تسجيلي أم وثائقي ?
عدنان مدانات
تسجيلي أم وثائقي؟ هذا هو السؤال الذي غالبا ما يتجادل بشأنه زملاء، حيث أنه بدأ منذ فترة يثير إشكالية إيجاد تسمية عربية تصف النوع الأخر من السينما الموازي للسينما الروائية. وفي حين أن هذه الإشكالية مرتبطة في واقع الأمر بمجرد اختلاف في الاجتهاد في الترجمة للعربية عن التسمية الانكليزية الأصلية( Documentary)، فإن هذه الإشكالية في واقع الأمر تتعلق بمسألة أكثر تعقيدا تنجم عن وجود أكثر من جنس داخل هذا النوع الذي لا يتأسس على إعادة خلق الواقع، كما هو الحال بالنسبة للسينما الروائية، بل يتأسس اعتمادا على تصوير مواد الواقع الفعلية وتنظيمها في صيغة جديدة.
في الماضي لم تكن هذه الازدواجية في استخدام أي من التسميتين تثير الجدال في الأوساط السينمائية العربية، وكان الأمر لا يعني أكثر من مجرد شيوع استخدام مصطلح” التسجيلي” من قبل السينمائيين في بعض الدول العربية، خاصة مصر، فيما كان سينمائيون في دول أخرى، مثل سوريا، قد اعتادوا استخدام مصطلح” الوثائقي”، لكن الجدال نشأ في السنوات الأخيرة بعد أن اتسعت حركة إنتاج الأفلام التسجيلية وتنوعت مواضيع ومواد الأفلام و تعددت وسائط عرضها والجهات المهتمة بها، مما جعل البعض يعتبر أن من الضروري اللجوء إلى تحديد أكثر دقة للمصطلح يتناسب مع هذا التنوع في مجال إنتاج و استخدام هذا النوع من السينما.
استند بعض المجادلين في البداية في محاولتهم لتحديد المصطلح إلى الخلفية اللغوية بهدف التفريق في المعنى بين كلمتي” التسجيل” و” التوثيق”، غير أن الرجوع إلى الأصل اللغوي لم يفد في الوصول إلى إجابة محددة متفق عليها لأن الأصل اللغوي لا يسعف في تحديد الفرق بين” التسجيل” و “التوثيق” سينمائيا و لا يأخذ بعين الاعتبار التنوع الحاصل في مجال هذا النوع، و نتيجة لذلك سعى آخرون لتعميم مصطلح جديد مترجم بدوره عن مصطلح مستخدم في اللغة الإنكليزية هو” الفيلم غير الخيالي”( Non fiction film)، لكن هذا المقترح الجديد خلافي ويفتح بابا جديدا للجدل بدوره حول علاقة الفيلم التسجيلي/ الوثائقي بالخيال، كما أنه لا يجيب على الأسئلة المتعلقة بواقع تنوع طرق إنتاج هذا النوع من السينما.

يجري تصوير مواد الواقع هذه إما خصيصا لصنع فيلم محدد الموضوع يصنف ضمن النوع التسجيلي(الوثائقي)، أو يجري التصوير لمجرد التوثيق لموضوع أو لوقائع معينة، وهذه المواد المصورة لمجرد التوثيق يمكن أن تصبح بدورها جزءا مكملا من فيلم محدد يستفيد منها لخدمة الجانب التاريخي في الموضوع الذي تجري معالجته في الفيلم، أو يمكن أن تصبح هذه المواد المصورة لغرض التوثيق مادة لفيلم يتكون منها فقط و يكتفي بها. ثمة أيضا الفيلم المصنوع لغرض إعلامي، أو تعليمي، آو سياحي، أو دعائي، أو حتى ترفيهي، هذا إضافة إلى أمكانية صنع فيلم من نوع السيرة الذاتية مخصص لتقديم شخصية معينة. ولا ننسى هنا إمكانية صنع فيلم فني شعري، أو حتى تجريبي، ينتمي إلى هذا النوع من السينما الذي يقوم على إعادة تسجيل صور الواقع الحقيقي. كما نذكّر هنا بالدور الذي لعبته الفضائيات التي ليس فقط فسحت المجال واسعا أمام عرض هذا النوع من الأفلام، بل أضافت إلى هذا النوع وطورت صيغا جديدة بعضها أفلام وبرامج مخصصة باتت تحميل تسمية تلفزيون، أو” أفلام الواقع”، وبعضها الآخر ينتمي إلى برامج الكاميرا الخفية التي يتم من خلالها تصنيع الحدث الواقعي بتدخل مباشر من معد البرنامج. و لا ننسى هنا الإشارة إلى الصيغة القديمة/ المتجددة التي تطورت أسلوبيا و باتت واسعة الانتشار في السنوات الأخيرة والمرتبطة بصنع أفلام تخلط بين النوعين أو أفلام تستفيد من عناصر نوع روائي في خدمة النوع المقابل والتي صار يطلق عليها تسمية” الدراما الوثائقية”( لم لا الدراما التسجيلية؟).
هذا التنوع يستدعي الحاجة إلى إيجاد تسمية مختلفة تحدد وتميز بين الأجناس المتنوعة المنتمية إلى هذا النوع من الأفلام. وفي الواقع يمكن لنا الاستطراد كثيرا في وصف أشكال متنوعة من هذه الأفلام التي يحتاج كل منها إلى تسمية تحدد خاصيته وتميزه. في هذا الحالة فقط يمكن التوافق على ما يمكن وصفه بالتسجيلي و ما يمكن وصفه بالوثائقي.
بعيدا عن هذه الإشكالية المرتبطة باختلاف التسمية بين” التسجيلي” و” الوثائقي”، فإن الحاجة الحقيقية تتعلق بتحديد وظيفة وطبيعة كل جنس فني يدخل ضمن هذا النوع من الأفلام و إيجاد تعريف خاص به، وذلك منعا للالتباس وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا نخلط، مثلا، بين الفيلم بما فيه من بنية وعناصر درامية وبين الريبورتاج، أو بين الفيلم الدعائي وبين الفيلم الذي ينحو منحى شعريا فنيا، وهو الخلط الذي يلاحظ في المهرجانات السينمائية التي تبرمج مسابقات خاصة بهذا النوع من الأفلام.