دون ميككولين لن يعود إلى حلب..
في مقابلة بُثت أخيرا مع البرنامج الثقافي البريطاني “الصف الأول” ، والذي يذاع على محطة الراديو الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية ( بي بي سي)، وَعد المُصور الفواتغرافي البريطاني المعروف دون ميككولين، بأن رحلته الأخيرة لمدينة حلب سورية والتي عاد منها قبل أسابيع قليلة من زمن المقابلة الإذاعية، ستكون الأخيرة في حياته المهنية. “لم يَعدّ بإمكانني تَحمّل رؤية كل هذا الموت”، كشف المصور الذي قدم مجموعة من أبرز صور الحروب في الأربعين عاما الماضية. ثم يُكمل “لقد بلغت السابعة والسبعين من العمر، قَضَيّت معظم أعوام حياتي مُصوّرا لأكثر أوقات البشرية انحطاطا، صورت جثثا متفحمة لأطفال ونساء في فيتنام ولبنان، ما يحصل في سوريا مُروع كثيرا، لكني لن أعود إلى حَلب مرة أخرى، ما شاهدته هناك جعلني أتساءل للمرة الألف لماذا اخترت هذه المهنة..؟ رغم أنني أعرف الاجابة مسبقا، لكن السؤال القاسي يعود كل مرة أكون فيها قريبا من مدنيين يُقتلون بِوحشية، وأنا كالعادة لا أملك إلا الكاميرا لتسجيل ذلك الموت”.
المقابلة الإذاعية تلك مع المصور دون ميككولين، سبقت بأيام عرض الفيلم التسجيلي عنه في صالات بريطانية منتخبة تحت عنوان “ميككولين” ، وأخرجه ديفيد موريس وجاكي موريس. الفيلم الذي صور في العام الماضي، أي قبل رحلته الأخيرة الى مدينة حلب، يركز على سِيرة مصور الحروب الأشهر في العالم، ويعود معه، ومن سَكينة بيته الانكليزي، لبعض الصور الشهيرة التي صورها، والتي تحولت لأيقونات للتصوير الفوتغرافي في أوقات الأزمات. يرفض ميككولين أن يطلق على نفسه صفة (الفنان)، ” أنا مصور فوتغرافي فحسب” يؤكد دون ميككولين، وعن عمله طوال تلك السنوات يقول :” ما شاهدته في أمكنة الحروب تلك لم يفارقني في حياتي في بريطانيا، عندما إغلق باب غرفة التحميض و أشغل جهاز الموسيقى، والذي أختار له اسطوانات موسيقى كلاسيكية فقط، عندها يتبدى لي فداحة ما شاهدته عيناني”.
أفلام تواصل نجاحها.. وأخرى جديدة
ومع ندرة عروض الأفلام التسجيلية الحديثة في بريطانيا وبعض الدول الأوربية الأخرى، بسبب مزاحمة الأفلام الروائية التي أُنتجت العام الماضي والتي يتواصل عرضها بنجاح في الصالات السينمائية الفنية، وصل فيلم “راقص الصالة” للمخرجين كريستيان بونك وأندرياس كوفود للصالات البريطانية، الفيلم يقدم بوتريت خاص عن الراقص الإوكراني المعروف سلافيك كريكليفي وزوجته الراقصة ايضا آنا ميلنيكوفا، وعملها معا، وتداخلات العلاقة المهنية والخاصة التي تربطهما، خاصة مع ضغوطات مهنة تشترط الكمال والانسجام الكبيرين.
على صعيد عروض الأفلام التسجيلية في الصالات السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك وفرة في عروض الأفلام الجديدة مقارنة ببريطانيا او دول اوربية اخرى مثل هولندا وبلجيكيا، فبدأت في الايام الاخيرة عروض فيلم “مراقبو الطيور: تأثيرات السنتربارك” للمخرج جيفري كيمبل. الفيلم التسجيلي عن مجموعة من أبناء مدينة نيويورك، والذين يقضون ساعات طويلة في مراقبة الطيور في الحديقة الأشهر في العالم (السنتربارك). يلتقي الفيلم شخصيات فريدة، بعضها قضى عقود طويلة في مراقبة الحياة الطبيعة في الحديقة التي تقع في قلب المدينة العالمية.

فيلم آخر هو ” قرية غرينتش: الموسيقى التي عرفت جيل “للمخرجة لورا ارشيبالد ، يتناول معلما آخر من مدينة نيويورك، هذه المرة عن حَيّها الشهير “قرية غرينتش”، والذي كان في الخمسينات وحتى الثمانينات القرن الماضي، المكان الذي تتوجه اليه المواهب الموسيقية من الولايات المتحدة الامريكية والعالم، للعيش والغناء، بعيداً عن سطوة الصناعة الموسيقية وشروطها المشّددة. يقدم الفيلم مقابلات عديدة مع أبرز رموز الجيل الموسيقي الذي إنطلق من الحي النيويوركي، وغيّر المَشهد الفني في الولايات المتحدة الأمريكية ووصل بتأثيرة للعديد من دول العالم.
سنوات عقد السبعينات بأفكارها التحريرية الأصيلة وجرأتها الفريدة، ستكون ملهمة لفيلم تسجيلي آخر يعرض في الصالات الأمريكية، إذ يستعيد فيلم ” قصة ولادة: إينا غاسكين مايو و مزرعة القابلات” للمخرجتين سارة لام وماري يغمور، تجربة الأمريكية إينا غاسكين مايو والتي بدأت في أحد حقول ولاية تينيسي الأمريكية مَشفى صغير للولادة، جاء ليسّد حاجات جيل شباب حركات الهيبيز المتحررة، والذي سعى للتمرد على كل النظم والقوانين الإجتماعية التي كانت سائدة وقتها، فالمشفى الصغير البدائي قدم نُموذجا جديدا للتعامل مع عمليات الولادة، كتشجعيه لوجود الأزواج في غرف الولادة، وهو أمر لم يكن شائعا أبدا قبل عقد السبعينات.
وعن قراصنة الصومال، والذين لفتوا الانتباه الدولي في الأعوام الأخيرة بعمليات خطفهم المنظمة لسفن تجارية واحتجازهم لرهائن من جنسيات مختلفة، يدور الفيلم التسجيلي ” بحار مسروقة” للمخرج ثايما باين، والذي قضى 3 سنوات في واحد من أكثر البلدان فوضى وخطورة، ليسجل شهادات لقراصنة صوماليين، كما أنه يقابل بعض الذين احتجزوا عند هؤلاء القراصنة، للحديث عن الأيام وأحيانا الأشهر التي قضوها في سجون تلك عصابات، والتي يقدر خبراء ما تجينه الأخيرة من أموال بمئات الملايين من الدولارات سنويا.