فيلم الدكتاتور: كوميديا يهودية بنكهة عربية
رامي عبد الرازق
في عام 2006 قدم الممثل اليهودي الأنجليزي”ساشا بارون كوهين” فيلمه الذي ينتمي لنوعية الدوكيودراما”بورات” والذي كان يحمل عنوانا طويلا إلى جانب العنوان الماخوذ عن اسم الشخصية الرئيسية وهو(التعلم الثقافي من امريكا بغرض صناعة امة عظيمة من دولة كازاخستان)هذا العنوان الطويل يحمل التيمة الرئيسية لاغلب افلام كوهين بما فيهم الدكتاتور نفسه وهو اضعف افلامه وأقلها حيوية وجرأة ربما لخروجه عن الأسلوب الذي انتهجه في فيلمه السابقين بورات 2006 و برونو 2009.
ونعني بالخروج عن الاسلوب هو التوقف عن الأعتماد على العناصر التسجيلية الواقعية والتي تحتك بها الشخصية الكوهينية الساخرة (بورات) او(برونو) في فيلمه الثاني الذي يحمل نفس الأسم والأعتماد بشكل كامل على السيناريو السينمائي المؤلف والمعد مسبقا.
الكوميديا اليهودية
بدا ساشا كوهين حياته الفنية كاحد فناني الاستاند اب كوميدي وهو الفن الذي يعتمد على الأرتجال وسرعة البديهة والجراة المطلقة في مواجهة الجمهور وقد طور كوهين من نفسه دون اغفال جانب مهم في شخصيته وحياته وهو كونه يهوديا, رغم اننا لم نلحظ هذا في الفيلمين السابقين, ولكن كوهين في الديكتاتور ينتمي إلى نفس المدرسة التي ينتمي إليها كل من وودي آلان الامريكي وبينيني الأيطالي والتي يمكن ان نطلق عليها(الكوميديا اليهودية) اي التي تعتمد على اطلاق افيهات لفظية او جسدية تنطلق من تيمات تخص الدين والتاريخ والواقع اليهودي السابق والحالي.
وتتجلى فكرة الكوميديا اليهودية في الديكتاتور اكثر مما تتجلى في الفيلمين السابقين وهو ايضا خروج على الأسلوب السينمائي لكوهين حيث يعتبر كوهين أن جزء من الشخصية الديكتاتورية لاي ديكتاتور عربي او مسلم هي انه يريد ان يقضي على اسرائيل سواء حربيا او نوويا وهي بالطبع نظرة سياسية قاصرة لكنها متقبلة ضمن الاطار الكوميدي العام للفيلم فليس كل ديكتاتور عربي او مسلم يريد القاء اسرائيل في البحر والرئيس المصري السابق كان على علاقة طيبة بها والقذافي الذي يستلهم منه كوهين الكثير من ملامحه الشخصية والدكتاتورية مثل الحرس النسائي الخاص وزي المرشالية والغنا البترولي الفاحش اصدر كتابا بعنوان اسراطين يؤسس فيه لنظرية الدولتين التي تبناها وحتى ايران نفسها لا تواجه اسرئيل علنا ولا تفصح عن رغبتها في تدميرها إنما اسرائيل هي التي تتحرش بها طول الوقت صحيح ان ايران تمول حزب الله ولكن السياسة الخارجية المعلنة من دولة نووية كالتي يرأسها الديكتاتورعلاء الدين/ كوهين لم توجد سوى منذ عشرين عاما عندما اطلق صدام حسين بعض صواريخه الأسكود على اسرائيل اثناء حرب الخليج ليضمن مؤازة العرب.
تيمة مكررة
انتهج كوهين في افلامه السابقة تيمة اساسية وهي نقد الحلم الأمريكي سواء من خلال شخصية الشاب الكزاخستاني القادم ليتعلم من امريكا مبادئ الحضارة والنهضة فيكتشف ونكتشف معه خواء هذا المجتمع الاجتماعي والروحي من خلال الاحتكاك بعناصر بشرية واجتماعية واقعية والدخول معهم في مواقف كوميدية تعتمد على الأرتجال وسرعة البديهة, وكذلك من خلال شخصية مصمم الأزياء المخنث” برونو”الذي يفضح العفن النفسي والشعوري للمجتمع الامريكي عبر رحلته داخل المجتمع الجنسي السفلي بما فيه من شذوذ وتبادل زوجات وعلاقات محرمة وكلها ايضا كانت عناصر بشرية واجتماعية حقيقية كحضوره حفل حقيقي للجنس الجماعي.

في الديكتاتور يحافظ كوهين على فكرة تكوين شخصية غرائيبة شاذة السلوك جريئة لديها منطق خاص لا تتورع عن تطبيقه, لكنه يتخلى هنا عن العناصر التسجيلية التي اعتمد عليها في تعرية المجتمع الأمريكي ويعتمد على صياغة مواقف سينمائية ايهامية بعيدا عن عنصر الواقع الذي كان جزء من قوة الطرح السياسي والاجتماعي الذي قدمه في الفيلمين السابقين.
احداث الفيلم تدور حول شخصية الدكتاتور علاء الدين قائد احدى الدول الشرقية والذي هو خليط من صدام حسين والقذافي ومبارك واحمد نجاد, وعلاء الدين شاب مسلم يستغل الدين في بسط نفوذه الديكتاتوري متخذا من اللحية رمز ديني وسياسي في نفس الوقت وعلى غرار التيمة الكلاسيكية الشهيرة للزعيم الذي يغيب او يُقتل فيأتون ببديل له لكنه اخرق لا يدري شيئا لمجرد ان يتم السيطرة عليه من قبل بطانة النظام المتمثلة في عم علاء الدين وولي العهد الأصلي للبلاد, يتم التخلص من علاء الدين بحلق ذقنه والقاءه تائها في شوارع امريكا من اجل السيطرة على الحكم و كتابة دستور جديد للبلاد يضمن بيع النفط للغرب.
يتعامل كوهين مع التيمة بالعكس فبدلا من ان نتتبع حياة البديل في الحكم نتتبع حياة علاء الدين الذي يعمل في احد المحال التجارية التي تمتلكه ناشطة امريكية تدافع عن كل شئ واي شئ وهي جزء من منظومة المجتمع المدني الامريكي الذي يسخر منه كوهين ضمن سخريته من عناصر امريكية اخرى فهي تعيش في مكان فوضوي يضم لاجئين من دول اجنبية في منتهى الغباء الانساني كما انها لا تتمكن من توظيفهم بشكل سليم ولا تستغل امكانياتهم.
حلاوة الديكتاتورية
يستمر كوهين في سخريته من المجتمع الأمريكي إلى جانب تمسخره على المجتمعات العربية والأسلامية التي لا تزال تعيش في ظل ديكتاتوريات غبية, فيسخر من ذعر الامريكان من مجرد اسم اسامة بن لادن حتى لو كان المتحدثون يتكلمون بالعبرية مثل مشهد حديثه مع مرافقه العالم النووي في جولة بالطائرة فوق تمثال الحرية مع سياح اخرين, ومثل قدرته على النجاح في ادارة السوبر ماركت الخاص بالناشطة الامريكية عندما يديره بشكل شمولي يتمكن معه من تحقيق نظام جيد وناجح له بل انه ينجح في توظيف قدرات الاجئين الاخرين معه بدون اي ديموقراطية, وعندما يتمكن من استرجاع منصبه ويرفض توقيع الدستور ويتحدث للامريكان عن مزايا الديكتاتورية نجد الكاميرا تركز على انبهار السياسيين والصحفيين الامريكان الجالسين امامه بما يقوله عن تزوير الانتخابات والحكم المطلق والقضاء على المعارضة بسهولة والحصول على ثروات الدولة.
إلى جانب سخريته من الأعلام التحليلي الامريكي الذي يحاول ايجاد تفسير سياسي مقنن لكل تصرف يصدر على الشاشة عبر محللين اغبياء وغير احترافيين, ان كوهين يستمر في نقده للمجتمع الأمريكي ولكن ب��كهة عربية مخلوطة بالكوميديا اليهودية.
بل انه يسخر ايضا من عنصرية المجتمع الأمريكي من خلال شخصية الحارس الخاص المعين من الامم المتحدة لحماية الديكتاتور عندما يقول لعلاء الدين انه يحتقر كل ما هو عربي فيقول له انني لست عربيا فيقول له احتقر كل ما هو يهودي فيقول له لست يهودي فيقول له احتقر كل ما هو غير امريكيو وهي جملة ساخرة لكنها معبرة عن النظرة الفوقية الأمريكية للعرقيات والأمم الاخرى وهي النظرة التي اسس لها كوهين في افلامه السابقة.
ومن مشاهد الفيلم التي تبلور فكرة الكوميديا اليهودية بشكل ساخر هو مشهد تبول بديل علاء الدين في الامم المتحدة داخل احد الأواني الخاصة بالماء ثم محاولته جعل مندوب اسرائيل شرب هذا الاناء الملئ بالبول ثم دلق البول عليه, هذا المشهد يتم تحليله من قبل الاعلام الامريكي داخل الفيلم على انه تحرش سياسي من الزعيم الشرقي بالدولة العبرية التي يحاول العالم كله حمايتها من اسلحته النووية بينما هو في قمة الغباء وكل ما يريده ان يكون رأس الصاروخ النووي مدبب وليس مدور.

اسلحة كوهين
يعتمد ساشا كوهين في كل افلامه على الأفهيات الجنسية الفاضحة سواء اللفظية أو الجسدية وفي فيلمه السابق”برونو”بنى الفيلم على كون الشخصية الرئيسية شاذة تتجول داخل مجتمع الجنس الامريكي وفي الديكتاتور لا يفوته ان يقدم مشاهد مثل مشهد حلب بديل الديكتاتور لاحدى العاهرات مثل الماعز بدلا من مضاجعتها لأنه في الأصل راع غنم أو مشهد ظهور العضو التناسلي لكوهين عندما يحاول التسلل إلى جناح البديل كي يستعيد مكانته السلطوية او مشاهد تعلمه كيف يمارس العادة السرية على يد الناشطة الامريكية وهي ايضا جزء من السخرية من منظمات العمل المدني الامريكية, إلى جانب الافيهات الجنسية اللفظية التي يقولها بالعربية والانجليزية والعبرية.
هذا اللون من الكوميديا الجنسية يجعل متابعة الفيلم في دور العرض المصرية والعربية شديد الصعوبة نتيجة حذوفات الرقابة بخصوص الاداب العامة لكن يظل الفيلم احد ثلاثية هامة في النقد السياسي والاجتماعي لامريكا خاصة مع التركيز على ان توقيع دستور دولة الديكتاتور كل الغرض منه السيطرة على منابع النفط وليس انقاذ شعبه وهو جزء اساسي من سياسية امريكا والتي تبلورت عبر احتلال العراق وهجوم الناتو على ليبيا ودعم النظام السعودي وحماية اسرائيل.