مهاجرون هنود يشاركون في “ثورة بوليوود”
محمد موسى
يقارب الفيلم التسجيلي ” ثورة بوليوود ” للمخرج الهولندي الأكسندر أوي والذي عرض مؤخرا في مهرجان الفيلم الهولندي، موضوعة سينما بوليوود الهندية الحديثة، وخاصة من جهة علاقة هنود مهاجرين مع سينما بلدهم الشهيرة، وكيف ساهمت تلك العلاقة في دفع عجلات تطوير تلك السينما. وإذا كان الشق المالي من تلك العلاقة معروف لكثيرين، فالهنود (والآسيويين بشكل عام) في بريطانيا مثلا، ساهموا بشكل كبير في إطلاق العروض التجارية للأفلام الهندية في الصالات السينمائية البريطانية قبل أعوام عديدة، في ظاهرة تحولت الى تقليد متواصل لليوم، إلا إن تاثير هنود مهاجرون على التطور الفني والتقني وطبيعة القصص المقدمة في أفلام بووليود يعد من الموضوعات الحديثة، والتي أصبح بالإمكان الحديث عنها اليوم، بسبب أفلام بوليوودية عرضت في الأعوام الأربع الأخيرة، تعاملت بجدية كبيرة مع المحظور الإجتماعي الهندي، والذي بقى بعيدا كثيرا عن الخط الترفيهي المحافظ العام للسينما الهندية الشعبية.

تلخص المخرجة الهندية راشي ناريان في حديثها للفيلم التسجيلي، طبيعة العلاقة بين السينما التي يقدمها زملائها ومهاجري بلدها حول العالم، وخاصة في الدول الغربية، بأنها كانت محفزة كثيرا لتطور السينما الهندية التجارية في السنوات العشر الاخيرة، حيث إن “بوليوود” حاولت مجاراة التطورات التقنية للسينما الغربية، لكي تحظى بفرص عرض تجاري لأفلامها في اوربا والولايات المتحدة الأمريكية، وإن منتجي تلك السينما إستمعوا إلى آراء هنود شباب يعيشون في الخارج، أعربوا في مناسبات عديدة بأن سينما بلدهم يجب أن تتطور تقنيا على الأقل، حتى تضمن التنافس على حصة من السوق التجارية هناك، فالولاء وحده لسينما البلد البعيد لن تكون كافية أبدا لبيع تذاكر صالات سينمائية لسنة تلو الآخرى، كما إن دخول “بوليوود” إلى المشهد الفني الاوربي، دفعها لولوج مناطق جديدة من جهة القصص المقدمة في الأفلام، لتتمكن من شد إنتباه جمهور من الشباب الاسيوي يعيش في الخارج، يتواصل بدوره بحرية وبطرق مختلفة مع محيطه الاجتماعي المتنوع. فقدمت بوليوود في السنوات الآخيرة أفلام بثيمات معاصرة، كتسلط الاباء الهنود وفرضهم التخصص العلمي لابنائهم، كما إن المثلية الجنسية والفساد الحكومي دخلتا ولاول مرة الى موضوعات السينما الهندية، عاكسة في الثانية النقاش الإجتماعي المثير في الهند في العامين الاخرين، كما كانت أفلام المثلية الجنسية صدى لحركة إجتماعية هي الآخرى، وصلت الى ذورتها في عام 2010 عندما أصدر البرلمان الهندي قرارا تاريخيا أخرج المثلية الجنسية من قائمة الجرائم.
تخلي سينما بوليوود عن “برائتها” في السنوات الأخيرة، لم يعجب كثير من الهنود المهاجرين وبالتحديد من أبناء الجيل الأول، وكما بينت المقابلات التي قدمها الفيلم التسجيلي الهولندي، فصورة الهند لهؤلاء تتداخل مع تلك التي قدمتها “بوليوود” على طوال الخمسين عاما الماضية، فالحياة البسيطة والنهايات السعيدة لأغلب أفلام بوليوود حلت أحيانا بدل الذكريات الحقيقية لمهاجرين عن بلدهم وحياتهم. هؤلاء الذين مازالوا يتجمعون مع عوائلهم في بلدانهم الجديدة، وكما يظهروا في فيلم ” ثورة بوليوود “، لمشاهدة أفلام هندية تحفل بالدراما والشقاء والسعادة.
يسافر الفيلم التسجيلي إلى مناطق مختلفة في هولندا، بريطانيا، الهند وجزيرة سورينام، لمقابلة هنود مهاجرين، سيتحدثون عن علاقتهم بسينما بلدهم والتغييرات التي تمر بها، والتي أطلق عليها الفيلم بالثورة، فمن هولندا تكشف شابة هندية بأن سينما بوليوود مازالت تجمع العائلة كلها في تقليد يسعى الجميع للمحافظة عليه، خاصة وسط حياة سريعة لا توفر كثير من الزمن للعائلة. الفتاة ذاتها أشادت بدور أفلام هندية بإطلاق نقاشات في الهند وخارجها بتقديمها لموضوعات معقدة ومحرمة، رغم إنها لا تفضل مشاهدة فيلم بثيمات صعبة مع الأهل، فهي لا تريد أن تفسد هذه الترفيه البريء الذي تقدمه “بوليوود”. عائلة اخرى من بريطانيا، تحدثت عن الفيلم الهندي “3 أغبياء” والذي عرض عام 2009، و حقق ضجة كبيرة في الهند وبريطانيا بسبب نقده لتقاليد إختيار آباء عديدين لمسار أبنائهم التعليمي. إحدى البريطانيات من إصول هندية، وصفت الفيلم بأنه ساعد كثيرا بتقبل أن تقوم ابنتها، بإختيار الموسيقى كعمل بدل الطب (مهنة الأم والاب). أم هندية من سورينام، تحدثت عن فيلم هندي آخر ( نجوم على الارض، 2007)، ركز بواقعية غير معتادة في السينما الهندية التجارية، على موضوعة الاطفال الذين يعانون من مصاعب في التعلم، وهي المشكلة التي تعاني منها الإم نفسها ( أحد أولادها يعاني مشكلة التوحد وصعوبة التعلم). تصف الام تلك، كيف ساعدها الفيلم بالتقرب أكثر من سينما بلدها الأم، لان الأخيرة أولت اهتماما بتفصيلة إنسانية حقيقية.

يذهب المخرج إلى الهند أيضا، لينجز من هناك مقابلات عديدة، بعضها مع مخرجين ومنتجين وأيضا مع هنود عاديين قادمين من طبقات اجتماعية مختلفة. أجمع الجميع في تلك المقابلات على التغيير البطيء الذي تمر به صناعة السينما الأكبر في العالم. لكنه هذا التغيير الذي يتحدث عنه الفيلم يخص فقط الموضوعات المقدمة، من جهة تفاعلها مع ما يجري في الهند والعالم حولها، بدل، وكما كان يحدث في الماضي، بغرقها الكامل في التنميط والأطر والمسارات الثابتة المعروفة التي تميز سينما بوليوود. فالأخيرة مازالت لم تقطع اي خطوة كبيرة حقا في “تثوير” مفاهيمها السينمائية، كالبحث عن لغة سينمائية خاصة او تقديم شخصيات حقيقية لا تمر بغرفة “المكياج” الكبيرة لسينما بوليوود، لتخرج منها بسمات متشابه لا تحيد عنها، ولم تتغير إلا قليلا جدا في الخمسين عاما الماضية. فالموعظة الأخلاقية المحافظة مازالت تشكل عماد بنية سينما بوليوود، ولم تقترب هذه السينما أبدا من عالم الشخصيات المعقدة او الواقعية. المفارقة إن الفيلم التسجيلي الهولندي قدم مشاهد لأحد أحياء الصفيح في الهند. المشاهد تلك جاءت وسط إستعادات لأفلام بوليوودية من السنوات الأخيرة، فبدت في البداية وكأنها جزء من تلك الإستعادات، قبل أن يفصح الفيلم بأنها جزء من نسيجه. تلك المشاهد التسجيلية بسكونها وتركزيها على العادي من الحياة اليومية لحي هندي وهنود على هامش الحياة، بدت أكثر قيمة من معظم نتاجات سينما بوليوود، حتى تلك الحديثة الأنتاج من تلك السينما، والتي شكلت إنعطافة نوعية لسينما الترفيه الأولى في العالم.