إيمان بن حسين بعد “المختفين” تكشف أسرار شارون

تونس – صالح سويسي
إيمان بن حسين مخرجة تونسية شابة من حيث السنّ، لكنّ تجربتها لفنيّة هامة ومتنوعة ومتعددة. منذ أن أتمّت دراستها وانطلقت في مشوارها مع الإخراج والإنتاج السينمائي لم تتوقف عن تقديم الجديد والطريف. قدمت إلى حد الآن خمسة أعمال، وتؤكد دائما أنها ستواصل مسيرتها الإبداعية بكل إصرار، بن حسين ترى أنّ السينما عندها بمثابة الأكسجين التي تتنفسه لتعيش. آخر أعمالها الوثائقية شريط حول السفّاح آرييل شارون وقبله بأسابيع أنجرت شريط “المختفون”، أمّا آخر أعمالها الروائية فكان شريط “سرّي للغاية” الذي أثار جدلا واسعا قبل عرضه بل وصل الأمر حتى تهديدها بالقتل، في هذا الحوار تتحدث بن حسين عن أعمالها الجديدة وخاصة شريطيها “المحتفون” الذي أنتجته الجزيرة وثائقية و”شارون”.

لنبدأ من آخر أفلامك التي بصدد الإنجاز، ماذا عن شريط الجديد حول المجرم آرييل شارون؟

ايمان بن حسين


“شارون” فيلم وثائقي روائي أجهز له منذ سنتين أو أكثر، ولم يكن بإمكاني الحديث عن تفاصيله قبل الآن، وسوف نتناول فيه المجازر التي قام بها هذا المجرم وسنذكر أسماء عربيه كثيرة مورطه في هذه المجازر. واخترت شخصية شارون لأنه مسؤول عن عدة جرائم إنسانية ضد شعبنا العربي في قلسطين، لعلّ أهمها مجزرة قتيبة 1953 وقتل وتعذيب الأسرى المصريين عام 1967 واجتياح بيروت ومجزرة صبرا وشتيلا التي مازالت راسخة في ذهن المواطن العربي ووجدانه، فضلا عن مذبحة جنين في العام 2002 واغتيال الشيخ أحمد ياسين، وغير ذلك من الجرائم.
نحن بصدد أخذ شهادات حية من عدد كبير من المحيطين بأرييل شارون الذي تفيد أغلب المعطيات أنه مازال سجين مزرعته الخاصة التي نٌقل إليها في 2010 بعد إصابته بجلطة دماغية أقعدته.
قمت أيضا بإجراء اتصالات عدة مع بعض الأطراف كي أتمكن من إجراء مقابلات مباشرة مع أبنائه بعد أن أعرض عليهم شريطاً مصوراً لأهم الأعمال الإرهابية التي قام بها والدهم، خاصة مجزرة صبرا وشتيلا التي راح ضحيتها العديد من الأطفال. وقضيّت الأشهر الأخيرة الماضية  على دراسة حياة شارون وجرائمه في حق الفلسطينيين والعرب، واستشرت عدداً من الأطباء النفسيين الذين ساعدوني في تحليل شخصيته. الشريط مدته ساعة وهو وثائقي روائي وسيقوم بالأدوار ممثلون من إيران، أمّا لغة الشريط فستكون العربية فضلا عن ترجمته للغات عالمية مثل الانجليزية والفرنسية.

يبدو أنك ستختصين في أفلام تقدم القضية الفلسطينية من أوجه مختلفة عمّا هو سائد في السينما العربية؟
نعم أنا أسعى عبر اختياراتي لمواضيع أفلامي إلى التفرد بالجديد وتقديم حقائق تفيد عالمنا العربي وباقي الشعوب بشكل عام. ثمّ أن منذ البداية اخترت توجهي في هذا الميدان إما أن أكشف حقائق وتكون السينما رساله فعلا أو أن ألزم بيتي ولا أقدم فلاما. ولا تنسى أنني في فيلم “سري للغايه” تلقيت العديد من التهديدات، لكني أؤمن بأن العمر واحد وشرف لي أن اموت وأنا أدافع عن عروبتي وعن إسلامي، وحول اختياري لتصويري لفيلم حول إرهاب شارون أقول مرة أخرى، من لا يعرف حقيقة هذا المجرم وجرائمه؟ اأمّا لإضافه في فيلمي فلن تكون مجازر شارون إنما الانبطاح العربي والذلّ العربي من خلال عدد من المتواطئين العرب مع هذا السفاح المجرم.
وما أسعدني فعلا أنّه منذ الإعلان عن انطلاقي في إنجاز الفيلم اتصل بي العديد من رجال الأعمال والمنتجين من العالم العربي وعبروا عن استعدادهم لدعمين وبعضهم أبدا رغبته في إنتاج الشريط وشرائه.

“المختفون” من احد أفلامك الذي يبدو أيضا أنه يقدم سينما مغايرة من حيث الطرح والمضمون، كيف جاءت فكرة الشريط؟
كان أول عروض شريط “المختفون” خلال عرض خاص في وزارة حقول الإنسان والعدالة الإنتقالية، والفيلم الذي تنتجه الجزيرة الوثائقية قمت بإخراجه،  يقدم حالات إنسانية اشتركت في تجربة التخفّي أو الاختباء خلال سنوات حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، اختبأ كل واحد من أبطال العمل بطريقته الخاصة.  وهي قصص إنسانيه قبل كل شيء، تصوّر تجارب حقيقية كان لها وقع كبير في داخلي وهو ما حفزني لأتحمس لإخراجها في شريط سينمائي وثائقي، وقد أخذت وقتي في الاطلاع على كل حالة على حدة.

أمّا فكرة الشريط فقد جاءت بمبادرة من إحدى شركات تنفيذ الإنتاج اقترحت عليّا االموضوع فأعجبت به  وتحمست له، ثمّ قمت بالاتصال بالمختفين الأربعة والذين كانوا متعاونين إلاّ واحدا فقط طلب مقابلا ماليا مشطّا جزاء مشاركته.

ماذا أردت ان تقولي من خلال هذا العمل؟ خاصة أنك قلت أنّه عمل إنسانيّ بامتياز، هل من تفاصيل أكثر؟
يتناول الفيلم الذي يتواصل على 70 دقيقة كاملة تفاصيل الاختفاء القصري لأربعة تونسيين خفا من القمع والإضطهاد الظلم الذي سُلّطَ على كل فرد منهم… اختفت هذه الشخصيات أيام حكم بن علي خوفا من المطاردة والاعتقال الومصير المجهول. وكانت تهمتهم طبعا عدم رضاهم على سياسة بن علي وحكومته ونقدهم الطريقة حكمه للبلاد والتي اعتمد فيها على الحديد والنار.
الفيلم نبش في قصص حقيقية تمازجت فيها الآلام بالدموع والقسوة والخوف سواء لهم أو لعائلاتهم حتّى أن والدة أحد أبطال العمل اعتبرت أن الاعتقال والسجن أهون ألف مرة من الاختفاء..  ولكن الاختفاء كان السيبل الوحيد للخلاص من بطش نظام بن علي البوليسي الذي لا يرحم بعد عجزهم عن مغادرة البلاد.
ومارس “المختفون” الأربعة أشكالا من الاختفاء وكان الهدف الأهمّ بالنسبة إليهم عدم السقوط بين براثن الجلاّد وأتباعه، حيث اختار أحدهم العيش ردها من الزمن في سرداب تحت بيته ومنهم من بنى لنفسه غرفة بابها خلف خزانة تخفي معالمه. ولعلّ أطرف ما في الفيلم أنّ أبطاله هم الشخصيات الحقيقية التي عاشت رحلة الاختفاء لما يقرب من عشرين عام.
 
وماذا عن ظروف التصوير، ومحاولة البعض عرقلتكم وتعنيف فريق العمل؟

تصوير العمل كان خلال شهر رمضان إلاّ بعض المشاهد القليلة،  وكان التصوير في مدينة الكاف في الشمال الغربي  ومدينة قليبية في الزطن القبلي ومدينتي الزهراء وسيدي ثابت في ضواحي العاصمة التونسية.
حين تنقلنا للتصوير في مدينة الكاف قبل شهر رمضان الماضي، وقع الاعتداء على فريق العمل وحطّم المعتدون المحسوبين على التيّار السلفي جميع معدّات التصوير. وقد تمكّن مساعدي من الهروب فيما بقيَ مدير التصوير ومهندس الصوت في مكان التصوير أين وقع الاعتداء عليهما بطريقة وحشية جدا، ولم نغادر المدينة إلاّ بعد تدخل البوليس الذي فم بحمايتنا حتى خروجنا من المدينة. وكان سبب الهجوم العنيف أن فريق الفيلم لم يتوقف عن العمل أثناء آذان صلاة العصر وقد كان الفريق وقتها يصور داخل المسجد ولم يقوموا للصلاة مع المصلّين فثارت ثائرة بعض الحاضرين وقاموا بالإعتداء بالعنف الشديد على التقنيين.


إعلان