“العذراء والأقباط وأنا” كوميديا التسامح

يعرض فيلم “العذراء والأقباط وأنا” لنمير عبد المسيح وضع الاقباط في المجتمع المصري في إطار  كوميديا سوداء ولّدها الواقع خلال قيام المخرج بتصوير فيلم عن ظهور العذراء فوق كنائس مصرية.
والفيلم الذي عرض خلال فعاليات الدورة ال 15 لمهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة يعبر عن تجربة عاشها المخرج ومن خلالها يحاول أن يقدم رؤيته للعلاقة بين المسيحيين والمسلمين وبعض جوانب الفكر المسيحي.
فكرة الفيلم جاءت للمخرج حسب قوله “إثر غيابه عن مصر لمدة 15 عاما بعد أن كان غادرها طفلا ففوجئ عند عودته بكراهية بعض المسيحيين وبعض المسلمين لبعضهم البعض والمحرج ليس بذلك الإنسان المتدين أو المتعصب لديانة دون أخرى. فخطرت له فكرة التطرق إلى هذه المسألة في الفيلم بعرضه لبعض الاجواء المسيحية التي يعرفها من خلال أقاربه الذين يعيشون في إحدى قرى محافظة أسيوط في الصعيد”.

فيدخل مسافة الحوار الدرامي في فيلمه من خلال التركيز على التصور السائد حول ظهور السيدة العذراء فوق قبة أكثر من كنيسة من كنائس الأقباط في مصر وأبرزها ظهورها فوق قبة كنيسة السيدة العذراء في ضاحية الزيتون في القاهرة عام 1968 بعد أشهر قليلة من هزيمة حزيران/يونيو 1967.
يلتقط هذه الفكرة التي تعتبر معجزة ضمن الفكر الديني المسيحي ويربطها بالهزيمة وببعدها السياسي الذي عبر عنه أحد القساوسة في إحدى الصحف المصرية الصادرة حينها، قائلا إن “ظهور العذراء يؤكد ان الانتصار على اسرائيل قادم” بما يحمله هذا من شحن للمسيحيين المصريين سياسيا باتجاه استمرار الحرب ضد اسرائيل.
وهي ظاهرة كان المفكر السوري صادق جلال العظم قد حللها في كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة” في نهاية الستينات حين تطرق لانتشار التصورات القائلة بظهور العذراء وظهور شُعيرات من ذقن الرسول بين صفحات الصحف، وتناقلتها الأخبار في حينه “كدلالة هروب غيبي من مواجهة الهزيمة ومحاسبة المسؤولين عنها”.

نمير عبد المسيح

وحاول المخرج خلال معالجته للفيلم محاولة التأكيد على هذه الرؤية وهي الدلالة السياسية لهذا الظهور والتأكيد على أن الكراهية المتبادلة بين بعض المسيحيين وبعض المسلمين لها دلالة سياسية أكثر منها إنسانية بالمعنى العام.
وعندما يفشل في الحصول على براهين ظهور العذراء عام 1968 بسبب البعد الزمني عن تلك الفترة، يلجأ الى منطقة أسيوط التي شهدت حسب أهلها ظهورا قريبا للعذراء بالقرب من قرية أمه التي عاش فيها طفلا قبل هجرته الى فرنسا والتي يقع بالقرب منها دير السيدة العذراء الذي يشهد احتفالات سنوية يشارك فيها المسيحيون والمسلمون على حد سواء.
وهناك يفشل في إثبات ذلك ايضا فيقرر أن يتضمن فيلمه مشهدا تمثيليا حول ظهور العذراء فيجمع عائلة أمه لتقوم بتمثيل المشهد. وخلال قيامه بتدريب أفراد العائلة واختيار المشاركين في المشهد تظهر الكثير من التناقضات المختلفة بين منظور الكنيسة المصرية للعذراء مثلا ومنظور الكنيسة الكاثوليكية لها من خلال اعتبار أقاربه صور العذراء التي يصدرها الكاثوليك حراما فيما تتوحد نظرة الأقباط حول العذراء مرتدية الأبيض والأزرق.

وتظهر في الفيلم كوميديا طبيعية جدا أثناء تدرب أقاربه على المشهد بكل طيبة وأريحية وجمال، بالإضافة إلى الكوميديا والتناقضات التي تظهر بينه وبين والدته طوال مسار الفيلم، مثل رفضها الزج بعائلتها في موضوع ظهور العذراء وتشددها في إبعاد عائلتها عن فيلمه ثم حماسها الشديد لمشاركة افراد عائلتها فيه.
وفي النهاية، يبين الفيلم أن معجزة ظهور العذراء قد تكون وهما وأن التمسك بالجوانب الدينية الغيبية قد ينتج نوعا من الكراهية غير المطلوبة تجاه الآخر الذي نعيش معه في وطن واحد وأرض واحدة.


إعلان