صيف بروكسل يتألق في بانوراما شاملة لسينما القارة

طاهر علوان
هو بلاشك صيف متميز للسينما الأوربية في هذا العام  …قالها مدير المهرجان الشاب “ايفان كوربسييه ” عشية الأفتتاح المنسق والدقيق والبعيد عن المظاهر الشكلية ، انه افتتاح المهرجان السينمائي السنوي للسينما الأوربية في بروكسل وحيث يكتسب اهمية خاصة في هذه الدورة لكونها الدورة العاشرة لكنها  الأكثر تنوعا في العروض من مختلف ارجاء القارة ومختلف التجارب والأتجاهات فضلا عن الندوات وورشات العمل في تسعة ايام متواصلة من العروض مصحوبة بنظام للعروض الخاصة بالصحافيين والنقاد اعطت لهذه الدورة قيمة استثنائية لاسيما وان المهرجان يحضى بدعم من العديد من مؤسسات الأتحاد الأوربي في بروكسل .
العديد من الأفلام تعرض في عرضها الأول في هذا المهرجان وهو عنصر تميز آخر واضافي ، وثمة مخرجين ومنتجين كثر يفضلون هذا المهرجان الذي صار يرسخ تقاليده على اي مهرجان آخر
وهناك بالقرب من بحيرة فلاجية في وسط العاصمة بروكسل تجد عشرات السينمائيين الذين يحتشدون في هذه التظاهرة النوعية التي ننتظرها وينتظرها السينمائيون الأوربيون بأهتمام كبير واستثنائي في كل عام في مثل هذا الوقت .
صيف السينما الأوربية كانت شمسه السينمائية ساطعة هذا العام بسبب كثافة العروض اليومية ، 12 فيلما هي افلام المسابقة الرسمية للحصول على جائزة زهرة السوسن الذهبية والفضية واكثر من 50 فيلما تتوزع على الأقسام والمسابقات الأخرى وفضلا عن ذلك مسابقة خاصة للأفلام الدرامية القصيرة  والعروض في العديد من صالات مجمع فلاجيه وقص الفنون فضلا عن العروض اليويمة للجمهور في الهواء الطلق .
فيما يلي قائمة بأهم الأفلام الروائية الطويلة التي ترشحت للمسابقات الرئيسة  :
– فيما بيننا – اخراج ماركو فان غيفين – هولندا
– كليب- اخراج مايا ميلوش – صربيا
– كاوبوي- اخراج بودوان كول – هولندا
– رحمة – اخراج ماتياس جلانسير – المانيا ، النرويج ، بريطانيا

– اخي هو الشيطان – اخراج سالي الحسيني – بريطانيا
– لاراحة للأشرار – اخراج هنريك اوربيزو- اسبانيا
– اولاد اشرار – اخراج شاكر تحرير – السويد
– روز- اخراج ووجيش سماروسكي – بولندا
– صورة الشفق – اخراج انجلينا نيكونوفا – روسيا
– صوت امي – اخراج اورهان اسكيكوي و زينل دوغان – تركيا – المانيا فرنسا
– عندما سأكون صغيرا – جان بول روف – فرنسا
– البحر الأزرق العميق- تيرينس دايفز –بريطانيا
– باريس مانهاتن – اخراج صوفي لولوش – فرنسا
– تريشنا –مايكل ونتربوتوم – بريطانيا
– رجل مضحك – اخراج مارتن زاندفليت – الدنمارك
– دادي- اخراج داليبور ماتينيش – كرواتيا
– استحواذ – اخراج باسكال فيردوسكي – سويسرا
– مازال حيا – اخراج سيباستيان ميز – النمسا
– وافلام اخرى كثيرة .
من الأفلام المهمة التي قدمت في عروض خاصة بالصحافيين فيلم البحر الأزرق العميق من اخراج  تيرينس دايفز –بريطانيا، هذا الفيلم يغوص عميقا في الجدلية الأجتماعية المتعلقة بالذات والآخر ، الأنانية من جهة والذات الضائعة وسط اهواء ورغبات الآخرين ، والفيلم يحفر عميقا في تلك الدوامة التي ترتبط بالعلاقات الزوجية المثقلة بالتداعيات والمشكلات النفسية ، الزوجة الجميلة هستير “الممثلة راشيل وايز” تشعر فجأة بلاجدوى تلك العلاقة القائمة على المجاملات الفجة والأبتسامات المصطنعة ، الزيف الذي يغلف الذات الأنسانية ولهذا تتمرد على تلك العلاقة الزوجية الأشكالية وتقرر الأنفصال بعد حوار وسجال مليء بالسأم واللاجدوى الذي يتبادله الثلاثة “هيستر ” وزوجها الممثل الكبير سيمون راسيل بيل وامه التي مازالت قادرة على السخرية من الآخرين واللعب بمشاعر تلك الزوجة المتعبة التي تقع ضحية مرة اخرى لعلاقة اشكالية مع شاب طموحاته مشتته وقراراته لاتقبل الرجعة ولهذا ربما يكون الأنتحار قرار مربكا لها لكنه نقطة فاصلة في الرفض مع انها تنجو منه .تقع الأحداث في خمسينيات القرن الماضي ويلفت النظر ذلك الحوار المحكم الذي يكرس روح الدراما المسرحية في عمل سينمائي مفعم بالغوص في ثنايا الذات الأشكالية .
ويعود المخرج الأسباني انطونيو تشافرياس في رائعة جديدة من خلال فيلمه ” العاب طفولية ” ، ويقدم تنويعا ملفتا للنظر في  دراما نفسية مؤثرة ، يتابع حياة وديعة وهادئة تشكل الطفولة واصداؤها وتجاربها القاسية محورا اساسيا ، فالبحث عن تجدد الحياة عبر الطفولة يدفع الزوجين العاشقين دانييل ” الممثل خوان دييغو بوتو ” و لورا “الممثلة باربارا لاني”الى تبني طفلة انتحر والدها وتوفيت امها في حادث ، الطفلة ذات الأسمين المزدوجين تدفع دانييل الى الوراء سنوات عديدة وهو يربط بين اسم طفلته بالتبني  وبين شقيقته التي حملت نفس الأسم لكنه كان هو وشقيقه سببا في موتها عندما وارياها التراب في احدى المقابر على سبيل اللعب حتى لفظت انفساها .

                                                                                  من الافتتاح

ولذا فأن كل شيء يتعلق بتلك الطفلة الجديدة التي اقتحمت حياته يجره جرا الى عذابات الماضي التي لاتندمل ولاتريد ان تندمل او ان تهدأ ، تأنيب للضمير وكوابيس متلاحقة وصورة الفتاة القادمة الى بيت الزوجين المحبين  تؤكد انها جزء من ذلك الماضي الأليم الذي يتفاقم من خلال الأصوات ورسوم الأطفال وحتى نوع الملابس التي ترتديها الطفلة ويتحول الى صراع نفسي شرس يخرج دانييل من دائرة حياته المستقرة الى السؤال :من تكون تلك الطفلة ومن اين اتت وماذا تريد منه ولماذا تتسبب له بمزيد من الشقاء بعدما ظن انها ستمنحه املا في حياة اسرية اكثر تماسكا . تمضي تلك الدراما النفسية لتغوص عميقا في نزعات الشر الموغلة في الذات وهي تتلون وتتماهي في ظل ازماتها الطاحنة .ولعل مايلفت النظر المعالجة السينمائية المتقنة التي اضفت على الفيلم مزيجا من الصراعات النفسية وتحولات الحياة الأجتماعية ومحاولة الخروج من كهف الذات القاتمة وهي تعاني العذابات المتلاحقة من جراء الشعور بالذنب الذي يلاحق دانييل وينتهي به الى محاولة تكرار التراجيديا بالتخلص من الفتاة مرة اخرى واعادتها الى حفرتها لكن مفارقة تحول دون ذلك لتنتهي حياة دانييل في منطقة جبلية نائية وحيث كان الزوجان وطفلتهما بتمتعون بأجازتهم.
افلام مهمة اخرى وجديرة بالأهمية والعرض ربما سنأتي اليها في مقالات اخرى قادمة .اما مايخص ورشات العمل فتتم بأشراف وتنفيذ مباشر من عدد من السينمائيين اللامعين ، نذكر منهم كاتب السيناريو الفرنسي “توماس بيدجان” كاتب سيناريو فيلم نبي للمخرج جاك اوديارد الذي نال اصداءا عالمية وحصد عددا من الجوائز المهمة وورشة عمل اخرى مع ” بيتر جينسين ” زميل المخرج الدنماركي ذائع الصيت لارس فون ترير وزميله في تأسيس شركتهما زينتروبا وهو منتج فيله الأخير ميلانخوليا وورشة عمل اخرى مع المخرج البلجيكي المعروف “لوكاس بيلفو” وورشات اخرى.


إعلان