تحرير السمعي بصري و تأثيره على السينما الجزائرية


ضـاويـة خلـيفـة – الجزائر

تباينت آراء و تطلعات السينمائيين الجزائريين من ممثلين، منتجين و مخرجين، حول مستقبل المشهد السينمائي في ظل فتح القطاع السمعي البصري أمام الخواص و الباحثين عن الاستثمار في هذا المجال بأفكار جديدة تواكب العصر، و هنا كان الانقسام بين متفاءل بالمستقبل السينمائي مع الخواص و بإمكانية انتعاش المشهد السينمائي على مستوى الإنتاج، التوزيع و التسويق بعد تبعية للدولة و احتكار دام لسنوات، و بين متشائم من الوضع بناءا على نقص الخبرة و الانطلاق المخيب لبعض القنوات التي ظهرت بصورة باهتة بعيدة كل البعد عن الاحترافية و التخصص و اكتفت بباقة مستنسخة من برامج غربية إلا القلة منها، فخذلت طموح، ذوق و تعطش المتفرج و المختص لمثل هذه الفضائيات، بعدما تأمل أن تثمر تجربة القطاع الخاص ببرامج أفضل بعد إقرار الحكومة الجزائرية تنفيذ الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة و القاضية بإنشاء قنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة، مع التخفيف من مهام مراقبة الدولة لوسائل الإعلام واستحداث هيئات مهنية متخصصة في هذه مهام تتولى تنظيم وضبط العمل الإعلامي.
صحيح لا يمكن الحكم على تجربة أشهر، لكن برفع بعض القنوات الخاصة الستار عن باقتها البرامجية تكون قد كشفت عن توجهاتها، حينها بدت العديد منها خاوية برامجها من أي تناسق و بدون مضمون، فمنها من منحت الكلمة للمواطن ليعبر عن مشاكله و مطالبه، وأخرى استمالت الرأي العام بمواضيع قد تصنف من العجائب و الغرائب أو من الطرائف، غير أن بعض القنوات و مجموعة من البرامج و لأنها تعد على الأصابع من الأفضل عدم ذكر أي منها أطلت على المشاهد ببرامج يتضح أن القائمون عليها أعدوا العدة قبل إطلاق الشبكة البرامجية للقناة، التي يمكن القول و إلى حد ما أنها حفظت ماء الوجه بمواضيع فنية، ترفيهية و تثقيفية، تبشر بمستقبل أفضل قد يدفع بالكثير التوجه إلى التخصص، و لما لا دعم المشاريع السينمائية الناجحة وهو ما يتمناه العديد من المخرجين و السينمائيين و الفنانين الذين ينتظرون أن تتجه الجزائر إلى فتح قنوات متخصصة لا شمولية، و هنا نتساءل: ماذا ينتظر السينمائي الجزائري من هذه القنوات؟ بماذا وهل ستساهم هذه الفضائيات التي تمثل صورة الجزائر و سينماها في حل و لو بالقليل مشكل التوزيع في ظل الغياب الرهيب لقاعات السينما؟ هل ستنعش الإنتاج و تعيد أمجاد السينما الجزائرية؟ هل ستدعم الفعل السينمائي أم أنها لن تدعمه بأي شكل من الأشكال لا من ناحية التمويل، التوزيع، و لا بعروض في هذه القنوات أو حتى تأسيس قنوات تعنى بسابع الفنون؟

المطلوب قنوات متخصصة و الاستفادة من التجارب الرائدة دوليا
 
أكد الممثل ”عبد النور شلوش” صاحب التجارب المشرفة في الإنتاجات الفنية العربية المشتركة أنه آن الأوان لتحرير قطاع السمعي البصري و تخليصه من تبيعة السلطة، مطالبا بل موجها دعوة لكل من لديه اهتمامات بتطوير القطاع السمعي البصري إنشاء قنوات متخصصة بدل إنشاء قنوات شمولية لا يجد الفنان نفسه فيها، لأن و على حد تعبيره مثل هذه القنوات الغير متخصصة أكل الدهر عليها و شرب، فيجب أن نواكب تطورات العصر و نشبع طموحات المتفرج و نلبي متطلباته لنعيده إلى قنوات جزائرية خالصة، انتظرها طويلا على أمل أن تبث زخما متنوع الرؤى و التوجهات، ما دام الحقل الإعلامي لا يزال خصبا، مؤكدا أن هذه القنوات ستسمح للخواص في إطار عقود شراكة من امتلاك ذات طابع إخباري، درامي، رياضي، فني و ما إلى ذلك، و هذا سيخلق منافسة فنية تأتي بثمارها في السنوات القليلة المقبلة خاصة إذا ما اعتمدت على كفاءات و أناس لديهم تجارب جديرة بالاهتمام و الدعم.

                           عبد النور شلوش

و في سياق متصل دعا ”شلوش” إلى ضرورة إقامة شراكة مع الأجانب و من لديهم تجارب رائدة في المجال كايطاليا، و غيرها من دول أوروبا الشرقية التي تمتلك و تتوفر على معاهد كبرى لتعليم السينما، كبولونيا مثلا و دول أخرى كالبوسنة و الهرسك، فالكثير من المختصين تتلمذوا و درسوا في المعاهد السوفياتية، و أضاف قائلا: ”حبذا لو تتعاون الجزائر معهم لتكوين محترفين خارج المدرسة الفرنسية التي غالبا ما تحاول طمس الهوية الجزائرية، ففرنسا إلى غاية يومنا هذا تمارس الأبوة على الجزائر، وبالتالي لكي نتفادى التأثير الاستعماري الفرنسي الحالي أو  بعبارة أخرى الاستعمار الثقافي فلابد من فتح باب آخر وأخذ مسارات جديدة في التكوين سواء في البلدان العربية أو بلدان أوروبا الشرقية، فالمهم من كل ذلك أن نستثمر في القطاع ما يخدمنا وما يخدم الإنتاج المحلي و في حال وجود قنوات متخصصة مثلا في الإنتاج السينمائي الوثائقي فذلك سيعزز من  الثقافة السينمائية، و سيغذي الرصيد السينمائي الجزائري و يعيد التواصل مع الشغوفين للفن السابع، و في الأخير دعا الفنان ”عبد النور شلوش” إلى ضرورة إنشاء قنوات متخصصة، باعتبار الجزائر متحف مفتوح على كل الجهات و الوجهات و صورة سينمائية متناسقة الألوان و الأبعاد يمكن أن تصدر صورة الجزائر للخارج بامتياز.

دعوة لرفع قيمة الإعانة للبرامج السينمائية و خصخصة جزئية للتلفزيون

يرى المخرج  ”لمين مرباح” رئيس جمعية المخرجين المحترفين سابقا أنه في حال إنهاء الاحتكار و فتح المجال للقطاع الخاص سيكون المخرج و المبدع الجزائري أمام وضع لا يحسد عليه في ظل غياب إنتاج وطني لشد شبكة البرامج، و لهذا اقترح مرباح خصخصة جزئية للتلفزيون الجزائري، في توليفة تضم فتح رأسمال القناتين الجزائرية الثالثة و ”الجيريان تي في” الناطقة باللغة الفرنسية، مع تمكين المشاهدين من الحصول على أسهم وحق التصويت في مجالس إدارة المؤسسات الجديدة التي تتولى إدارة هذه القنوات.
كما اقترح ”مرباح” أن نأخذ و نستفيد من تجارب الغير ما يصلح لنا في هذا الشأن قائلا : ” لقد أخذنا من فرنسا مجمل تشريعاتها وتنظيماتها وشكل بناء الدولة، ويمكن لنا أيضا الأخذ بتجربتها في تحرير السمعي البصري من خلال نموذج بيع قناة ”تي أف 1 لمجموعة ”بويغ” الخاصة في بداية الثمانينات، وتحتفظ الدولة بالملكية الحصرية للقناة الأرضية حسب المقترح، مع خصخصة جزئية للقناتين الثالثة والقناة التي تبث برامجها باللغة الفرنسية، وتحويل طبيعتها إلى شركات ذات أسهم وفق صيغة 49-51 بالمائة، مع تمكين الجمهور من الدخول بصيغة مساهم في الرأسمال بما يكفل له الدفاع عن المستهلكين والخدمة العمومية، إلى جانب منح هذه القنوات استقلالية في الخط الافتتاحي”.
كما يأمل ”مرباح” أن تتحقق أحلام العديد من المخرجين السينمائيين من جملتها أن تدعم هذه القنوات الخاصة أو المتخصصة مستقبلا الإنتاج السينمائي و تدفع به قدما من خلال ضمان عروض متتالية للمشاهد ما دام المخرج الجزائري لازال و رغم ما تواجهه من مشاكل وعراقيل و نقص للإمكانيات المادية ينتج و يعمل بمفرده فالدعم الذي يتلقاه لا يكفي، إلا أن ذلك لم ينقص من عزيمته و بإنشاء قنوات متخصصة يمكن لها أن تدعم بشكل أو بأخر الإنتاج السينمائي الجزائري.
و في الوقت ذاته و بالنظر إلى ما تعيشه الساحة الفنية و الثقافية أبدى ”لمين مرباح” عدم تفاؤله من الموضوع كثيرا، مستبعدا أن تشبع القنوات الخاصة و حتى إن كانت متخصصة رغبة الجمهور الجزائري لكل ما هو جزائري، وقد صرح مرباح بذلك بناءا على خبرته في المجال التي تفوق الثلاثين سنة، و أضاف قائلا : ” خبرتي في هذا المجال أكدت لي أن المهم ليس وسيلة البث بقدر ما يهم المضمون، مع علمي الكبير بأن عموم المتفرجين في الجزائر في شوق لرؤية صورتهم وثقافتهم، و الحديث عن المضمون الإعلامي مهم جدا و ما ستقدمه هذه القنوات الخاصة أو المتخصصة للمشاهد”، و ختم مخرج وثائقي ” االشيخ السنوسي” و ”إفريقيا من الظلمات إلى النور” حديثه بسؤال و اتبعه بإشكال قد يحسن الكثير الإجابة عنه مستقبلا و هو :” هل يمكن لهذه القنوات أن تكون منتجة أم أنها مجرد محطات بث؟ و الإشكال الحقيقي هو كيف تكون موجودا على الخريطة الإعلامية العالمية مقارنة بالتواجد المميز للسينما الجزائرية في أكبر المحافل و المهرجانات العالمية”.
و المطالب التي يرفعها اليوم المخرج ”لمين مرباح” تبقى نفسها، فقد سبق و أن طالب أيام توليه رئاسة جمعية المخرجين السينمائي المحترفين خلال عقد اجتماع عمل، طالب وزارة الثقافة برفع قيمة الإعانة للبرامج السينمائية في إطار صندوق الدعم المنصب على مستوى الوزارة الوصية، و كان المطلب الثاني حينها موجه للتلفزيون الجزائري و القاضي ببرمجة أفلام جزائرية ليكون التلفزيون طرفا في الصناعة السينمائية المحلية.

مرحلة التطبيق ستضمن الارتقاء بالسينما الجزائرية

يرى المخرج السينمائي

                          رابح لعراجي

أن فتح قطاع السمعي البصري إذا ما توفرت إرادة أصحاب المال سيحقق للسينمائيين الجانبين الإبداعي و التجاري معا، لكن يجب الانتقال اليوم من مرحلة الحديث عن مشروع فتح القطاع للمهنيين إلى مرحلة تجسيد و تطبيق ذلك المشروع ميدانيا.
و حسب ”لعراجي” مخرج وثائقي ”محمد راسم الجزائري” و ”تلمسان الشجرة الطيبة” فان الحاجة اليوم تزداد لفتح القطاع للمثقفين و المبدعين و السينمائيين على وجه الخصوص، لأنه لا يمكن لأصحاب الأفكار أن يحققوا إبداعاتهم دون دعم أصحاب المال و رجال الأعمال القادرين على التكفل بتلك المشاريع الفنية و تمويلها، بحيث يتحول القطاع إلى مصدر جديد للاستثمار، و أضاف لعراجي قائلا : ” أظن أنه في حال تحقق المشروع على أرض الوقع سيسمح للسينمائيين كمخرجين، أو ممثلين و حتى منتجين من استغلال الفرصة لتقديم أعمال ترقى إلى مستوى الاحترافية لأن السينما الجزائرية لها تاريخ وماض مشرف و يمكن لذلك أن يعيد بريق السينما الجزائرية التي قد تجد بدل المتنفس الواحد العديد من المتنفسات، سواء بتمويل هذه القنوات لانتاجاتها أو تبنيها لها بعروض دورية أمام جمهور عريض، فعلى الأقل سيجد المخرج مكان و مساحة يعرض فيها أفلامه، ما دام مشكل قاعات السينما لم يجد حلا بعد، و ما يدفعنا لقول هذا هو أن التجربة أتت ثمارها في العديد من الدول”.

نريد قنوات تفتح من الداخل و بشروط تخضع للقانون الجزائري

”على قدر حاجتنا لفتح القطاع و زيادة فرص الاستثمار السينمائي، على قدر تخوفنا من هذه الخطوات”، من خلال هذه العبارة يبدو تخوف ”ياسين العلوي” منتج فيلم ”مسخرة ” من الموضوع، ففي تدخله قال العلوي ”لحد الساعة لا نعرف إلى أين نتجه في هذا المجال، نحن اليوم بحاجة لفتح القطاع لكن لا نزال في بداية الطريق و هذا ليس أمرا سهلا و لا هينا، فلحد الآن لم تصدر النصوص التي تنظم سير العمل، و السؤال المطروح هنا إلى أين نتجه اليوم ؟؟؟ فنحن لا نريد قنوات تفتح بأموال مستثمرين تبث من الخارج، بل نحن بحاجة إلى قنوات تفتح من الجزائر و بشروط تخضع للقانون الجزائري لتحدد فيما بعد الإطار الذي تعمل ضمنه.

                            ياسين العلوي

و استحضر العلوي بعض الأمثلة الناجحة، قائلا :” في بعض دول المغرب العربي القنوات مجبرة على بث نسبة مئوية من البرامج من الإنتاج الوطني، و هذا أمر لا نجده في الجزائر، بل حتى المؤسسة العمومية للتلفزيون لا تقدم هذه الخدمة، و الحديث عن فتح القطاع لا يستقيم دون العودة إلى طرح واقع الإعلام الجزائري، فلو التزم التلفزيون العمومي ببث على الأقل 20 بالمائة من الإنتاج الوطني لكان الوضع أحسن اليوم، و متأكد بأن جيل من المخرجين و الفنانين و المبدعين سيبرزون في كل مجالات الإبداع بما فيها الحقل السينمائي، فاليوم هناك طاقات كبيرة تتخرج من مدرسة المسرح و تلج بخطى ثابتة و تسجل حضورا مميزا في السينما، إذن لابد أن ننطلق من كل هنا، ليأتي فيما بعد الحديث عن فتح مجال السمعي البصري، فالمهم ليس أن يكون لدينا عدد كبير من القنوات بل أن تتولى كل قناة الدور المنوط بها و أن تلبي أذواق جمهورها المتخصص و أن يدعم أصحابها و القائمين عليها كل أشكال و ألوان الفن و الابتداع، كسينمائيين مستعدين لإثراء المكتبة السينمائية، فلو كانت الانطلاقة صحيحة يمكن أن نأخذ السينما الجزائرية و الفن إلى بر الأمان، فهذه الإصلاحات في حال جسدت ميدانيا ستخدم  القطاع السمعي البصري و الانطلاقة الصحيحة له ستؤدي إلى تطوير المشهد السينمائي الجزائري.

سينمائيو الجزائر في الخدمة للارتقاء بالفعل السينمائي

أكد مخرج وثائقي سينمائيو الحرية ”سعيد مهداوي” أن فتح القطاع السمعي البصري أمام الخواص لا بد أن يخدم بشكل أو بأخر المشهد و الصورة السينمائية لكن بصبغة جزائرية، و ليس بالشكل الذي يريده الأخر قائلا : ”ما أحوج الجزائريين لرؤية صورتهم في ظل التواجد الرهيب للفضائيات و الانتشار الواسع للقنوات العربية و الأجنبية، التي انتقلت من العموميات إلى التخصص و هي خطوة نتمنى أن نصل إليها يوما ما، فالجزائري لا يرى في القنوات الأجنبية بما فيها الفضائيات العربية صورته التي يريدها، و بالتالي هذه تجربة جديدة في الجزائر نتمنى أن تكون مثمرة، فأصحاب القنوات الخاصة سيقدمون برامج متنوعة و من بعد بالضرورة ستبحث هذه القنوات عن النوعية و تتجه التخصص و هنا يمكن للمخرج الجزائري أن يبرز و يقدم ما لديه من انتاجات تلبي رغبة الفرد الجزائري ببصمة محلية، و النوعية هنا لن تأتي إلا بتكاثف الجهود و بفضل الكفاءات، فالفيلم لكي يكون ناجحا لا بد أن يتوفر فيه فريق عمل متكامل من تقنيين و فنيين …، لكن ما هو أكيد أن المنافسة بين القنوات ستنعش الإنتاج السينمائي وفقا لمنهجيتها.

                                                سعيد مهداوي

كما أكد مهداوي الذي أنجز مؤخرا وثائقيا بعنوان ”تلمسان معالم و ميراث” أنه يضع خبرته لكل من ينوي الاستثمار في الجانب السينمائي، مبديا استعداده لتقديم ما يمكنه تحت غطاء هذه القنوات الخاصة التي من شأنها أن تساعد على تطوير الإنتاج و في هذا الصدد قال سعيد مهداوي: ”أن كل ذلك لا يكفي فالأمر يستدعي تحالف الشركاء فان كان تعدد هذه القنوات يصب في هذا الإطار و التوجه، سيأتي حتما بالجديد للصورة الجزائرية التي تنتج من طاقم جزائري لتصل إلى المشاهد الجزائري و إلى أبعد نقطة في العالم، إذن لا بد لنا أن ننطلق من المحلية لنصل إلى العالمية.
و في الختام دعا ”سعيد مهداوي” الحكومة و الدولة الجزائرية للقيام بدورها لتنظيم عمل هذه القنوات، فهذه الأخيرة بإمكانها المساهمة و إلى حد كبير في حل مشكل التسويق الذي يعتبر من المشاكل التي تتخبط فيها السينما الجزائرية.


إعلان