربيع العربي” وما شابه من تظاهرات تجوّلت من عام ونصف بين المهرجانات السينمائية الدولية بشكل جعل هذه المهرجانات تغلِّب السياسي على الفني فقد رحبت بعرض أي فيلم من أي نوع يصور الثورات مهما كان مستواه ضعيفاً أو هزيلاً. أما نحن في مهرجان الاسماعيلية الذي أديره، وبالمناسبة ليست هذه المرة الأولى التي أديره فقد أدرته عام 2001، فقد ركزنا في برنامجنا على الانتقاء الدقيق للأفلام التي تصور الثورة المصرية تحديداً باعتبارها الثورة الأكبر وأيضاً باعتبار أن هذه الأفلام هي الأوسع سواء في عددها الكبير أو في تنوعها أو في تنوع السينمائيين الذين أخرجوها على العكس مثلاً من الثورة السورية التي تكاد الأفلام التسجيلية عنها لا توجد أصلاً وكذلك الثورة اليمنية.
لهذه الأسباب خصصنا قسماً مميزاً أطلقنا عليه “الثورة كما يراها الآخر” نعرض من خلاله خمسة أفلام جديدة أخرجها سينمائيون من بريطانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك وألمانيا والدنمارك، عن الثورة المصرية، ومعظمها أفلام لم يسبق عرضها لذلك سيكون عرضها هذا العام في الاسماعيلية هو العرض العالمي الأول. وستكون بينها مفاجآت مدهشة أضطر أن أبقي عليها الآن.
خارج هذا القسم تتوزع الأفلام المصرية عن الثورة بين المسابقة والأقسام الموازية الأخرى فلدينا قسم خاص بعنوان “سينما المرأة المصرية في الثورة” نعرض من خلاله ستة أفلام صنعتها مخرجات من النساء عن الثورة المصرية وعن وضع المرأة تحديداً في هذه الثورة.

كيف تقيّم الأفلام الوثائقية التي تعاطت مع ثورات الربيع العربي، وهل تعتقد أنها ارتقت إلى مستوى هذا الحدث، وتعاطت معه بطرق فنية مبتكرة؟
– نعم الى حد كبير، فهناك أفلام جيدة جداً لكنها قليلة والملاحظ أيضاً أن الكثير من أفلام الثورات تتشابه في بنائها، بل وفي صورها أيضاً، أي أنها تكرر نفس الصور وكأنها تستنسخ بعضها البعض، لذلك فالاختيار لم يكن سهلاً، وكان يتعين علينا استبعاد بعض الأفلام الشهيرة التي سبق عرضها في مهرجانات أخرى. وبهذه المناسبة أود التأكيد على أنني شخصياً أفضِّل عرض الأفلام الجديدة الجيدة على عرض الأفلام التي سبق عرضها في مهرجانات عديدة حتى لو كانت “ممتازة” لأن مهرجان الإسماعيلية يجب أن يكون مهرجاناً للاكتشافات الجديدة وليس سلّة لعرض أفلام فائزة بجوائز المهرجانات الأخرى.
ولعل من الجوانب الجديدة التي سنحققها هذا العام وكانت غائبة عن المهرجان منذ سنوات بعد أن تحول إلى مجرد مسابقات فقط، الاهتمام الكبير الذي نوليه للأقسام الموازية الجديدة التي ابتكرناها خارج المسابقة مثل قسم “فضاء المبدعين” الذي نعرض فيه أفلاماً منها الجديد ومنها ما سبق عرضه في مهرجانات أخرى وفاز بالجوائز ومعظمها أفلام “رؤية فنية”، أي تعبر عن جموح مبدعيها وتعبيرهم عن رؤاهم الذاتية بأسلوب حر.

وإذا كان الأمر كذلك فما هي الأفلام التي لفتت نظرك من حيث سويتها الفنية والفكرية سواء في مصر أو في بقية البلدان العربية؟
– لا يمكنني الحديث عن أفلام بعينها لأنني لا أحب أن أبدو وأنا في موقعي هذا، منحازاً لأفلام دون غيرها، بل أن اختيار وترشيح الأفلام تمّ بواسطة لجنة من الخبراء والمتخصصين الذين اخترتهم بنفسي والذين أكنُّ لهم الاحترام والتقدير حتى لو اختلفت مع بعض اخيتاراتهم. لكننا تمكنّا معاً في النهاية، من التوصل الى اختيار أرضى عنه تماماً، وأراه ممتازاً، بل ومليئاً بالمفاجآت الجميلة.

 كيف تقيّم في السياق ذاته الأفلام التي أنجزها “الآخر” عن ثوراتنا العربية. وما هي أوجه التشابه والاختلاف بين الرؤيتين المحلية والعالمية؟

– أترك التقييم للجمهور والنقاد وأكتفي بدوري في “إعداد الطبخة” وأستمتع بمشاهدة هؤلاء جميعاً وهم يتناولونها، وأتمنى لو أعجبهم “الطعام”، أي وجبات الأفلام، أن يقولوا كلمة جميلة، واذا لم يعجبهم فلهم مطلق الحرية في توجيه ما يشاؤون من نقد، فنحن نتعلم من بعضنا البعض.. أليس كذلك!

تناهى إلى سمعنا بأن القائمين على المهرجان قد قرروا ترميم بعض الأفلام الوثائقية القديمة، هل لك أن تحيطنا علماً ببعض هذه الأفلام؟

نعم أطمح الى جعل المهرجان مؤسسة تلعب دوراً في دعم السينما التسجيلية والأفلام القصيرة وليس عرضها فقط والاحتفاء برائعها لذلك قمنا باختيار مجموعة مكونة من عشرة أفلام من كلاسيكيات السينما المصرية التسجيلية والقصيرة أخرجها عدد ممن أصبحوا بعد اخراجهم تلك الأفلام، من كبار السينمائيين في مصر مثل صلاح أبو سيف ومحمد خان وداود عبد السيد وعاطف الطيب وغيرهم. وسنقوم بطبع نسخ جديدة ومعالجة النيجاتيف القديم والحفاظ عليه بنقله الى الديجيتال، ثم سنعرض هذه الأفلام في احتفالية خاصة ونجري مناقشة بين الشباب والكبار تحت عنوان “نظرة الى الماضي” أو ما نطلق عليه بالانجليزية “نوستالجيا مصرية”؟

عملتَ في النقد السينمائي لمدة طويلة من الزمن، وتراكمت لديك خبرات كثيرة في هذا الصدد، هل ستنعكس هذه الخبرات في اختيار نوعية النقاد السينمائيين والصحافة السينمائية التي ستدعونها لهذه الدورة. وهل ثمة اشتراطات محددة ستجد طريقها إلى المهرجان؟


أرجو ذلك بالفعل. سندقق بقدر الامكان، لكننا نريد الجميع ولا نرغب أبداً في استبعاد أحد سواء من مجال النقد أو الصحافة السينمائية، ولا علاقة لوجود الصحفيين والنقاد بنظرتي الشخصية أو تقديرها لما يكتبه هذا الناقد أوذاك، بل لو كان الأمر بيدي (أقصد لو توفرت لي الميزانية المناسبة) لأحضرت أربعة آلاف صحفي وناقد من شتى أنحاء العالم فبدون الصحافة والاعلام لا توجد المهرجانات، لكني أعمل بميزانية تقل كثيراً عن ميزانية السنوات السابقة بسبب الحالة الاقتصادية وأيضاً بسبب زيادة التكلفة التي سيتحمل المهرجان للمرة الأولى بالكامل دون أي دعم مباشر من جهات أخرى فيما يتعلق بنفقات إقامة الضيوف لأننا سننقل مقر الاقامة من مبان تشبه معسكرات الجيش كانت تبعد عن المدينة نحو ساعة بالحافلات، الى قلب الإسماعيلية في فنادق رائعة في بقعة ساحرة تطل على بحيرة التمساح مباشرة وقريبة من دور العرض السينمائي، كما سنوفر للضيوف وسائل انتقال مريحة تنقلهم من الفندق الى السينما وبالعكس، على مدار الساعة.

 كيف تنظر إلى تزايد عدد المهرجانات السينمائية في عالمنا العربي، وكيف تستقطبون الأفلام الجيدة التي تتلاءم مع مهرجان نوعي مثل الإسماعيلية في ظل هذا العدد الكبير من المهرجانات التي تتناسل كل عام؟

تزايد المهرجانات ظاهرة ايجابية تعكس زيادة الوعي بالسينما، لكن على القائمين عليها التدقيق في الاختيار لكي لا تتكرر الأفلام. كما يجب الاهتمام بالجانب الثقافي. ونحن بالمناسبة سننظم ثلاث محاضرات لشخصيات سينمائية عالمية حول تجاربهم في الفيلم التسجيلي.

هل نتوقع من القائمين على مهرجان الإسماعيلية إصدار بضعة كتب في النقد السينمائي في كل دورة كتقليد متعارف عليه لترويج الكتب الجادة في هذا المضمار أم أن المهرجان لا يتوفر على تعضيد مادي لترسيخ هذه الظاهرة الثقافية المهمة؟

بالفعل سنصدر في الدورة القادمة ثلاثة كتب كلاً عن السينما والثورة والثورات العربية والثورات عموما.


إعلان