على أسطوانات : الحب بين الكبار: ثلاثية

 
محمد رُضا
هناك قصّـة حب عميقة في فيلم ميشيل هنيكه رابح سعفة “كان” الذهبية هذا العام. حب لا يمكن التلاعب معه عاطفياً، ولا يمكن له أن ينتهي بخصام بين الحبيبين او بافتراق او بخيبة أمل. فالحبيبان تجاوزا السن الذي قد يتيح لأي منهما الإنفراد بموقف، او الإقدام على رد فعل أحادي. إنهما زوجان كهلان ما مضى من عمريهما أكثر بكثير مما بقى. لكنه حب على أي حال.
آنا (إيمانويل ريفا) وجورج (جان- لوي ترتنيان) يتبادلان السنوات الأخيرة من العمر ثم هي تنزلق فجأة تحت عجلات قطار السن. تُـصاب بجلطة تشلّ جانبها الأيسر وتقعدها ثم بأخرى، وكما يحدث عادة، تحوّلها إلى بدن متكوّم. ومع أن الزوج، وهنا بيت القصيد، يقدم في النهاية على قتلها (البعض يقول قتل رحمة) الا أن ذلك لا يعني أنه فعل ذلك لأنه لم يعد يحبّـها… فعل ذلك لأنه أشفق على نفسه… او بكلمات أخرى، أحبّ نفسه أكثر.
الموضوع مثير وكتابته رائعة ثم طريقة معالجته أكثر إثارة. لكنه ليس الفيلم الوحيد عن الحب بين الكبار او عن حب الكبار.
مؤخراً على أسطوانات الأفلام يعيد فيلم «إريس» طرح نفسه كنوع من السابقة. إنه فيلم بريطاني أنجزه رتشارد آيَـر سنة 2001 وعرض على الأوسكار ففاز بطله جيم برودبنت بأوسكار أفضل تمثيل رجالي مساند. بطلته جودي دنش أخفقت في نيل الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم لكن “البافتا” البريطانية عوّضت لها ذلك إذ نالته بتقدير عال.
إريس مردوك (جودي دنش في الفيلم) هي شخصية حقيقية. كاتبة ولدت في أيرلندا سنة 1919 وتوفيت سنة 1999 والفيلم يروي حياتها في السنوات الأخيرة بعدما أصيبت بمرض الزهايمر. ولن أدخل في إنجازاتها الأدبية لكي أبدو ملمّـا فهي لابد متوفّرة على “الويكيبيديا»، لكن ما أعرفه أنها بلغت مكانة سمحت للنقاد بمقارنتها بجورج إليوت وبعضهما بليو دستويفسكي.
أما زوجها جون بايلي (كما أدّاه جيم برودبنت) فهو أستاذ دراسات أدبية مال إلى الكتابة الروائية والنقد الأدبي وهو الذي وضع كتاباً عن حياته مع زوجته بعنوان «إريس» كان مرجع هذا الفيلم.
يمهّد الفيلم قليلاً لحياة هادئة ولو أنها رتيبة لزوجين كبيرين سناً يعيشان متعاونين في منزلهما. ثم يدلف بعد ذلك إلى بدايات فقدان إيريس ذاكرتها. تخرج ولا تعرف كيف تعود او تنسى الأشياء القريبة إليها في حين يبذل زوجها الجهد المتواصل للعناية بها. كما هو معلوم، لا شفاء- للآن- من الحالة، وبالتأكيد لم يكن هناك شفاء لها في التسعينات والأمور تتسارع صوب نهاية مأسوية تعبّر، إن لم يكن عن شيء، فعن إخلاص الزوج وتفانيه في رعاية زوجته حتى النهاية.

       جان لوي ترتنيان وإيمانويل ريفا في «حب»                           جيم برودبنت وجودي لينش في «إيريس»

سنجد هذا الفيلم قاسياً لكنه أقل جودة بقليل من فيلم خيالي تماماً أخرجته الممثلة- المخرج سارا بولي سنة 2006 بعنوان «بعيداً عنها» مقتبس عن قصّـة قصيرة بعنوان «الدب جاء فوق الجبل» لأليس منرو.
الفارق بين أن تشاهد فيلماً مقتبساً عن حكاية حقيقية الشخوص والأحداث وبين أن تشاهد فيلماً خيالياً في هاتين الناحيتين هو أنك مع الأول أنت محروم من استقلالية التأليف (الا بحدود ضيّقـة وضرورية لصياغة درامية سليمة)، بينما يمنحك الفيلم الخيالي متعة التحرر من حدود الأصل والموافقة على استقبال أحداث تبقى- إذا ما كان الفيلم جيّداً وليس على طريقة فيلم «الزهايمر» لعمرو عرفة وبطولة عادل إمام- واقعية وسليمة ومدروسة الخطوات لا شطح فيها وتبدو كما لو كانت بلا خيال.
هذا الفيلم يتميّـز بعودة ممثلة رائعة إلى الشاشة هي جولي كريستي التي تلعب دور الزوجة المحبّة لزوجها (غوردون بنسنت) حين يداهمها ذلك المرض. المأساة تختلف هنا عما وضع الفيلم السابق تحته خطوطاً: إنها في الزوج الذي يعلم أنه سيخسر زوجته وحبّـها إذا ما وضعها في عناية أحد المصحّـات لأنها ستنساه (والمصحّة تطلب منه أن لا يزورها قبل ستّـة أشهر) وهذا بالفعل ما حدث… لقد فقدت ذاكرتها حوله. صار غريباً. والأكثر إيلاماً أن عواطفها القلبية أخذت- وقد خلا عقلها من الذاكرة- تتوجّـه إلى مريض آخر في المصحّـة وهي غير مدركة بالطبع ما يحدث معها.
الجوهر هنا أكثر إيلاماً من كل فيلم دار حول الزهايمر او حتى من فيلم «حب» لميشيل هنيكه وقلّما استطاعت السينما الوصول إلى تلك المرحلة من تحسس الألم الذي يتركه أحد العاشقين في العاشق الآخر إذا ما رحل عنه روحاً او ذاكرة.
 

الأفلام المذكورة بلمحة
Amour| Michael Haneke ?****?
Iris | Richard Eyre ?***?
Away From Her | Sarah Polley ?****?

 
 


إعلان