الرائدة التسجيلية اسفير شوب

ترجمة و إعداد عدنان مدانات
اسفير شوبEsfir Chub))، مخرجة ومونتيرة سوفييتية أوكرانية الأصل تعتبر رائدة لما سمي بالفيلم الأرشيفي، حيث تميزت في أنها عملت على توليف( مونتاج) اللقطات الأرشيفية وتحويلها إلى أفلام جديدة غالبا ما كانت أفلاما رائعة. و بصفتها من رواد السينما السوفييتية، تمكنت من اكتشاف المبادئ الأساسية للمونتاج والتي جرى تطويرها لاحقا من قبل سينمائيين آخرين.
ولدت اسفير شوب في العام 1894 في اوكرنيا ، وانتقلت إلى موسكو كتلميذة، وفي موسكو أصبحت جزءا من حركة الفنانين الطليعيين وسرعان ما وجهت موهبتها باتجاه الأفلام. و وفقا للباحث غراهام روبرتس في كتابه” التاريخ اليوم” فإنها كتبت في مذكراتها أنها كنت تنظر إلى الفيلم باعتباره طريقة في التعبير عن كل ما هو رائع تحقق بفضل ثورة أكتوبر الاشتراكية، وأن حياة جديدة بدأت في وطنها. نتيجة اهتمامها بالسينما تقدمت اسفير شوب بعدة طلبات للعمل في السينما وكانت طلباتها ترفض لكنها ظلت تصر إلى أن حصلت على الموافقة للعمل في قسم السينما في مفوضية التنوير.

اسفير شوب

بدأت اسفير شوب العمل في مجال الأفلام في العام 1922وذلك بعد بضع سنوات من الثورة الروسية و تشكيل الحكومة السوفييتية. في ذلك الوقت لم يكن يتوفر في الاتحاد السوفييتي ما يكفي من المعدات التي تحتاجها صناعة الأفلام. إضافة إلى ذلك كانت السلطة الجديدة تسمح فقط بالأفلام التي تدعم مبادئها الأيديولوجية. ومن ضمن هذه الساسة كلفت الحكومة السوفييتية اسفير شوب بإعادة مونتاج و إعادة عنونة الأفلام الأمريكية لتصبح ملائمة للجمهور السوفييتي، وهذا كان يعني أن على الفيلم أن يعبر عن المثل السوفييتية و ليس الأمريكية.
كان عمل اسفير شوب الأول في هذا المجال إعادة مونتاج كاملة لفيلم شارلي شابلين” كارمين”(1916)، وكان هذا الفيلم هو أول فيلم لشارلي شابلين تتاح مشاهدته في الاتحاد السوفييتي. بعد هذا الفيلم تابععت اسفير شوب عملية إعادة مونتاج الأفلام الأمريكية وكان من بينها فيلم” التعصب”
(1916)، لدافيد وورك غريفت.
كانت اسفير شوب متأثرة بطريقة المونتاج عند دزيغا فيرتوف الذي كان يولف مقاطع فيلمية متنوعة و حتى غير متجانسة ليتوصل إلى بناء موضوع و تجسيد فكرة، لكن اسفير شوب لم تكتف بالاستفادة من هذه الطريقة بل قامت بتطويرها و إنتاج أفلام مجمعة حصرا من لقطات مصورة مسبقا، وخلال ذلك تمكنت في اكتشاف مبادئ المونتاح والعنونة( المقصود بالعنونة هنا اللوحات التوضيحية المكتوبة التي كانت تدخل بين مقاطع الفيلم) والتي استفاد منها و طورها لاحقا زملاء لها. و كما ورد في القاموس الدولي للأفلام و المخرجين، فإن اسفير شوب” أضافت إلى نبوغها في هذا المجال، أي مجال تجميع الفيلم من وثائق أرشيفية، القدرة على استخدام خلاق لكل أنواع اللقطات القديمة التي كانت تعتبر غير صالحة، وكانت تستخدمها مثلما يستخدم الرسام الريشة، وكما لو أنها مصورة خصيصا لها”.
لم تكتف اسفير شوب بإنجازها هذا بل شرعت بشكل خلاق تعمل في الأفلام الجديدة مع مخرجين مشهورين و منهم سيرغي ايزنشتاين الذي عملت معه في فيلمه الروائي” الإضراب”(1925) وكذلك فيلم” المدرعة بوتمكين”(1925) و فيلم” أكتوبر”(1928). كان التعاون بينها و بين ايزنشتاين ذو فائدة متبادلة للطرفين وجمعهما الاهتمام بتقنيات الفيلم الوثائقي.

أبرز أفلامها

يعتبر فيلم” سقوط سلالة رومانوف”(1927)، الذي يتناول فترة من التاريخ الروسي حتى انتصار الثورة الاشتراكية، و هو الجزء الأول من ثلاثية أفلام طويلة الفيلم الأبرز في مسيرتها السينمائية. أنجزت اسفير شوب فيلمه هذا بعد ثلاث سنوات من البحث المضني و التنقيب في أرشيف الجرائد الإخبارية المصورة بدءا من عام 1912 حتى عام 1917، وكذلك الأرشيف الشخصي للقيصر الروسي نيكولاي الثاني وفي مواد مصورة من قبل أصدقاء السلالة الحاكمة ومواد مصورة من قبل اثنين من لمصورين الرسميين والمواد المصورة من قبل المصورين المراسلين الحربيين، كما أنها اشترت أفلاما مصورة من أمريكا. ويتضمن الفيلم أيضا بعض اللقطات التي اضطرت اسفير شوب لتصويرها لكن فقط كي تملأ الفجوات التي صادفتها أثناء المونتاج. لم يكن الأستوديو الذي أنتج الفيلم راضيا عنه منذ بداية الفكرة و حتى الانتهاء منه لذا رفضوا الاعتراف بحقها لتسمية نفسها كمخرجة للفيلم. ويشير الباحث غراهام إلى أنه على الرغم من أن بعض المقاطع التي اشتغلت عليها كانت أطول من اللازم إلا أنها نجحت في تحويل نقطة الضعف هذه إلى قوة.
تكتب اسفير شوب حول طريقتها في التعامل مع مونتاج الوثائق في فيلمها هذا:” في المونتاج حاولت أن لا أجرد المادة الأرشيفية بل أن أؤكد على مبدأ وثائقيتها، وكل شيء يخضع للموضوع. ولقد تمكنت بذلك، وعلى الرغم من قلة الحوادث التاريخية المصورة، من أن أربط المادة بحيث تنبعث على الشاشة سنوات ما قبل الثورة و أيام الثورة”.
أخرجت اسفير شوب بعد ذلك الجزء الثاني من هذه الثلاثية وهو فيلم” الطريق العظيم”(1927)، وهو أيضا يعتمد على أرشيف الجرائد الإخبارية المصورة للفترة من 1917 حتى 1927. وفي هذا الفيلم طورت من وسائلها مستخدمة اللوحات المكتوبة و مقتطفات من الصحف.
في العام 1928 أنجزت الجزء الثالث وكان بعنوان” روسيا نيقولاي الثاني و ليف تولستوي”.
أنجزت اسفير شوب بعد هذه الثلاثية الكثير من الأفلام الوثائقية. اشتهرت اسفير شوب أيضا بكونها كاتبة، واستمرت في العمل حتى رحيلها في العام 1959.


إعلان