حروب أمريكا القذرة!

محمد موسى
يَّطلق الأفغان عليهم إسم: ” الأمريكيون الطالبان”. لا أحد يعرف مكان قواعدهم ومتى يظهرون وأين يتوجهون ولماذا يضربون أهدافاً بعينها ويقتلون مدنيون. هم أعضاء الوحدة العسكرية الأمريكية السريّة (JSOC)، التي تعمل وفق أجندة خاصة في أفغانستان، ولا تتبع سلطات الجيش الأمريكي او الحكومة الأفغانية.لم يَّجد الأفغان، غير النموذج “الطالباني” ، لوصف “وحشية” هذه الوحدة العسكرية الأمريكية، والتي أطلق أعضائها، شعورهم ولحاهم، ليشبهوا الصورة الشائعة عن أعضاء تنظيم الطالبان او رجال ما قبل المدنيّة. يُشاع إن هذه الوحدة هي التي تقف وراء مئات عمليات الإغتيال في أفغانستان، وإن فروع هذه المنظمة في العالم، هي المسؤولة عن الحروب السريّة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات ضد تنظيمات وأفراد في الشرق الأوسط. يسعى الفيلم التسجيلي الجديد “حروب قذرة” للمخرج الأمريكي ريتشارد رولي، أن يَكشف تفاصيل أكثر عن هذه المنظمة السريّة، لكنه سيصطدم بصعوبات عدة، يغدو بسببها مهمة إثبات وجود المنظمة صعب بمكان، ناهيك عن التحقيق بما إقترفته هذه الأخيرة، مما يُنسب لها من جرائم.

يختار الفيلم التسجيلي “حروب قذرة” أن يبدأ مهمته التحقيقية من أفغانستان، بحادثة حفل زفاف أفغاني عادي قبل عام ونصف. الحفل، الذي صورته كاميرات هواتف بعض المدعوين، سينقلب في دقائق الى مأتم، عندما هاجمت قوة سريّة أمريكية خاصة، ضيوف حفل الزفاف من الجو، وقتلت نساء ورجال من عائلة واحدة. التحقيق سيأخذ فريق الفيلم الى اليمن، والصومال، مروراً على ولاية نيومكسيكو في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث ولد أنور العولقي، الأمريكي من الإصول اليمنية، والذي تم إغتياله في اليمن في عام 2011.

سيتصدى الصحفي الأمريكي جيريمي سكاهيل، لمهمة التحقيق. هو ساهم أيضا في رسم خطوط وكتابة السيناريو الخاص بالفيلم. “حروب قذرة” هو الإطلالة التسجيلية الإولى للصحفي الشاب، الذي عرف بتغطياته الصحفية لحروب يوغسلافيا والعراق، وخاصة من الأخير، اذ كان من أكثر الصحفيين الغربيين الذي اقتربوا من نشاط مؤسسة “بلاكووتير” السريّة في العراق. لا يختلف جوهر فيلم “حروب قذرة” عن عما قام به جيريمي سكاهيل في العراق، من جهة محاولة تعريّة تنظيمات حكومية أمريكية سريّة، تعمل بالخفاء وضمن قنوات مختلفة كثيراً، عن النشاط العلني للسلطات الرسميّة الأمريكية.

ستكون منظمة ” JSOC ” هي هدف الصحفي الأمريكي هذه المرة. لكن، وبسبب الطبيعة السريّة لهذه المنظمة، لن يتعدى الحديث او المعلومات التي يوردها الفيلم عنها خانة التخمينات وأحيانا الشائعات، صحيح إن الفيلم يُقدم مقابلة مع عضو سابق من هذه المنظمة، لكنها لن تكون كافية لإثبات نشاط او حتى على وجود هذه المنظمة، خاصة إن المقابلة لم تُظهر وجه ذاك العضو السابق (بسبب رغبته في الإبقاء على هويته مخفيّة خوفاً من الملاحقات)، وبالتالي لا يمكن لأي جهة خارجية محايدة، التحقيق في شهادته ومدى شفافيتها. يحاول الفيلم الإلتفات على عقبة غياب المعلومات، بإثارة الأسئلة ضربات أمريكية تطال  دول شرق أوسطية عدة، وربطه بالثمن البشري الذي يدفعه أبرياء، فيقدم مثلاً شهادات مؤثرة لعوائل الذين قتلوا في حفل الزواج الأفغاني، واخرى مُقلقة، عن أفغان عاديين كانوا متعاطفين مع التدخل الأمريكي في بلدهم، يحملون اليوم غضباً، يكاد يتحول الى أفعال عنف ضد الوجود الأمريكي، بسبب ما يُحدثه الأخير من فوضى في بلدهم. مدنيون يمنيون يقدمون بدورهم شهادت لا ينقصها العاطفية، عن الأعمال العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية في بلدهم منذ سنوات. أحد الزعماء المحليين اليمنيين سيأخذ جيريمي سكاهيل من يده ليريه بقايا الصواريخ الأمريكية الذكية، التي تطلقها طائرات بلا طياريين ضد أهداف من تنظيم القاعدة في اليمن، كما يلتقي الفيلم نساء يمنيات فقدن أولادهن وأفراد من عوائلهن بسبب الصواريخ تلك. الفيلم سيزور أيضا الصومال، البلد المنسيّ تقريبا. هناك سيقابل الصحفي الأمريكي ،على عجل، بعض زعماء البلد المُقطع الأوصال، من الذين ينفذون، وحسب الفيلم، السياسية المخابراتية السريّة نفسها للولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تتضمن عمليات إغتيال لمعارضين.

ستختلف مقاربة المخرج لإغتيال الأمريكي من الاصول اليمنية أنور العولقي، عن الحوادث الإخرى في الفيلم، فيتم التركيز على الإنتهاك الصارخ الذي قامت به حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لقوانينها، بقتل أحد مواطنيها، بدون محاكمة، وهي العملية التي تبعتها إخرى في اليمن في العام ذاته، أدت لقتل إبن العولقي، الذي لم يتعدى الخامسة عشر، بصاروخ أطلق ايضا من الجو. يُّذكر الفيلم بحماسة شديدة إن العولقي وإبنه، هم مواطنان أمريكيان، وإن جنسيتهما لم تنجيهم من العقاب الذي أصدرته السلطات الأمنية، والذي كان يجب أن يمّر عبر ممرات القانون الأمريكي.

رغم أهمية الإتجاه التحقيقي للفيلم، وإخراجه لقضية، مثل الحرب المخابراتية السريّة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، من دائرة التداول المحدود والمتهم بالهوس بنظريات المؤامرة ، الى فضاء أوسع، الا إن الفيلم، وبسبب قِلة الأدلة على بحثه، إتجه الى التلاعب بمشاعر المشاهدين، عن طريق مشاهد وإساليب عاطفية نمطية، بعضها من إبتكار السينما والتلفزيون الأمريكيين، كما من الممكن تَلمس تأثيرات سينما المخرج التسجيلي الأمريكي المعروف مايكل مور، (والذي تربطه علاقة مهنية بالصحفي جيريمي سكاهيل، إذ عملا معا في مشروع تلفزيوني للأول قبل بضعة سنوات) منها حضور المخرج، او الشخص الذي يقود التحقيق في معظم مشاهد الفيلم، فجيريمي سكاهيل سيهمين بحضوره على معظم مشاهد الفيلم. وإذا كان من المفهموم أن يركز المخرج على جيريمي سكاهيل في مفاصل معينة من الفيلم، وخاصة في المشاهد  التي ترافقه في مكتبه الصغير، وهو يحاول أن يحل ألغاز القضية، عندها يكون من المَقبول فنياً، أن تبرز  الكاميرا أزمة ووحدة فرد يواجه أسرار الدولة الكبيرة والمُحكمة ، فإن حضور مماثل له في مشاهد إخرى ، كالمشاهد الليلة في مدينة نيويورك ، حيث يعيش الصحفي ، او تلك المُعتنى بإخراجها في اليمن ، كانت زائدة وبدت مهتمة بالترويج للصحفي وما يفعله على حِساب المُهمة التي يقوم بها. 


إعلان