حول فيلم جلد حي
عدنان مدانات
سنحت لي أخيرا فرصة مشاهدة الفيلم التسجيلي المصري” جلد حي” للمخرج فوزي صالح وهو الفيلم الذي حصد مؤخرا جائزتين لأفضل فيلم تسجيلي إحداهما من مهرجان أبو ظبي السينمائي والثانية من مهرجان تطوان في المغرب.
يكتسب الفيلم أهمية خاصة بسبب من الموضوع الذي يعالجه ألا وهو اضطرار الأطفال للعمل في أعمال خطرة على الصحة دون أن يكون لديهم خيار آخر على الرغم من أن هذا العمل الذي قد يفنون عمرهم فيه لا يقدم لهم أية ضمانة في حالة العجز أو الشيخوخة. نوع العمل الذي يعرضه الفيلم هو معامل دباغة الجلود وهي المعامل القديمة الطراز والتي تستخدم فيها آلات حادة قديمة لسلخ الجلود حيث أي خطأ في استخدامها قد يتسبب في قطع أصابع العامل، كما تستخدم فيها المواد الكيماوية السامة التي قد تؤذي من يتعامل معها سواء من خلال اللمس أو حتى من خلال تنشق الروائح المنبعثة منها. تأكيدا على هذه المخاطر يلجأ المخرج إلى تقديم المعلومات الوافية عن أوضاع العاملين كما المعلومات العلمية عن مخاطر المواد الكيماوية المستخدمة في الدباغة.

يبدأ الفيلم بمشهد لأطفال يرقصون مع الآخرين من أقرانهم في مولد وسط حي شعبي. يصور المشهد الثاني الأطفال وهم يلعبون لعبا أشبه بالشجار وسط زقاق مليء بالقذارة والنفايات والأوحال، ثم ينتقل المخرج إلى التعريف على مراحل طوال الفيلم ببعض شخصيات العاملين في المدابغ مع إعلان الاسم والعمر، وخلال ذلك يقدم المخرج العديد من المشاهد التي تعرض تفاصيل من لحظات العمل داخل المدابغ وهي مشاهد لا تسر الناظرين إليها بطبيعة الحال. ينتهي الفيلم بمثل ما ابتدأ، أي بمشاهد للأطفال يرقصون فرحين في المولد.
بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم تكون عندي انطباع بأن موضوع الفيلم هو المهم في حين أن المعالجة السينمائية له، على الأقل من الناحية الأسلوبية و البنائية، لم تكن بذات المستوى من الأهمية، و هذا ما استدعى لدي بعض الملاحظات التي لا تقلل من أهمية الفيلم.
يجري عرض وقائع الفيلم وفق بناء لجأ فيه المخرج إلى تقسيم مشاهد فيلمه إلى مقاطع يسبق كل منها لوحة مكتوبة على الشاشة تشير إلى اليوم الذي تجري فيه الوقائع المعروضة، مثلا، اليوم الأول، ثم اليوم الثاني، ثم الثالث، وصولا إلى اليوم السادس الذي يتوقف عنده ولا يتابع العد بعده. هذا النوع من التقديم قد يوحي للبعض بالعلاقة المترابطة مع قصة الخلق كما وردت في العهد التوراتي القديم حيث قام الرب بخلق العالم على مراحل خلال مدة مقسمة على ستة أيام واستراح في اليوم السابع، لكن في الحقيقة من الصعب إيجاد ما يبرر هذا الإيحاء أو ما يبرر الربط بين الفيلم و قصة الخلق التوراتية لأن الفيلم لا يتضمن سردا متطورا يكشف كل يوم تال فيه عن جديد يشكل إضافة للموضوع و يبرر تقسيم مقاطع الفيلم إلى أيام، وهذه الملاحظة تتعلق بشكل خاص بالمشاهد التي جرى تصويرها داخل معمل الدباغة والتي تتشابه في معظمها من ناحية المادة المعروضة للرؤية من قبل المشاهدين، وهذا يعني بالضرورة انتفاء ما يبرر هذا التقسيم إلى أيام ستة، ويعني أيضا استخدام عنصر بنائي، أو أسلوبي، إنما بلا جدوى.

تتعلق الملاحظة الثانية بطريقة تقديم الشخصيات و طريقة عرض المقابلات التي أجريت معها. يتم تقديم الشخصيات عن طريق التعريف بها اسما وعمرا، وهذا النوع من التقديم يفترض من الفيلم أن يعطي لكل شخصية جرى التعريف بها مداها من التقديم ما يؤدي بدوره إلى خلق تفاعل بينها و بين مشاهدي الفيلم، غير أن هذا التفاعل لا يتحقق في الفيلم بالقدر الكافي، وذلك نتيجة لجوء مخرج الفيلم إلى تغليب اللقطات العامة التي تظهر الشخصيات ضمن إطار مكان العمل و أجواءه على اللقطات القريبة للشخصيات، وهذا قد لا يحقق للشخصيات حضورا أكثر وضوحا وقوة، يضاف إلى هذا أن المخرج لجأ إلى تقديم المقابلات التي تحدثت فيها الشخصيات عن أحوالها عن طريق الصوت من خارج اللقطة فيجرى الاستماع إلى الحديث دون رؤية المتحدث، وهذا ما قد يخفف من التفاعل بين المتحدث والمستمع، على الرغم من أن ما تقوله الشخصيات مهم جدا من حيث المضمون الذي يكشف مأساة بشر يدفعهم الفقر و انعدام الفرص والخيارات إلى الانخراط في عمل يدركون انه يشكل خطرا على حياتهم فيكونون في مثل هذه الحالة شبيهين بالأبطال التراجيديين الذين لا خيار لهم إلا السير نحو حتفهم.