وهران : الوهر لمصر وسوريا وجائزة القصير للجزائر
ضـاوية خـليـفـة – وهـران
لأول مرة في تاريخ مهرجان وهران للفيلم العربي تمنح الجائزة الكبرى مناصفة، فكان الوهر الذهبي لسنة 2013 لسوريا ومصر الأولى عن فيلم “مريم” لباسل الخطيب والثانية عن فيلم “هرج ومرج” لنادين خان التي أشاد الجميع بفيلمها وتوقع كل من شاهده بأنه سيحض بإحدى أهم جوائز الدورة بعدما اتضح الفرق بينه وبين باقي الأعمال الأخرى المعروضة والتي وصفها الكثير بالضعيفة والقريبة من عالم الهواة خاصة من ناحية السيناريو الذي كان الغائب الأكبر، كما غابت الجزائر تماما في صنف الأفلام الطويلة إذ خرجت خالية الوفاض لولا فيلم كريم موساوي “قبل الأيام” الذي حفظ ماء الوجه فمنحه التونسي “رضا الباهي” وأعضاء لجنته جائزة أحسن فيلم قصير، أما جائزة أحسن وثائقي فعادت لمهدي فليفل عن فيلمه “عالم ليس لنا”، وبالعودة إلى جوائز الفيلم الروائي الطويل منحت جائزة أفضل سيناريو لفيلم “صدى” للمخرج السعودي سمير عارف، أما الفيلم المغربي “المغضوب عليهم” لحسن البصري فخرج من المهرجان بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، في حين تقاسمت كل من “يارا أبو حيدر” من لبنان و”تهاني سلوم” من الأردن جائزة أحسن أداء نسوي، وعن دوره في فيلم “خميس عشية” لمحمد دمق فاز الممثل التونسي “فتحي الهداوي” بجائزة أفضل أداء رجالي، في حين منحت اللجنة جائزة أحسن انطلاقة للمخرج الإماراتي “نواف الجناحي” عن فيلمه “ظل البحر”، باعتبار أن هذه الدورة خصصت لأصحاب أول تجربة إخراجية، مما يسمح لأي مبدع أن يقارن نفسه بالآخرين ويعرف مستواه ويقيّم أولى تجاربه في عالم الكتابة والإخراج، وهو ما خلق فعلا التباين بين مخرجين لم تتعدى أفلامهم حدود الهواة وأخرى تؤكد أن العالم العربي يمتلك مشاريع مخرجين محترفين بإمكانهم إكمال مسيرة الأوائل وحمل قاطرة السينما العربية مستقبلا وإيصالها إلى بر الأمان، أما جائزة الصحافة التي استحدثت هذا العام فعادت للفيلم الأردني “لما ضحكت موناليزا” لفادي جورج حداد، فيما سجل حفل الاختتام تخلف العديد من السينمائيين والمتوجين عن الموعد فتسلم غيرهم الجوائز نيابة عنهم، كما غابت أيضا جائزة أحسن إخراج التي تم تعويضها بجائزة أحسن انطلاقة مما يدل فعلا على ضعف مستوى الأعمال التي اقترحت على المشاهد هذا العام …

إجماع على تدني المستوى
اعتبرت “ربيعة موساوي” محافظة المهرجان الطبعة السابعة أنجح دورة منذ بدأ هذا الأخير وقد يفهم من عكف على متابعة العروض السبب وراء هذا التقييم المليء بالغرابة والسذاجة وهو الغياب الغير مبرر والملفت للانتباه لها في قاعات العرض وفي باقي النشاطات المقامة على الهامش، لكنها اضطرت لتفنيد وتكذيب غيابها بعدما تناولت الصحف الجزائرية الأمر لتكتفي ببعض الطلات في الأيام أو الساعات الأخيرة من عمر المهرجان، وبالمقابل كان للإعلاميين والسينمائيين الحاضرين رأي مناقض لتقييم موساوي، إذ اعتبروها أفشل دورة للمهرجان مبدين تخوفهم من زواله قريبا نظرا للاضطرابات التي يعرفها في السنوات الأخيرة وتداول بعض الدخلاء على لجنة التنظيم، ولأنه أيضا لم يعد يعرف نفس الصدى الذي كان عليه سابقا حتى لو قارناه بالطبعتين الأخيرتين سواء من ناحية الإقبال الجماهيري اليومي أو قياسا بالنجوم والسينمائيين الوافدين إليه مؤخرا، هذا وقد سجلت التظاهرة هذه السنة تقلص الحضور الإعلامي العربي والدولي وغياب الكثير من الأقلام الإعلامية النقدية التي كانت تشكل إضافة للحدث في الطبعات السابقة لاسيما تلك التي كانت محافظها “حمراوي حبيب شوقي” الذي لا يزال الكثير يشيد بالمهرجان أيامه وبالمجهود الذي كان يبدله وفريق عمله لإنجاح التظاهرة العربية الوحيدة التي تحتفي بسينماتنا، لكن الشهادة التي نالها مهرجان وهران للفيلم العربي وبالإجماع أنه مكسب حقيقي للسينمائيين العرب وبإمكانه أن يكون في حال أحسن المنظمون تسييره وتنظيمه من أنجح وأكبر المهرجانات السينمائية على المستوى العربي والدولي أيضا، وفي سياق أخر لاحظ العديد من الذين اعتادوا حضور ومتابعة فعاليات مهرجان وهران للفيلم العربي الذي يشاع أنه سينتقل العام المقبل إلى مدينة قسنطينة بمناسبة تنظيمها سنة الثقافة العربية على تدني مستواه التنظيمي وضعف الأعمال المنتقاة التي أتت مخيبة للآمال، كما أن غياب السيناريو في الكثير من الأعمال المعروضة جعل الجميع يتساءل إن كان العالم العربي يفتقر لكتاب سيناريوهات لهذا الحد.
مشاكل في السيناريو، ودعوة للاهتمام أكثر

اعترف المخرج “أحمد راشدي” رئيس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة بالمستوى الضعيف للأعمال المشاركة محملا المحافظة ولجنة الاختيار كامل المسؤولية، وعن الكواليس قال راشدي أن العمل كان وفقا للمعايير المنصوص والمتعارف عليها المبنية على أسس علمية موضوعية، ونقاش ساده الحوار الديمقراطي واحترام كل الآراء، يضيف “وفي حال اختلفنا كنا نتجه للتصويت ولم تمارس علينا أية ضغوطات خارجية فلم نقيّم الأفلام بجنسياتها أو توجهاتها السياسية بل بقيمتها الفنية والجمالية”، كما تأسف صاحب العفيون والعصا على مستوى الأفلام الجزائرية المشاركة في هذا الصنف، وبغية الارتقاء بالمهرجان مستقبلا خرجت اللجنة بجملة من التوصيات أبرزها استحداث ورشات تكوينية وتأطيرية في مجال كتابة السيناريو نظرا للضعف المسجل في أفلام هذه الدورة، كما دعت أيضا إلى ضرورة وضع مرجعية لانتقاء الأعمال المشاركة في الطبعات القادمة، وبالمقابل ثمنت اللجنة اهتمام القائمين على المهرجان بأعمال الموجة الجديدة من السينمائيين لمعرفة توجهات السينما العربية مستقبلا فهذه الدورة سمحت بمعرفة مختلف الروئ والأفكار التي يحملها الشباب العربي ويدافع عنها.
أما لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية برئاسة الجزائري “نبيل حاجي” فقد أوصت هي الأخرى بضرورة الاهتمام بهذا النوع السينمائي الذي بات يحتل مكانة هامة في المنطقة العربية وكذا زيادة عدد الجوائز وقيمتها المالية، وفي تقييمه العام لمستوى الأفلام الستة قال حاجي : “عدد الأفلام في صنف الوثائقي لم يكن متوازنا مقارنة بالروائي الطويل والقصير، فالعالم العربي في السنوات الأخيرة يشهد نقلة نوعية في هذا المجال ولا يجب أن يقتصر مستقبلا على ستة أفلام فقط، هذه الأخيرة كانت متباينة في السياق العام وأيضا على مستوى الشكل حيث كان الانقسام بين مخرجين متمكنين من تقنيات الصناعة السينمائية واللغة والتعبير السينمائي ومخرجين لا يمتلكون تجارب سابقة في المجال مما صعب علينا المهام كلجنة تحكيم” ولهذا دعا نبيل حاجي إلى زيادة عدد الأفلام الوثائقية وتعزيزها مستقبلا لكي يكون هناك انفتاح أكثر على تجارب مختلفة وموضوعات تعيشها المنطقة العربية بزخمها الثقافي والحضاري وبعدها التاريخي لأننا نعيش في الوقت الراهن ثورة الفيلم الوثائقي، كما اعتبر تخصيص دورة المهرجان هذا العام للفيلم الأول مهم جد واختيار موفق سمح باكتشاف مواهب تستحق كل الدعم والمتابعة، وبالمناسبة دعا الشباب المهتم بالأفلام الوثائقية ليكون أكثر دقة وتركيز وأن تقوم أفلامه على البحث بدل التسرع خاصة إن كان يملك المخرج موضوعا واضحاً وقيّماً، فبالتالي وجب عليه صياغته بشكل جيد يخدم العمل من كل جوانبه، لأن التسرع قد يقلص المسافة بين المخرج وفكرته ويقصد بالمسافة هنا البحث والتدقيق حتى يكون العمل منسجم في صياغته السردية باعتبار أن هذا النوع لديه مكانة مهمة في الوطن العربي ويجب مراعاة هذه الجوانب في بنية العمل الوثائقي، يضيف قائلا: “فيه سينمائيات وليدة لا يمكن الحكم عليها بالتسرع لكن على العموم تبقى أفلام ومحاولات تستحق كل الدعم والاهتمام لكن غياب الأرضية والثقافة السينمائية والرؤية المتبصرة للعمل ككل جعل هذه الأعمال دون المستوى المرجو والمطلوب، شخصيا لا أعترف بالسينما العربية كمصطلح إنما كل بلد يعيش تجارب مختلفة وجب على كل مبدع ترجمتها بلغة سينمائية راقية تليق بمقام تلك الموضوعات”.
هل مستقبل الجزائر سيكون في الفيلم القصير …

مشاركة الجزائر هذا العام كانت ضعيفة بدليل أنها خرجت بجائزة واحدة ووحيدة والمتمثلة في جائزة أحسن فيلم قصير لكريم موساوي عن فيلمه “قبل الأيام”، مع العلم أنها دخلت بفيلمين في فئة الأفلام الطويلة “العلبة” لجمال بلوصيف و”أيام الرماد” لعمار سي فضيل، الأول كان أقرب للوثائقي ولم يشد إليه المشاهد والثاني تنقصه الكثير من التفاصيل الواجب توفرها في أي عمل سينمائي فجاء خاليا من روحه، أما في صنف الأفلام القصيرة كانت السينما الجزائرية ممثلة ب “ساحة بورسعيد” لفوزي بوجمعي، “قندورة بيضاء” لأكرم زغبة، “المنفى” لمبارك مناد الذي اكتفى بتنويه خاص، في حين كان وثائقي “الورشة” الممثل الوحيد للجزائر للفيلم الوثائقي في هذا الصنف، فاحتفاظ الجزائر للسنة الثانية على التوالي بجائزة أحسن فيلم قصير لأكبر دليل على أن المستقبل السينمائي ببلادنا مرهون بنظرة هؤلاء الشباب لواقعهم وإيمانهم بأفكارهم ومدة تمسكهم بها فنقص الإمكانيات كان من أكبر التحديات التي شكلت منطلقهم، كلام تأكد اليوم مع المخرج كريم موساوي والعام الماضي مع المخرج الشاب أمين سيدي بومدين بفيلمه “الجزيرة” الذي أنتجته ثالة فيلم التي يديرها “ياسين بوعزيز” هذا الأخير الذي قام بإنتاج العديد من الأفلام القصيرة في إطار مشروع هادف، فلم ينتظر أي دعم حكومي بل بحث بنفسه على مصادر تمويلية أخرى للاستعجال بتجسيد مشاريع سينمائية هامة باتت الآن تمثل الجزائر في العديد من المهرجانات الدولية وتخرج منها بسمعة طيبة وتتويجات هامة تشرف السينما الجزائرية.
واقع يفرض نفسه
شكلت تيمة الوطن، الهوية، الذاكرة والمرأة أهم مواضيع الدورة السابعة التي سميت بدورة الفيلم الأول، ورغم النية التي تبديها، تجهر بها أو تسرها في كل مرة لجنة التنظيم في الابتعاد عن موضوع الثورات التي تطغى وتفرض نفسها على مواضيع أفلام المخرجين العرب إلا أن هؤلاء لم يتجردوا من الأوضاع التي تعرفها بلدانهم ومن الاضطرابات التي يعيشها عالمنا العربي الذي يبقى مبدعوه يسايرون ويواكبون الشأن الداخلي رغم تسارع وتيرة الأحداث وتأزمها، كفيلم “مريم” لباسل الخطيب الذي أراد من خلال شخصية مريم التي ترمز لسوريا إلى المؤامرات التي عاشتها على فترات مختلفة بإسقاط كبير على ما تعيشه حاليا وان كان أهم ما يميز العمل الأداء الرائع للممثلين وكذا جمالية، جودة ودقة الصورة التي قدمها فريق عمل مريم، وكذلك فيلم “عصفوري” للمخرج اللبناني “فؤاد عليوان” الذي شخّص بلد بحجم لبنان في عمارة تركها أهلها شبابا وكهولا غير أن العمل كان يمكن أن يأخذ بعدا أخر ونهايته تكون أحسن لو تمسك المخرج بالعمارة التي بنا عليها عمله فلبنان يجب أن يعمر كما قال وديع الصافي في إحدى روائعه لا أن يترك مهجورا ليأخذه في الأخير غيره، وبالمقابل برزت خاصة في صنف الأفلام القصيرة قضايا المرأة مثلا في فيلم البحريني “عمار الكوهجي” الموسوم ب “سكون” وفيلم المخرجة الأردنية زين دوراي “الأفق”، بينما اتجهت أفلام أخرى للبحث عن الهوية والتنقيب في ذاكرة الإنسان الحية.
تأملات مستقبلية

يعرف على مدينة وهران حركيتها الدائمة التي تدوم لساعات متأخرة من الليل وكذا تعلق أهلها بالفن والثقافة ووفاءهم لهذا المهرجان الذي أصبحا مكسبا يليق بمقام الباهية، أناسها وضيوفها، لكن أي مصير ينتظر هذه التظاهرة التي تعيش مدا وجزرا دائمين، كيف لا والمنظر الأخير الذي فارقنا عليه الباهية وهران كان قاعات العرض بما فيها سينما المغرب التي عجت بالسينمائيين، النجوم والجماهير قد أقفلت أبوابها الخوف وكل الخوف أن لا تعيد فتحها للجماهير إلا بحلول ثامن طبعة، مع العلم أن رئيس دائرة السينما بوزارة الثقافة والمكلف بالجانب التقني في المهرجان “عبد الكريم آيت أومزيان” أكد العام الماضي أن الوزارة الوصية ستتكفل بنفسها بعملية ترميم قاعات السينما لتكون جاهزة لاحتضان عروض المهرجان لكن لم يحدث ذلك مع العلم أن قاعات السينما في الجزائر تابعة للبلديات أي المحافظات الخاضعة بدورها لوزارة الداخلية والجماعات المحلية عوض خضوعها لوزارة الثقافة، فهل ستبقى القاعات مقفلة إلى بزوغ نجم وضوء الطبعة الثامنة ؟؟؟
للإشارة فان الدورة السابعة من مهرجان وهران للفيلم العربي عرفت تكريم ثلاث شخصيات وقامات بارزة على المستوى العربي المخرج الجزائري القدير “أحمد راشدي”، الفنان السوري “أسعد فضة” والفنانة المصرية “ليلى طاهر”، ومشاركة 15 دولة ممثلة ب 14 فيلم روائي طويل، 18 فيلم قصير و 6 أفلام وثائقية، فضلا على تنظيم العديد من الورشات والندوات منها ما تعلق بالإنتاج والنقد السينمائي، و تسيير المؤسسات الثقافية وغيرها.