طنجة تفتح أبوابها لأفلام الشباب
أحمد بوغابة / المغرب
طنجة المدينة التي توجد في الباب الغربي للمتوسط نحو المحيط وتطل من فوق إقامتها بالجبل العالي على القارة الأوروبية، تستقبل لمدة 6 ايام الشباب السينمائي لأقطار حوض المتوسط للاحتفاء الجماعي بالفيلم القصير. وهكذا تعرف الدورة 11 لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي المنعقد بهذه المدينة من 7 إلى 12 أكتوبر الجاري تعديلات مهمة وبذلك خرجت من روتينيته. فأول خطوة تجسدت في الانتقال بشكل رسمي إلى الخزانة السينمائية بنفس المدينة كفضاء ثقافي متميز بعد أن كان في الماضي تقتصر العروض بها على الإعادة. وهذا في حد ذاته أعطي للمهرجان دفعة ثقافية باعتبار أن المهرجان في حد ذاته له خصوصية ثقافية رغم وجود مسابقة رسمية وجوائز التي هي مجرد تشجيع بدلالات مستقبلية أكثر مما هي مقياس للنجاح. كما كرس تغييرا آخر الذي بدأ قبل سنتين كنوع من التكريم إلى فقرة مستقلة لا تخضع للمسابقة لكنها تفتح آفاقا أمام أصحابها باعتبارهم سينمائيو المستقبل وهم طلبة المدارس. صبحية خاصة لبعض الأفلام المنتقاة وليست بالضرورة أفضلها. ويشكل مخرجوها أيضا لجنة تحكيمية موازية ورمزية فقط تُسمى “لجنة الشباب” لتسليم جائزة واحدة للأفلام المدرجة رسميا في المسابقة.
واختيار رئيس لجنة التحكيم الرسمية لهذه السنة، السيد محمد الكحص، بدوره له دلالته باعتباره كان وزيرا سابقا للشباب وكان قد حاول خلق أندية سينمائية وأنشطة مرتبطة بفنون السينما ليس في دور الشباب وإنما في الثانويات والإعداديات بالاتفاق مع زميله وزير التربية الوطنية محمد ساعف (الذي يترأس حاليا لجنة صياغة الكتاب الأبيض حول السينما المغربية الذي من المقر الاحتفاء به بعد عيد الأضحى في إطار اليوم الوطني للسينما الذي يصادف 16 أكتوبر من كل سنة).
الجميل في هذا المهرجان ـ الفيلم القصير المتوسطي ـ هو أن تُتابِع مجموعة من الشباب وهم كلهم حماس ويعدون بالكثير ويعرضون مآت من الأفكار لأفلام قصيرة ويتمنون أن يخرجونها طويلة. وطبعا مستعدون للنقاش، وهم متأكدون بأنهم سيقنعونك بفكرتهم السديدة. وقد تجد أيضا مَنْ هم صامتون ينصتون بخجل لما يُقال هنا وهناك. ليس كل ما يقولونه مجرد كلام لشباب متحمس يمكن أخذه مأخذ الجد كله ولا تركه كله. لكن ما هو أكيد في كل هذا هي الرغبة في تطوير السينما بجد.

ومن النقط الإيجابية في هذا المهرجان أيضا هو إدراك الشباب أن السينما في الأقطار المطلة على بحر الأبيض المتوسط لا تتشابه بل هي غنية بتنوعها، وغير متجانسة في ما بينها، وقد تكون متناقضة كليا مع بعضها وبالتالي فوجودها على حوض المتوسط لا يعني أنها تشكل “قطعة واحدة”.
هناك من يُعرِّف الأقطار المتوسطية بالتي تطل على بحر المتوسط فقط، وهناك من يعتمد على التعريف السياسي الذي كان قد حدده الاتحاد الأوروبي بعد اتفاقيات برشلونة سنة 1995 بإدماج الأردن رغم أنها بعيدة عن هذا الحوض المتوسطي إكراما لها على علاقتها بإسرائيل. وهناك من يعتمد على التاريخ القديم جدا بكون الأقطار المتوسطية هي التي تحتوي على شجرتي: الزيتون والتين. كل هذه العوامل لا تجعل من هذه الأقطار كتلة واحدة، وأن مياه البحر وحدها الموحدة لها، بمعنى علاقة طبيعية وجغرافية بينما الاختلافات السياسية والثقافية والاقتصادية عميقة جدا وزادت في تعميقها السياسة السلبية لأوروبا في الضفة الشمالية تُجاه مَنْ هي في الضفة الجنوبية مُكرسة ذلك بخلقها لجدار كثيف المتجسد في التأشيرة وهي نوع من الأنواع الحرب الحديثة وتأكيد على الاختلاف الجدري بين ضفتي المتوسط. علما أن طنجة لا تفرقها عن الضفة الشمالية إلا 14 لكم، نصف ساعة بالباخرة بينما بولونيا تبعد بمسافة طويلة عن باريس وروما. ولن أكرر تلك المقولات الجميلة حول العلاقات المشتركة والتاريخية بين الشعوب إلى آخر الآية لأنه مجرد كلام ليس إلا.
ربما كان عرض الأفلام القصيرة المغربية المُنتجة طيلة السنة في إطار بانوراما في كل ليلة تُعد فقرة مهمة لمن يريد الاطلاع على المنتوج المغربي برمته أثناء المهرجان الخاص بالفيلم القصير رغم أن كثير من تلك الأفلام لم يكن يتابعها الجمهور والمدعوين بسبب كثرتها من جهة حيث تبقى أحيانا إلى ساعة متأخرة من الليل، قد تصل إلى اليوم الموالي فلا يبقى إلا من يهمه الأمر وصانعوها. أمام عدد لا يتجاوز أصابيع اليدين. ربما يكون كثرة المهرجانات بالمغرب المخصصة للفيلم القصير هو الدافع الأساسي للاستغناء على “البانوراما”. وبقدر ما كان أصحاب تلك الأفلام يجدونها فرصة لعرضها في أهم مهرجان للفيلم القصير بالمغرب بقدر ما كان هناك من المدعوين الذين لم يكونوا يرون فيها مناسبة ما مهمة. ولا بد من الإشارة أيضا أن بعض المخرجين لتلك الأفلام لا يفرقون بين أن تُعرض أفلامهم في المسابقة الرسمية التي تخضع للقانون المنظم لها وبين عرضها في البانوراما كتكريم لها أو الاحتفاء بها لإعطاء فرصة لأصحابها مناقشتها على هامش المهرجان لأنها لا ييتم مناقشتها رسميا كأفلام المسابقة في الصبحيات المخصصة لها. لقد كان يرسل البعض منهم، للمهرجانات في الخارج، نبذة عنها وعن سيرتهم الذاتية على أنها شاركت في المهرجان دون تحديد الفقرة التي عُرضت فيها وهذا نوع من ّالنصب” سواء كان بوعي ومتعمد أو بغير ذلك أو بسذاجة أصحابها.
برمجة هذه السنة لها أهميتها أيضا إذ ستتيح مشاهدة أفلام المسابقة لعدد أكبر من الجمهور المحلي خاصة. فئة كبيرة من الجمهور لم تكن تتمكن من متابعة العروض بسب العمل اليومي الإلزامي فيمنعها مثلا من مشاهدة برنامج الظهيرة حيث يتأسف الكثيرون عند اختتام المهرجان بفوز بعض الأفلام بالجوائز وهم لم يشاهدونها. ففي هذه السنة يمكن للجمهور وحتى المدعوين أن يبرمجوا مشاهدتهم بالليل فقط لأنه سيتم إعادة الفقرتين للظهيرة والمساء في عرض شامل واحد في الليل.
وقد تميزت هذه السنة أيضا بوجود المخرجات الشابات بكثرة مقارنة مع السنوات الماضية إذ تشارك 14 مخرجة من بين 46 فيلما مشاركا في المسابقة وهو ما أعطى نكهة خاصة لهذه الدورة. وغالب تلك الأفلام التي تقف وراءها مخرجات شابات تتميز بنوع من العمق السينمائي والاجتهاد الفني.