انهضوا كالأسود : عام على حركة احتلوا “وول ستريت “

طاهر علوان
“هي حركة غير منظمة في شكلها ، لسنا بحاجة الى نظام لكي نكون ، لأن المشكلة قائمة والجميع تقريبا توصلوا الى قناعة ان لافائدة ، الناس يئست ، بذلوا حياتهم ودرسوا وتخرجوا من الجامعات فوجدوا لانتيجة ومجرد مشاكل متراكمة ، انهم يريدون اعادة بناء النظام الديموقراطي والحقوق ، الناس لديهم الأرادة والصوت ولكن القرار ليس بأيدبهم بل في ايدي الأثرياء واصحاب القرار في وول ستريت “.
ديفيد جرابر :عالم انثروبولوجي من مؤسسي حركة احتلوا وول ستريت.
…………….
 O.S.W  ثلاثة حروف تختصر اسم هذه الحركة ذائعة الصيت التي صار لها زخما في اوساط منظمات المجتمع المدني والحقوقيين والتيارات التقدمية والأحزاب اليسارية والمناهضون للعولمة وحركات الحفاظ على البيئة ومقاومة الحروب ، هذه الحركة التي شكلت الصدى للصوت القادم من الشرق الأوسط والعالم العربي باعتراف مؤسسيها ومنظميها ، انهم استلهموا حركتهم من ساحات التحرير والتغيير في العالم العربي بأسقاط الأنظمة العربية الواحد بعد الآخر من خلال الأعتصامات والتظاهر السلمي المليوني الذي زلزل العروش وكراسي الحكام ثم صرنا في العالم العربي الى ماصرنا اليه فيما يعرف بربيع الثورات العربية .

وهنا ليس مستغربا عندما تطرح اشكالية الفيلم الوثائقي السياسي ان نلحظ هذا الأدماج بين وظيفة الفيلم الوثائقي على مادرج عليه من عناصر ومميزات ومدارس واتجاهات واساليب  تعبيرية وبين الخوض في اشكاليات وموضوعات محددة بما يحول الفيلم الى اداة اخبارية تقدم للآخر صورة ماجرى ويجري من احداث وتحولات .ولعل هذه الخلاصة المهمة لأشكالية الفيلم الوثائقي السياسي هي التي طبعت مسيرة حافلة في مسيرة هذه السينما البديلة ذات الصوت العالي الذي يتماهى ويتفاعل مع مساحة واسعة من المتلقين .هذه الأشكالية يؤكدها العديد من الباحثين في هذا الحقل في تأكيد قوة وفاعلية الوثيقة الفيلمية في ضخ حقائق الحدث السياسي / الأجتماعي وذلك ما يرصده فيلم “انهضوا كالأسود ” للمخرج سكوت نوبل الذي يرصد ابعاد وخلفيات حركة  احتلوا وول ستريت وجذورها وامتداداتها في المجتمع الأمريكي مستندا الى كم كبير من المقابلات والوثائق التي تسلط الضوء على هذه الظاهرة الفريدة في حياة المجتمع الأمريكي الخاضع في غالبيته الى سياسة تشكيل العقول التي تصنعها “الميديا” الأمريكية الجبارة ، هذه الأمبراطورية الأعلامية التي تشكل العقول وتؤثر في السلوك في مجتمع الثروة والتوسع الأمبراطوري على كل بقاع الأرض تقريبا .
يتابع الفيلم البدايات الأولى للحركة من خلال سعي مؤسسيها الى حشد مجموعة من المتظاهرين للذهاب الى وول ستريت للتعبير عن سخطهم على سياسات العولمة ومايشكله وول ستريت من حاكم وناظم لحركة الرأسمال العالمي وحيث تستقر الشركات المالية العملاقة. كانت الغاية في البداية هي جلب 2000 شخص واذا الحركة تستقطب عشرة اضعاف هذا الرقم لتنطلق يوم السابع عشر من ايلول سبتمبر من العام الماضي وتتسع وتنتشر في عموم الولايات الأمريكية .
يرصد الفيلم الأيديولاوجيا المحركة لعدد من الناشطين فهم يجمعون تقريبا على  حق التظاهر ضد الظاهرة الأمبراطورية او الأمبريالية الجديدة  من خلال وجود اكثر من 700 قاعدة عسكرية امريكية في كل انحاء العالم وتحديدا في 35 بلدا وادانة مقتل اكثر من 5000 جندي امريكي في حرب العراق في مقابل قتل اكثر من مليون عراقي وتتنامى خلال ذلك صرخات الشجب  لسياسة دعم العديد من الأنظمة الدكتاتورية في انحاء العالم تلك التي تستجيب للأرادة الأمريكية.
اضخم التظاهرات منذ حرب فيتنام يرصدها الفيلم مستعينا بصور التقطها الناشطون لفعالياتهم لتستمر التظاهرات والأعتصامات حتى مطلع شهر نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي ليبدأ فصل جديد من تلك الدراما من خلال المواجهات الشرسة للسلطات التي شرعت باخلاء اماكن التظاهر ومنع المتظاهرين بالقوة .
ناشطون مثل : ليسا فسثين ، نيليني ستامب ، ياندرا نورس ، ريشتارد وولف ، كريس هيدجز ، جيمس لاجريس ، الممثل داني كلوفر وغيرهم هم واجهة قيادة هذه الحركة وهم يعلنون تصميمهم : لا لن نتوقف .

انهم يقفون وقفة جدية راصدة لساحات التغيير والتحرير العربية ولذلك استقطبوا ناشطين ومتظاهرين من تونس ومصر واسبانيا وغيرها ليشكلوا تجمعا عالميا تلتقي فيه الأرادات والتطلعات للتغيير.
يقول “جيمس لاجريس ” : اننا لانريد ان نفني اعمارنا حتى الموت ثم نكتشف في النهاية اننا مازلنا مدينين للبنوك ، لأولئك السادة الجالسين في وول ستريت ولاس فيجاس”.
واما المؤلف كريس هيدجز فيذهب الى القول :” ان النظام الأناني الذي يركض وراء الأرباح وترسيخ النظام المركزي والمركزية في كل شيء هو الذي انتج ظاهرة الجنون في جني الأرباح الطائلة والفوائد وحيث لاتوجد قوانين في وول ستريت توقف هذا الشره وهم يلعبون كل الألعاب واساليب الخداع للوصول الى اهدافهم ليروج لهم الأعلام وعلينا ان نصدق ونرضى الى الأبد… وهذا مستحيل “.
وفي كل الأحوال يلتقي هؤلاء الناشطون عند حقيقة تمنحهم الشرعية والحق في التظاهر واستخدام اساليب الرفض الجماعي وخلاصتها ان الديموقراطية الأمريكية ذاتها هي التي تكفل هذه الحقوق فقد اتاحت للأنسان الحرية في التغبير فيما سلبته حقه في اتخاذ القرار وخاصة فيما يتعلق بنمط عيشه.
ولتأكيد تفاعل حركة احتلوا وول ستريت مع ناشطي الربيع العربي فهاهي “اسماء محفظ” المدونة والناشطة الفاعلة  في مظاهرات واعتصامات ميدان التحرير التي افظت الى اسقاط الرئيس المصري السابق ، هاهي تنظم الى حركة احتلوا وول ستريت وتتظاهر مع المتظاهرين وتشرح لهم ابعاد الثورة المصرية ودور الناشطين وشباب الثورة في انطلاقها .
يقدم الفيلم حقائق واحصائيات يحرص الناشطون على نشرها خلاصتها ان مالايزيد عن 140 الف شخص فقط هم الذين يمتلكون المال والسلطة وهم لايشكلون اكثر من 1%  ولهذا اطلق هؤلاء الناشطون شعار ” نحن 99% ” حتى صار ايقونة وعلامة دالة عليهم في تمردهم على الهيمنة الرأسمالية للأقلية على حساب الأكثرية التي تعد بمئات الملايين من البشر الذين تتحكم بهم وبمستقبل حياتهم وحياة اسرهم مجموعة ال 1%.
وبعد ان يجد الناشطون انفسهم في مواجهة شرسة مع اجهزة الشرطة والأمن فأنهم يخاطبون عمدة مدينة نيويورك الحالي “مايكل بلومبرج” قائلين :” ثروتك ايها العمدة تزيد على 16 مليار دولار وانت واحد من اثرى اثرياء الولايات المتحدة ولهذا لانستغرب عدم اكتراثك بأصواتنا ولا اصوات المضطهدين والفقراء في انحاء العالم”.
في البدء يؤشر الفيلم في متابعة مجريات ظهور الحركة انها لم تكن غير حركة احتجاجية بسيطة من الممكن ان تستغرق يوما او يومين ثم يعود الكل الى منازلهم ولكن غير المتوقع هو ان تتسع هذه الحركة لينزل الى ساحتها عشرات الألوف ثم تشكل لها قيادات في العديد من المدن الأمريكية لكي تنتظم في تظاهرات مماثلة وعندها فقط يقرع ناقوس الخطر وتبدأ حملة المطاردة وتكميم الأفواه على اساس ان هذه الحركة بدأت تهدد الحياة اليومية والسلم الأهلي وقد تتطور الى ماهو اكثر من ذلك وهو مااعلنه صراحة السيناتور عن ولاية فيرجينيا “ايريك كانتو” معربا عن قلقه الكبير من تنامي هذه الحركة ويظهر الفيلم شراسة شرطة نيويورك وغيرها في التصدي للناشطين والمتظاهرين بالعصي والهروات وتكبيل الأيدي والأحتجاز في مشاهد دراماتيكية لم تزدالمتظاهرين الا اصرارا على تفعيل ادوارهم .

يظهر الفيلم الممثل الكبير دوني كلوفر احد قياديي حركة “احتلوا ولاية اوكلاند” ، هو يخطب في جمهوره الواسع قائلا ان 80 % هم من المهمشين في امريكا ، هم بلا ارادة وليسوا بصانعي قرار ، ماذا نريد ؟ ، نريد التعليم وان نعامل كبشر ، وماذا يعني ان تكون انسانا ، معناه ان تكون ثائرا وتواجه التحدي الكبير ، والسؤال هو الى متى يستمر نمو الثروة وتضخمها في مقابل نمو الهامش وتضخمه في مجتمع لايكترث لصراخ احد ؟يجب ان نمتلك الأرادة وقبول التحدي من اجل مستقبل ابنائنا وحقنا في حياة افضل “..
صرخة من بين صرخات يسمع صداها هنا وهناك ولكنها تذكي في الناشطين نزعة الحياة وقوة الأستمرار والأرادة المتسمرة بالرغم من المظايقات الشرسة التي يتعرضون لها الا انهم لايظهرون في كلماتهم غير الأصرار على الأستمرار في التظاهر والأعتصام وحشد مزيد من الجمهوروالمتضامن معهم والمؤمن برؤيتهم .
الفيلم الوثائقي في فكرته السياسية هو الذي قدم هذه الصورة التي تنبض بالواقعية ومحاكاة وجوه حياة تعبر عن نفسها من خلال فكرة الرفض السياسي والأيديولوجي ، وحيث احتشد الفيلم بالمقابلات وصور كاميرات الهواة والكاميرا المهتزة والأصوات الواقعية كلها احتشدت لتسليط الضوء على الظاهرة ولنشاهد فيلما يوثق تلك الظاهرة ويعزف بمهارة على وتر الواقعية السياسية في الفيلم الوثائقي ، صور هي اقرب الى نبض الحياة اكثر منها الى اي شيء آخر.


إعلان