التجريد في السينما، تقاطعات
رافائيل باسان
ترجمة : صلاح سرميني
نُشرت هذه الدراسة في كراسةٍ بمُناسبة برنامج بعنوان “سينما تجريدية مُعاصرة : بطاقة بيضاء، رافائيل باسان”، تمّ تقديمه في واحدةٍ من الصالات الباريسية المُخصّصة للفنّ، والتجربة (La Clef) بتاريخ 30 مايو 2007، في إطار العروض الشهرية التي تُنظمّها تعاونية “جماعة السينما الشابة” (كانت وقتذاك بإدارة السينمائي “ستيفان مارتي”).
“رافائيل باسان”، صحفيٌّ، سينمائيٌّ، ومؤسّسٌ مُشاركٌ للتعاونية التي حلّت في عام 1971 مكان المؤسّسة التي أنشأها الراحل “مارسيل مازيه” قبل عام.
منذ ذلك الوقت، كتب، ونشر مقالاتٍ لا تُحصى، وحواراتٍ، ونصوصاً نظرية في عددٍ من المجلات المُتخصصة بهدف التعريف، والترويج، والتشجيع على مشاهدة السينما التجريبية.
مقدمة عام 2007
في فبراير من عام 2005، نشرت مجلة Zeuxis في العدد رقم 17(كانت وقتذاك فصلية)، حواراً أجرته معي رئيسة التحرير “جيزيل بريتو سكيرا” حول أنماط السينما التجريبية، وفيما بعد، إقترحت عليّ التعاون المُنتظم مع مجلتها بإنشاء زاوية للحديث عن “الأنواعٍ”، أو التصنيفات المُتنوعة للسينما التجريبية، وقتذاك، توقف إختيارنا المبدئيّ عند العلاقات بين السينما، والتجريد، الموضوع بالنسبة لي واسعٌ جداً، ولهذا كتبتُ دراسةً مختصرةً بعنوان (من التجريد)، وفيها تتقاطع الذاتية، والفرضيات التأملية تدريجياً كلما إقتربنا من المشهد المُعاصر.
في الحقيقة، إذا كانت البدايات (التجريد التخطيطيّ الألماني، والسينما الفرنسية الصافية في العشرينيّات) دخلت صفحات التاريخ، ولا يمكن الإشارة إليها إلاّ بطريقةٍ تربوية، فإنّ الأشياء تتنوّع، وتتعقد عندما نقترب من الحاضر، وهكذا، فقد ربطتُ السينما البنيوية مع هذه الإشكالية قياساً بالمُبادرات التي أنجزها سينمائيون )سنو، شاريتز) مع المُكوّنات العضوية للسينما نفسها (اللقطة، العرض المُتواصل لشريطٍ ما ـ Boucle/Loop ـ، الإعادة،…) بهدف إحداث معادلاتٍ سينمائية/تشكيلية مع ما يمكن أن يكون قضية التجريد عند بعض الرسامين في العشرية الأولى، والثانية من القرن التاسع عشر (ماليفتش، وموندريان).
في الستينيّات، لم نعدّ بالأحرى في حالة بحثٍ عن إنسجاماتٍ إيقاعية بين الصورة التخطيطية (أو المرسومة على الشريط الحساس) والصوت، كما الحال عند “أوسكار فيشينغر”، أو “لين لاي” اللذان كانا يبحثان مثل من سبقهما “برونو كورا”، و”أرنالدو جينا” على خلق إيقاعاتٍ ملونة، ولكن، في إكتشافٍ معجميّ، وشكليّ ينطلقان من عوامل فيلمية خالصة.
الجزء الثاني من هذه الكراسة بحثيّ تماماً، والسينمائيون الفرنسيون الخمسة الذين يشكلونه لم يجتمعوا سابقاً في دراسةٍ واحدة، ويجب التأكيد، بأنّ التجريد بحدّ ذاته لم يكن شاغلهم الوحيد، وحتى عند “كريستيان لوبرا” المعنيّ مباشرةً بهذا الموضوع، يتعلق الأمر بملاحظة، إنطلاقاً من ممارساتٍ متنوعة، المكانة المُتعددة الأشكال التي يشغلها هذا المفهوم في الإبداع المعاصر:

السينما المُبرمجة عند “هوغو فيرلاند”.
العودة ـ الضمنية على الأرجح ـ عند “دومنيك لانغ” إلى سينما صافية، وجديدة ناتجة كما الحال عند “جيرمين دولاك”، و”هنري شوميت” بتضبيب أشكال الصور المُؤفلمة.
التهجين بين سينما الجسد، والتجريد عند “فيليب كوت”
التقاطعات بين الذكريات الفيلمية، والتجريد عند “بيب شودروف”.
في بداية عام 2006 أصبحت مجلة Zeuxisشهرية، بعد تقليص صفحاتها، وقد ظهرت دراستي في أربعة أجزاء متتالية خلال الفترة من أبريل، وحتى يونيو من تلك السنة، وبإعادة نشرها في كراسة منفصلة، فإنني أمنحها وحدتها، وفي نفس الوقت، أؤكد على حقيقةٍ، بأنه لم يعدّ الأمر يتعلق بالتساؤل عن الفكرة التاريخيّة للتجريد، وبعض نتائجها (كان بإمكاني إضافة دزينة من سينمائييّن آخرين، فرنسييّن، أو أجانب معاصرين) ولكن، بالأحرى، إقتراح دراسةً نظريةً حول هذا الموضوع، وأنتهزُ هذه الفرصة أيضاً من إعادة النشر من أجل تعميق الدراسة أكثر، وإضافة بعض الوقائع، والأفكار التي تلمس بشكلٍّ خاصّ إنجازات الروّاد التي لم تتوقف عن الثراء، والتجديد.
وبهدف التأكيد على خصوصية السينمائيين الفرنسيين الخمسة، فقد إخترتُ من أجل ثلاثة منهم (هوغو فيرلاند، فيليب كوت، ودومنيك لانغ) حواراتِ نُشرت على صفحات مجلةBREF في سياقاتٍ مختلفة لا تختصّ بشكلٍ خاصّ بالتجريد، من ناحيةٍ أخرى، بالنسبة لـ “كريستيان لوبرا” (الذي يفتتحُ الجزء الثاني)، و”بيب شودروف” (الذي يختتمها) فقد أنجزتُ معهما حواراتٍ حصرية، تمحورت التساؤلات فيها حول التجريد تحديداً.
أتمنى من هذه النظرة العامة، والمُوجزة عن العلاقات بين التجريد، والسينما، بأن تُمّهد لظهور بحوثاً أخرى في هذا المجال الواسع جداً.
رافائيل باسان ـ يناير 2007 .
هامش (المُؤلف): الحصرية ليست هي الغاية الأساسية من هذه الدراسة، حيث هناك أسماء كبرى لم تظهر فيها، مثل جوزيه أنطونيو سيستياغا، بيتر ستامبفلي، بيير روفير، دومنيك ويلوغبي، غي فيهمان، إلخ، وهؤلاء أنجزوا أعمالاً مثيرةً للإهتمام حول (أو بدءاً) من التجريد .
وبطريقةٍ، أو بأخرى، هناك سينمائيون صادفوا في بحوثهم إشكاليات التجريد، مثل : يان بوفيه، روز لاودر، باتريس كيرشهوفر، فريدريك دوفو، سيسيل فونتين، مارسيل تيراش،….
ومن الجيل الجديد، يمكن أيضاً إضافة بعض أسماء تشهد، أحياناً، أو بإستمرار، على هذا الغزل الطويل بين التجريد، والسينما، مثل : أوغوستان جيمه، إيمانويل لوفران، إيف بيليسييه، يانيك كوللر، نيكولا بيرتولو، جوهانا فود، كارول ارسيغا، سباستيان كرو، فردريك اوبرلاند، تيبو والتر، …
هوامش المُترجم :
Raphaël Bassan
وُلد “رافائيل باسان” عام 1948 في بلغاريا، وهو مخرجٌ، وناقدٌ سينمائيٌّ فرنسيّ، متخصصٌ في السينما التجريبية.
في البداية، توجهت إهتماماته نحو مسيرة أدبية، حيث أصدر مع “هوبير حداد” عام 1970 مجلة متخصصة بالشعر (Point d’être)، بينما أخرج أول أفلامه القصيرة في عام 1969.
“جان بول بورر”، وكان واحداً من أعضاء المجلة الشعرية، إستعاد ذكريات تلك السنوات في صفحات سيرته الذاتية (محاربو الحلم)، وأشار إلى “رافائيل باسان” بصفته شاعراً، وسينمائياً.
منذ ذلك الحين، بدأ “رافائيل باسان” يكرسّ نشاطه للكتابة عن السينما بشكلٍ عام، والتجريبية خاصةً، تلك التي كان يتجاهلها معظم زملائه، وكتب مقالاته السينمائية في صحفٍ، ومجلاتٍ متعددة، وأصبح صحفياً محترفاً.
من جهةٍ أخرى، يعتبر واحداً من المجموعة التي أسّست في عام 1971 تعاونية التوزيع المُستقلة المُسمّاة “جماعة السينما الشابة” التي تُواصل نشاطها حتى اليوم.
خلال الفترة 2000-2010 تعاون “رافائيل باسان” كناقد سينمائي مع مجلاتٍ أخرى، ومواقع فرنسية، وأوسترالية متخصصة، وشارك في تحرير بعض المقالات في “الأنسكلوبيديا العالمية”(من موقع ويكيبيديا).
La Clef

الكلمة تعني (المفتاح)، وهي واحدةٌ من الصالات المُستقلة، والمُصنفة رسمياً لعرض أفلام الفنّ، والتجربة في فرنسا، تقع في الدائرة الباريسية الخامسة، تمّ إفتتاحها في سبتمبر عام 1990عن طريق “سانفي بانو” بهدف ترويج الأفلام الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، أغلقت الصالة أبوابها في يونيو 2009 بعد عام من التوقف عن العروض، وأعيد إفتتاحها في نهاية سبتمبر عام 2010 مع توجهاتٍ جديدة نحو سينمات العالم، والأفلام المُلتزمة”(من موقع ويكيبيديا).
Zeuxis
“مجلة الفيلم حول الفنّ”، تجمع بين تاريخ الفنّ، والسينما، وفيها نجد مقالاتٍ عن السينما (روائية، تسجيلية، وتجريبية)، الرسم، الموسيقى، الرقص، والأدب، ويصدر منها عشرة أعدادٍ في العام (من موقع المجلة).
BREF
الكلمة تعني (بإختصار، مختصر، موجز، وجيز)، وهي مجلةٌ سينمائيةٌ مخصصة حصراً للأفلام القصيرة، صدرت في عام 1989 عن طريق “وكالة الفيلم القصير”، وكانت مهمتها ترويج، وتشجيع، ونشر الفيلم القصير في فرنسا، وتُعتبر المجلة الوحيدة في العالم المُخصصة للفيلم القصير ما تزال تصدر حتى اليوم، وهي تتوّجه إلى كلّ عشاق السينما الفضولييّن لإكتشاف جانباً سينمائياً لا تتحكم فيه قوانين التجارة، وإيقاع خروج الأفلام الطويلة في الصالات الفرنسية، هي أيضاً أداة معلوماتٍ، وتفكير موجهة إلى من يصنع الأفلام القصيرة، وأولئك الذين يعرضونها”(من موقع ويكيبيديا).