حوار مع هادي زكاك : السينما اللبنانية.. أمس واليوم

تحضر أفلام هادي زكاك بصورة دائمة في مختلف البلدان العربية، والمناسبات، فالسينمائي اللبناني أنجز العديد من الروائيات، والوثائقيات، وأرّخ للسينما اللبنانية منذ انطلاقتها المرصودة في كتابه (بالفرنسية) :”السينما اللبنانية: مسار سينمائي نحو المجهول (1997). وقد وصفه الناقد السينمائي محمد سويد بأنه “رجع صدى لأصوات الأجيال السابقة التي سعت عبثا لإثبات وجودها بالكلمة ولغة التاريخ المتسامح مع نفسه”.
زكاك سينمائي متخصص، وأستاذ في مدرسة السينما في الجامعة اليسوعية، وكانت له مشاركات في ورشات عمل لإخراج الأفلام، وإنتاجها، منها واحد في باريس عام 1996، وبروكسيل 1999، وبوتسدام 2007.
بدأ بالفيلم الروائي القصير ثم اتجه الى الوثائقي، وذلك كما قال “لحبي للتاريخ وخاصة أن المنطقة تغلي”، مضيفا أن “الدافع هو المحافظة على الذاكرة في عالم معرض للنسيان”.
وضع زكاك حوالي 20 فيلما وثائقيا آخرها فيلمه الرائع “مرسيدس” (2011)،  والذي تحصل على عدة جوائز هذه السنة و”لاجئ مدى الحياة” (2005)، و”أصداء شيعية من لبنان”(2006)، و”أصداء سنية من لبنان”(2007)، و”درس في التاريخ”(2008)، و”التسرب النفطي في لبنان”(2006)، وأفلام أخرى.

هادي زكاك

التقينا زكاك عن الدورة السينمائية التي قدمت السينما اللبنانية بين الستينات والسبعينات، فهي “تاريخ السينما في لبنان، وصوره في الحقبة بين الخمسينات و 2001،  وكانت مبادرة من جمعية “اكروبوليس” لإعادة إحياء ذاكرة  السينما والأفلام التي أنتجت وعرضت بين الستينات ومطلع السبعينات، وهي فترة كان فيها إنتاج غزير للأفلام في لبنان وخاصة بعد تأميم السينما في مصر بين 1962 و1963 حيث ظهر مجموعة من المنتجين والمخرجين والممثلين المصريين، وبدأت عجلة الانتاج في لبنان تتحرك، وازداد عدد الأفلام وصولا الى تقديم اكثر من عشرين فيلما طويلا في السنة، وكانت هناك موجات متعددة من الافلام كموجة الأفلام البوليسية مثل “الجكوار الأسود”، و” الانتربول في بيروت” و” بيروت فكرة 11″، و” وموجات افلام غنائية مع نجوم الاغنية صباح وطروب، اضافة الى  موجة افلام بدوية خاصة مع سميرة توفيق ك”بدوية في باريس”، الى مجموعة افلام مختارة كافلام لمخرج مصري له جذور لبنانية وهو هنري بركات الذي عمل العديد من الافلام في لبنان ان كان مع الممثلين مصريين او مع الرحابنة..
وعن بعض الأفلام البوليسية التي تعرض في هذه الدورة، رأى أن “فيلم “الانتربول في بيروت” و”الجاغوار السوداء” و”عصابة النساء”، وأفلام أخرى مماثلة تندرج ضمن موجة الافلام البوليسية التي درجت في الستينات في لبنان، وغيرها من افلام هي تقليد لأفلام بوليسية وتجسس اميركية كجيمس بوند، وكأنها وضعت في اطار محلي مع لهجة مصرية، وجرى اجتهاد لمغنين حيث ادخلوا اغانيهم الخاصة، وكانت الساحة اللبنانية مفتوحة لكل انواع الانتاج، حتى انه كان هناك انتاج لأفلام اجنبية”.

ويضيف زكاك متحدثا عن أهمية هذا النشاط بأنه “يجعل الأجيال الجديدة تتعلم وتتعرف على السينما سابقا والأفلام التي عرضت وكيف كانت نوعيتها، حيث كان هناك أشخاص مبدعون، وإنتاج مهم، واستطاع المخرجون أن يعتاشوا من وراء السينما، وكان هناك اشخاص يعملون بكل حماس واقتناع وصبر،  وصحيح ان هناك العديد من الافلام لم تكن بأهمية كبيرة، واضرت بمفهوم السينما بهويتها، لان هويتها كانت ضائعة، لكن كان كل مخرج ما إن ينتهي بفيلم حتى يبدأ بالآخر، وكانت العديد من الافلام تنتشر في سوق الوطن العربي، ومعظمها تنطق باللهجة المصرية، واليوم ليس لدينا هذا الكم من انتاج الافلام”.

أما رأيه في الواقع الراهن فقد اعتبر زكاك “أننا استفدنا من الثروة الرقمية، وأصبحت صناعة الفيلم أسهل، وعلى صعيد الهوية حلّت العديد من المواضيع، أي التزام الفيلم بالموضوع، واللهجة المستعملة، واللغة السينمائية، ولكننا لم نستطع أن نركب هذا النوع من العجلة التي تؤدي الى كمية مستمرة من الافلام. ونلاحظ أن هناك إنتاج وفير للأفلام السنة الحالية أو الماضية، وخاصة الوثائقية، وهذا لم يكن موجودا قبل، ولكننا لا نستطيع أن نتكلم عن  صناعة فعلية للأفلام، فعندنا مخرجون يخرجون أفلاما أكثر من صناعة أفلام، أما في الستينات فكانت هناك صناعة فعلية للأفلام، وكانت صناعة متكاملة فقد كان هناك مختبر، واستديوهات بعلبك، واستديو هارون، كما كان هناك أناس يخرجون الفيلم تلو الآخر”.
واستطرد معلقا على هذه الدورة معتبرا إيها “نشاطا يجعل الناس تعود الى الماضي وتذكره بسلبياته وإيجابياته ونتعلم من تجاربهم لنتطور ونتقدم ولننطلق من مرحلة جديدة لنحسن ونبني، واليوم الفيلم الوثائقي يأخذ حيزا أكبر كفيلم “مرسيدس” يمدد عرضه في السينما، فيما في السابق لم يكن الناس يهتمون للأفلام الوثائقية، وهذا إيجابي. فاليوم يتم التشجيع على الأفلام والمبادرات المستقلة وهناك مزيج من التجارب الروائية والوثائقية. عندنا جيل يغلي، ويبقى العنصر الإنتاجي الحلقة الأضعف، بحيث أن شخصية المنتج ليست فعليا موجودة رغم وجود بعض المنتجين، ولكن ليس موجودا المنتج الذي يعرض عليك فيلما بعد أن تنتهي بفيلمك، فهذه الحلقة لم تتطور بعد. واليوم هناك العديد من المتخرجين لا يتجهون لإنتاج سينما لأنها أصعب خط يمكن اتباعه،  فيتجهون بدلا من ذلك الى الفيديو كليب والدعايات التي تدر أرباحا أكثر، وهي سريعة وتؤمّن مدخولا مستقرا. أما الفكرة الطويلة التي دخلوا بها السينما، وخاصة الروائية، فهي مرتبطة مع الغرب، واليوم هناك إنتاج مع دول الخليج وخاصة من وراء المهرجانات كمهرجان دبي، والدوحة التي تدعم أفلاما وثائقية وروائية. وثمة مشكلة أخرى هي مشكلة توزيع الفيلم، فالسوق المحلية وحدها لا تكفي فيجب أن يدخل الفيلم اللبناني على بلدان مثل مصر والمغرب وغيرها، ويجب ان يتم تبادل الأفلام بين الدول، ففي لبنان مثلا لا نرى فيلما تونسيا أو مغربيا واحدا”.

وعن فيلمه الجديد “مرسيدس” يقول: “فيلم “مرسيدس” يروي قصة سيارة وقصة عيلة ووطن، فمن خلال هذا الفيلم نسترجع 30 سنة خلت من تاريخ لبنان، من خلال قصة حياة “مرسيدس”، حيث وصلت هذه السيارة إلى لبنان في الخمسينات، وشهدت على كل الأحداث، ويعرض كيف أن هذه السيارة الألمانية تحولت إلى مواطنة لبنانية هي وعائلتها”.
وختم:  “اعتقد ان لبنان حاول ان ينتج، ولكنه لم يستطع ان يكون بمستوى الغرب لان امكانياته ضئيلة وحتى في المضمون لان الافلام هويتها ضائعة تماما”.


إعلان