المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته 14
حين تطرد كرة القدم … السينما
سبق لنا أن كتبنا في موقع الجزيرة الوثائقية على أن أهم تظاهرة سينمائية تُقام في المغرب – في نظرنا طبعا – هي المهرجان الوطني الخاص بالأفلام المغربية فقط (يمكن لمن يرغب الاطلاع عليها زيارة موقع الجزيرة الوثائقية لكي يشكل وجهة نظر تاريخية عنها).
المهرجان الوطني للفيلم المغربي هو أكبر بكثير من مجرد تظاهرة فنية أو مهرجان أو لقاء سنوي بين الفاعلين في السينما المغربية بكل ألوانهم وتخصصاتهم. إنه احتفال وفرح بالأفلام المغربية، بما لها وما عليها، خاصة حين ارتفع عدد الأفلام وتنوعت مضامينها حيث كل الفئات الاجتماعية وجدت وتجد نفسها في نوعية منها فأصبح الحديث والكتابة عنها ممكنا، والاختيار مُتاحا أيضا، والمقارنة والمقاربة قائمة ليس في ما بينها بل في علاقتها بفنون السينما، وإلى أي مدى تطورت أفلامنا شكلا ومضمونا، وفي سوق التوزيع أيضا.
سبق لنا إذن أن عرفنا بهذا المهرجان في دوراته السابقة وتطوره والمكتسبات التي حققها للسينما المغربية، والإشعاع الذي أصبح يتمتع به في عالم المهرجانات الدولية، وكذا في وسائل الإعلام من خارج جغرافية الوطن. وهذا ليس كلاما ننشره اعتباطيا وإنما من منطلق التجربة الشخصية حيث كثير من المهرجانات التي لي بها صلة تطالبني بمعلومات عن أفلام مغربية لبرمجتها في المسابقات الرسمية أو عرض بعضها خارجها. اكتشفت أن كثير من المهرجانات تقول باستحالة عدم برمجة فيلمين مغربيين أو واحد على الأقل.
قليلة هي المهرجانات السينمائية المحلية المعتمدة على الإنتاج المحلي تحظى بما للمهرجان الوطني في طنجة، وذلك راجع لسببين رئيسيين لا ثالث لهما. والمقصود بهما استقراره في المكان والزمان. أصبح له “منزلا” يأويه سنويا ويجمع شمل الأفلام التي وُلدت خلال السنة عوض أن يُقام حسب الأهواء أو وجود أفلام من عدمها كما كان العهد به قبل عقد من الزمن. ففضلا عن تحديد زمنه في نفس الشهر من السنة، يُقام في فضاء نموذجي المتمثل في مدينة طنجة. كل هذه العناصر وغيرها كثير (لا داعي لذكرها الآن) هي التي قَوًّتْ المهرجان الوطني للسينما المغربية وإلا لم يكن بإمكانه أن يخرج من الهواية والعثرات الكثيرة بترحاله.
ورغم الشعبية التي حصل عليها المهرجان إلا أنه كان مضطرا هذه السنة (2013) ليقدم تنازلا كبيرا لصالح كرة القدم. فقد نجحت هذه الرياضة الأكثر شعبية في العالم، بعد الموسيقى الشعبية والشبابية، أن تطرد المهرجان من تاريخه السنوي القار (منتصف شهر يناير) إلى تاريخ آخر هو الأسبوع الأول من شهر فبراير. لقد فرضت مباريات كأس الأمم الإفريقية، التي تجري أطوارها الآن، على المنظمين (المركز السينمائي المغربي) تغيير التاريخ. وللأسف قبلوا عن طواعية لمطلب “كرة القدم” خوفا من غياب الجمهور فغابت الديمقراطية في الاختيار لمن يفضلون القاعات السينمائية والأفلام رغم عشقهم لكرة القدم في الفرق الكبيرة التي تُمْتِعُ حقا كالسينما. وهذا التغيير حرم الكثيرين من متتبعي المهرجان الوطني من الحضور لأنهم كانوا قد برمجوا أسفارهم إلى مهرجانات أخرى أو استعدادا لها منذ زمان لا يمكن تغييره. وهنا أتحدث عن مدراء بعض المهرجانات الدولية. هل لم يكن من الممكن المغامرة والتحدي بالحفاظ على تاريخ المهرجان والالتزام به احتراما للسينما وحينها لكل عاشق طريقه؟

تحية لمن رحلوا… وتكريم الرواد
سيفتتح المهرجان يوم الجمعة فاتح فبراير كعادته السنوية بوقفة قصيرة – لكنها معبرة – يُحَيِّي فيها بعض الأسماء السينمائية التي رحلت خلال السنة (بعد الدورة السابقة) للتذكير بها وبعطاءاتها، وتأكيد على أنها دخلت الذاكرة من بابها الواسع، ولها مكانة محترمة فيها، سواء كانوا ممثلين/ممثلات أو تقنيين/تقنيات/مخرجين وأيضا نقاد السينما وكُتاب السيناريو… وكل من ارتبط ويرتبط بفنون السينما في المغرب. يتم استذكارهم بما يليق بهم في هذا الحدث الفني الوطني. ويؤرخهم المهرجان في الكاتالوغ السنوي (كُتَيِّب المهرجان). أسماء كثيرة خطفها الموت هذه السنة، ومنها على بغتة وبشكل مفاجئ. آخر هذه الأسماء الممثل محمد مجد، يوم 24 يناير الجاري، وقبله السينمائية نعيمة سعودي البوعناني وهي على بلاتوه التصوير. يصادف المهرجان حلول الذكرى الأربعينية على رحيلها وهو يصادف يوم وفاة زوجها السينمائي أحمد البوعناني في سنة 2011، لذا سيتم تقديم مشاهد من فيلم وثائقي في طور الإنجاز -من إخراج الشاب علي الصافي- عن أشهر ثنائي سينمائي في المغرب الذي عاش معا لنصف قرن: أحمد البوعناني/نعيمة سعودي،… ورحل أيضا الطيب لعلج مؤخرا، و…. و…..
في نفس يوم الافتتاح مساءً يتم أيضا تكريم فنانين في الحقل السينمائي اعترافا لهم وبهم وبحضورهم. ففي هذه السنة سيلتفت المنظمون إلى ممثلين من نفس الجيل المؤسس للتشخيص في المغرب ما بعد الاستقلال. وهم الممثلة عائشة مهماه والمُمَثِّلَيْنِ عبد الله العمراني ومحمد بن ابراهيم الذين بصموا أفلاما كثيرة بشخصياتهم المتنوعة التي جسدوها بتقدير كبير، سواء في الأفلام الطويلة أو القصيرة أو التلفزيونية والمسرحية. والتكريم، أصبح تقليد في المهرجان وأحد فقراته القارة عند كل افتتاح لكل دورة في كل سنة.
الإعلان عن إفتتاح المهرجان إذن يوم فاتح فبراير بالتكريم وعرض فيلم وثائقي ومقتطفات من الأفلام للمكرمين وصورهم. وأيضا كما جرت العادة، في العُرف السينمائي عند كل افتتاح، تقديم للجمهور وللحضور وللمدعوين لجنتيْ التحكيم التي سنذكر أسماءها حين نعرض لائحة الأفلام المشاركة في المسابقة.
يعود مهرجان “فيسباكو”، الذي يُقام كل سنتين في عاصمة بوركينافاسو، إلى طنجة من جديد ليُعلن منها عن برنامج دورته المقبلة وذلك في ندوة صحفية صباح اليوم الثاني من أيام المهرجان الوطني (السبت 2 فبراير). فهذه هي المرة الثانية التي يتخذ هذا المهرجان الإفريقي مدينة طنجة بابا لولوجه (توجد مدينة طنجة في أقصى نقطة في القارة الإفريقية). ولا بأس من الإشارة إلى أن المغرب ساهم في إنتاجات سينمائية إفريقية منذ سنوات، وفي السنة الماضية شارك في 7 أفلام من خلال العمل بمختبرات المركز السينمائي المغربي في الرباط، وأخرى من الأقطار المغاربية. ويساهم في بعض الأقطار بتأسيس ومساعدتها في إنشاء معاهد سينمائية. إلى آخره…
تبدأ المسابقة الرسمية للأفلام المغربية ابتداء من ظهر اليوم الثاني من ايام المهرجان (2 فبراير 2013). وقد تقلص عدد الأفلام هذه السنة بسبب التغيير الذي حصل في وزارة الاتصال المغربية (السينما في المغرب تتبع قانونيا وإداريا لوزارة الاتصال مثل القنوات التلفزيونية والإذاعات والصحف وطبعا المركز السينمائي المغربي الذي يدير شؤون السينما بالمغرب). تعطلت كثير من المصالح الحيوية إن لم نقل تجمدت في انتظار الحسم في “السياسة السينمائية الجديدة”!؟!؟! التي لم يأت بها الوزير الجديد بل “عناصر قديمة” في الوزارة التي كانت تتربص باستغلال الفرصة لتصفية حسابات ذاتية قديمة وليس من منطلق مبدئي لتطوير فنون السينما بالمغرب حيث يبدو هذا جليا على أرض الواقع، لأنها لم تفلح في تجاوز القديم بتطويره وكأن مهمتها الجديدة هي العرقلة لكل ما تحقق من مكاسب. استغلت تلك العناصر غياب المعرفة السينمائية عند الوزير الشاب لتشوش عليه. وهكذا وجد كثير من السينمائيين والسينمائيات أنفسهم محتجزين بأفلام غير مكتملة ويمر عليها الزمن وتتضاعف ميزانيتها بحكم التأخير.
أسماء جديدة في الأفلام الطويلة

كان بالإمكان أن يتجاوز العدد هذه السنة 30 فيلما لولا أولئك الذين يحاربونها من داخل الوزارة بادعاءات واهية مع أنه المفروض فيهم العكس. لقد تمكن من الوصول إلى المهرجان هذه السنة 21 فيلما فقط، وما ذكرته من حجز هو ليس من إنتاج خيالي الشخصي بل هو كلام قيل لي إلى حدود الأسبوع الماضي على لسان معنيين بالأمر من السينمائيين والمنتجين المغاربة.
في قراءة سريعة لهذه اللائحة نجد نصفها (11 فيلما) لمخرجين شباب في أول إخراج لهم للفيلم الطويل بعد تجارب في الفيلم القصير والاشتغال في مساعدة الإخراج. ووجود فيلمين بالأمازيغية وهما “تنغير – القدس: أصداء الملاح” لكمال هشكار (وهو فيلم وثائقي) وإلى جانبه فيلم “أغرابو” (الباب) لأحمد بايدو وهو فيلم روائي. يحضر الفيلم الوثائقي بالأفلام التالية: “تنغير – القدس: أصداء الملاح” لكمال هشكار، و”نساء بدون هوية” لمحمد العبودي، و”حدود وحدود” لفريدة بليزيد، و”محاولة فاشلة لتعريف الحب” وهو يجمع بين الوثائقي والروائي. كما تظهر جليا غياب المرأة المخرجة حيث تُشارك اثنتين فقط وهن فريدة بليزيد وبشرى بلواد، علما أن هناك أفلام أخرى لم تتمكن مخرجات من إتمامها للأسباب السالفة الذكر.
ونصف هذه الأفلام (11 فيلما) ستُعرض لأول مرة فيما الأخرى عُرضت في مهرجانات محلية أو جهوية أو دولية ومنها ما عُرضت في القاعات التجارية بالمغرب أو مازالت بها. وتجدر الإشارة أن الفيلمين: “يا خيل الله” لنبيل عيوش، و”تنغير – القدس: أصداء الملاح”، هي من أكثر الأفلام التي جالت العالم، خلال سنة كاملة، وحصلت على جوائز مهمة بقيمتها السينمائية.
ستحكم على هذه الأفلام الطويلة لجنة يترأسها هذه السنة المخرج والمنتج الفرنسي جاك دورمان. نُذَكِّرُ بالمناسبة بأن المهرجان الوطني قد سن في السنين الأخيرة عادة التناوب على رئاسة لجنة التحكيم الأفلام الطويلة بين شخصيات مغربية وأخرى أجنبية، عربية (سمير فريد/ مصر) أو إفريقية (تيميتي باسوري/الكوت ديفوار) أو أوروبية (إدغار موران/فرنسا).
وتتكون عضوية لجنة الدورة 14 لسنة 2013 فضلا عن رئيسها من:
– عبد القادر لقطع (مخرج من المغرب)
– ناصر قطاري (مخرج من تونس)
– غيثة الخياط (كاتبة وباحثة مغربية)
– تانيا خالي (مسؤولة اقتناء البرامج بفرانس تلفزيون)
– لالي هوفمان (الصحفية والناقدة السينمائية من الدانمرك)
– رشيد بن الزين (كاتب وباحث مغربي)
ويحضر كذلك، كالعادة، الفيلم القصير والذي ستنظر فيه لجنة تحكيم خاصة به تتكون من:
– أحمد اخشيشن (رئيسا) وهو وزير سابق للتربية الوطنية ومدير عام سابق للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
– سالي شافتو (مؤرخة سينمائية وأستاذة السينما وناقدة من الولايات المتحدة الأمريكية)
– مريم التوزاني (مخرجة مغربية صاحبة فيلم “الليلة الأخيرة الحائز على مجموعة من الجوائز طيلة سنة 2012)
– لطيفة أحرار (ممثلة مغربية)
– خالد السلمي (باحث مغربي وأحد مناضلي الأندية السينمائية في بداية تأسيسها)
تراجع الفيلم القصير

وستبت اللجنة الرسمية للأفلام القصيرة هذه السنة في 14 فيلما فقط التي اختارتها من قَبْل لجنة الانتقاء التي يتم تشكيلها سنويا من طرف المركز السينمائي المغربي لمشاهدة ما يُقدم لها من الانتاجات السنوية. تصل أحيانا إلى أكثر من 80 فيلما في بعض السنوات. أما هذه السنة فلم تشاهد لجنة الانتقاء سوى 45 فيلما.
أما الأفلام الطويلة فلها حق المشاركة المباشر في المهرجان (دون إخضاعها للانتقاء) ومنها ما هي ملزمة به خاصة التي تحصل على الدعم من المركز السينمائي المغربي. بينما التي تم إنتاجها بالكامل من طرف أشخاص ذاتيين فلهم حق الاختيار بالقبول من عدمه للمشاركة في المسابقة، منها أفلام لمخرجين مقيمين خارج المغرب من أصول مغربية (مزدوجي الجنسية). لكن في غالب الأحيان يقبلون ويسعدون بالوجود في منافسة مغربية بحكم دلالاتها المعنوية/التاريخية.
جرت العادة في المهرجان الوطني أن يُشارك عدد الأفلام القصيرة بنفس عدد الأفلام الطويلة حيث يتم الانتقاء للقصيرة حسب لائحة الأفلام الطويلة. يسبق عرض كل فيلم طويل أحد الأفلام القصيرة، بمعنى وجود الأفلام الطويلة يوازيه نفس العدد من الأفلام القصيرة إلا أن هذه السنة – كما تلاحظوها من خلال العدد المُشار إليه أعلاه بتقليص عدد الأفلام القصيرة (14 على 21). وفي نقاشات جانبية مع بعض أعضاء لجنة الانتقاء، ويبدو أن اللجنة رصدت هذه السنة تراجعا كبيرا في مستوى الأفلام القصيرة حيث وجدت نفسها في “ورطة” بصعوبة الاختيار. وأنها كادت ان تقلص عدد الأفلام التي اختارتها (14 فيلما) إلى النصف لِما أعلنت عنه بسبب الضعف الكبير للأفلام المُقترحة عليها.
ولنعد إلى المهرجان الوطني حيث كل لجنة على حدة توزع جوائزها في حفل الاختتام، وهي جوائز مادية/مالية/تشجيعية. إذا كانت جوائز لجنة الأفلام القصيرة تقتصر على ثلاثة جوائز فقط: الجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم وجائزة السيناريو، فإن للجنة الأفلام الطويلة مساحة كبيرة بشملها لجوائز تقنية كالموسيقى والمونتاج والصوت والتصوير وكذا الأدوار الرئيسية والثانوية للجنسين (الذكور والنساء) إلى جانب جوائز السيناريو والعمل الأول وجائزة لجنة التحكيم فضلا عن الجائزة الكبرى.
كل هذه الأفلام المُبرمجة – الطويلة والقصيرة – يلتقي حولها الجمهور كل صباح لمناقشتها مع أصحابها من المخرجين والممثلين والتقنيين الحاضرين، وهي من العادات الجميلة للمهرجان. كثير من المتتبعين ينتقدون تلك النقاشات، وينتقدون ما يجري بها وبمستواها، وأنها بعيدة عن النقد والاحترافية، وغيرها من التصنيفات. فيما أجدها – شخصيا – في غاية الأهمية بما تتضمنه من عفوية وردود فعل وأشياء أخرى خفية يتم الفصح عنها حينها. ويثيرني أكثر ما ينطق به البعض داخل قاعة النقاش يناقض ما يدلو به خارجها حيث يعكس ذلك مستوى المواجهة بين قول الرأي بصراحة أو التحفظ. كما أن النقاش الذي يكون أحيانا على الهامش جد مهم بين الأفراد. وبالتالي فكل النقاشات سواء في “الداخل” أو “الخارج” أو على “الهامش” أو “مغلقة” أو “مفتوحة” وبكل الصيغ هي من اللحظات المهمة والجميلة في المهرجان الوطني، وأعتبرها حالة صحية حتى ولو أدت أحيانا إلى “الاحتكاك” و”النرفزة” بين البعض. كل هذه الأشكال تعطينا “صورة” واضحة عن معالم السينما التي نريدها أو يريدها غيرنا وكيفية التفاعل مع منتوج فني – وهنا السينمائي – الذي نؤسسه جماعيا. ولا ينبغي أن ننسى المساهمة الفعالة لغير المغاربة الذين يتابعون النقاش عن كثب ويساهمون فيه أيضا. لا يمكن أبدا أن يكون نقاش ما سلبيا على الإطلاق بقدر ما هو مثمر بالضرورة في نهاية المطاف. لا ينبغي الخوف مما يروج في القاعة خلال مناقشة الأفلام. إننا في حاجة ماسة إليه لأنه يخلق ديناميكية وحيوية في شرايين المهرجان. إنه أكثر من ضروري.