“يورت” ..فيلم تركي يصور الوطن بمذاق صعب

يشكل فيلم “يورت” التركي (بالعربية “الوطن”) الفيلم الطويل الأول للمخرج “مظفر أوزديمير”، ويعد الفيلم قراءة في مفهوم الوطن بطريقة فريدة من نوعها تتسم بالبساطة، لكن تعج بالرمزيات، ويتبع خط الميلو دراما الذي قلد به مدرسة المخرج التركي المشهور “نوري بلغي جيلان” الذي اشترك معه “أوزديمير” في بعض أفلامه كممثل. وبلقطة غريبة صعبة التفسير وهي جثة لأحد الحيوانات يكثر فوقها الذباب يبدأ الفيلم، ويمكن تفسير تلك اللقطة مع نهاية الفيلم على أنها إشارة إلى الوطن الذي يموت وعند موته يعج المكان بمن يريد أن يأكل بقاياه.
يروي الفيلم قصة مهندس معماري يصاب بأزمة نفسية عصبية أثناء خروجه إلى التخييم مع أصدقائه، لينصحه الطبيب الخاص به بأن يذهب إلى مدينته الأصلية، ويلتقط صورا هناك بحجة أنها تساعده في عمله، فيتوجه “دوان” نحو قريته وهي “غوموشهانه” بصحبة كاميراته التي تأخذ في التقاط الصور بنشاط في كل مكان من قريته، ويتجول مع استغراب واستهجان من أهالي القرية بسبب وجود “دوان” في القرية عن أسباب التقاطه الصور لكن لا يسرح المخرج كثيراً في عرض عمليات الاستغراب إنما يكتفي بحديث الصورة مع تجولات “دوان” وهدوئه وتأمله غير المحدود بجمال الطبيعة. من حيث القصة لم يكن الفيلم حاملاً لأساليب سردية مشوقة حتى أنه يخلو من الصراع القصصي حيث لم نجد الشخصيات السلبية لكن الفيلم بحد ذاته يحتاج إلى تأمل، وأستطيع القول أن الفيلم لم ينبني على قصة ترتقي إلى أن تصبح فيلماً سينمائياً إنما حمل كاميرا وعين سينمائية عالية الجودة استطاعت الإبحار في معالم الطبيعة وتشكيل صورة للوطن خارج نطاق السياسة والتسييس واعتمد على الخط العاطفي والإحساس بالوطن من خلال وجوده في غياهب صورنا وأمام إحساس بوجوده والقدرة على لمسه والتمتع به بطريقة تبتعد كل البعد عن المنفعة المادية، فيشكل الوطن من حيث رأي المخرج ملجأ للراحة النفسية ودواء يعيد الإنسان إلى حالته الطبيعية.
ومن جهة ثانية اقترب الفيلم إلى النوع الوثائقي أكثر من السينما الروائية وهذا باعتراف مخرجه الذي خرج إلى المسرح قبل عرض الفيلم ليقول “ستشاهدون فيلماً أقرب إلى الوثائقي”، حتى أنه اتبع بعض الاحيان عرض أشياء حقيقية عن مدينة “دوان” من خلال خضوره لفيلم وثائقي عنها عن طريقة جهاز الكمبيوتر. ويؤخذ على الفيلم أنه كان يملك فراغات وطول بعض المشاهد دون سبب على حساب إدخال السيناريو الذي كان أشبه بالغائب.
أما من حيث التمثيل فلم يكن في الفيلم إلى دور واحد واضح وصريح وهو دور “دوان” المهندس المعماري فما تبقى من أدوار فهي تقترب إلى الديكور والتكميل. وكذلك لم يحتوِ الفيلم قصة عشق فاكتفى المخرج بعرض قصة حب من نوع آخر هي عشق “دوان ” اللامحدود لتلك الطبيعة الخلابة حيث وقفت الكاميرا كثيراً في حالة التأمل للّون الأخضر لكن الفيلم خُتم بنظرة للمهندس المعماري لذاك الجبل الأجرد إشارة إلى أن “دوان” نفسه هو من يعشق الطبيعة هو من يدمرها لذلك يصل الفيلم إلى أن الإنسان هو من يهدم وطنه حتى لو كان يعشقه.