العادات والتقاليد الاجتماعية في الوثائقي الكوردي
إقصاء للغجر، وختان للنساء، وحرق للأعضاء التناسلية للأطفال!
عدنان حسين أحمد
مآسٍ غير مروية
على الرغم من هيمنة الخطاب التحريضي في برنامج الأفلام الوثائقية في الدورة الثامنة لمهرجان السينما الكوردية إلاّ أن هذا لا يمنع من وجود أفلام أخرى متنوعة في ثيماتها ومضامينها، بل أن بعضها مثير ولافت للنظر مثل الفيلمين اللذين يرصدان الغجر في كوردستان العراق وتركيا وهما “غجر آذار” للمخرج العراقي الكوردي هكار عبد القادر، و “غجري” للمخرج الكوردي التركي خليل آيغون. يصف هكار حياة العوائل الغجرية في كوردستان العراق بالقصة غير المروية، أي بمعنى المحجوبة أو المسكوت عنها، وكأنّ هؤلاء الغجر لا قيمة لهم، ولا ضرورة لوضعهم في سلّم الأولويات. يستقصي المخرج هكار عبد القادر في هذا الوثائقي الظروف الصعبة التي تعيش فيها هذه العوائل “المنبوذة” اجتماعياً. ويمكن تلمس “العار” الذي تشعر به هذه العوائل لمجرد كونها غجرية فلا غرابة أن تتعرض للتفرقة العنصرية من جهة، وللنبذ الاجتماعي من جهة أخرى على الرغم من أن لديهم قائداً يستطيع أن يتحدث للسلطات ويحصل لهم على بعض الحقوق والامتيازات، ولكن هل يداوي هذا الأمر عللهم التي تؤرق حياتهم على الدوام؟ هذا ما يقوله المخرج في النبذة المختصرة التي عزّز بها دليل المهرجان كمدخل للولوج إلى فضاءات فيلمه الذي يستمر لمدة “40”. إن التركيز على قضية إنسانية من هذا النوع هو الذي يضع المتلقي إزاء مخرج جاد بذل جهداً كبيراً في تحقيق هذا الفيلم وتقديمه إلى المشاهدين برؤية فنية واضحة يمكن استشفافها على مدار هذا الفيلم الناجح الذي يهزّ المتلقي ويضعه ليس في دائرة التعاطف وحدها، وإنما يحضّه على الانتصار لهذه القضية الإنسانية المنسية.

يتصدى في الجانب التركي المخرج الكوردي خليل آيغون لموضوع الغجر نفسه على مدى “22” دقيقة حيث يوضح منذ مفتتح الفيلم بأن كلمة “Dom” هي الاسم الأصلي للغجر. يصور الفيلم مجموعة محددة من الغجر الذين يتخذون من نصيبين التركية مكاناً لهم حيث يعيشوا مبعثرين في مناطق ساشعة، وأكثر من ذلك فهم منبوذون، وغير معترف بها اجتماعياً أو حكومياً بحجة أنهم أقوام رُحّل ينتقلون من بلد إلى آخر تبعاً لمعيشتهم وتحصيلهم للرزق. ومما يزيد الطين بلّة أن قدرتهم على الكلام باللغة التركية محدودة الأمر الذي يعيق تواصلهم بالمجتمع التركي المكوّن من قوميات وأعراق عديدة. ومع كل هذا الإقصاء والتهميش إلا أن “دوم” تركياً قد حافظوا على هويتهم الثقافية المميزة خاصة من خلال الحفاظ على ذخيرة كبيرة من الأغاني التقليدية التي تُغنّى غالباً بمصاحبة آلة موسيقية وحيدة الوتر.
الموروث اللغوي
وطالما نحن في إطار الموروث الثقافي فلا ضير أن نتوقف قليلاً عند فيلم “أين لغتي الأم؟” للمخرج الكوردي التركي ولي قهرمان حيث يلامس هذا الفيلم الذكي بحساسية عالية قضية الحفاظ على الموروث اللغوي. فمصطفى في الفيلم رجل مريض، لكنه قلق جداً على لهجته، وخائف عليها من الاندثار والضياع. فهو يتحدث اللهجة “الزازاكية” الكوردية التي يستعملها الكورد في كوردستان الشمالية، لكن أطفاله، وهم جزء من الجيل الجديد، غير راغبين في تعلّم هذه اللهجة وهو مجبر لأن يتخذ قرارات غير عادية كي لا تفوتهم الفرصة في أن يحافظوا على ثقافتهم وموروثهم الاجتماعي الذي توارثوه خلفاً عن سلف.
تغري العادات والتقاليد والاجتماعية مخرجي الأفلام لأن يوثقوها بأعمال فنية تظل خالدة في الذاكرة الجمعية للناس. ومع أن الأطفال في كل مكان يحتاجون إلى تربية وتعليم دائمين إلاّ أن العقوبات البدنية محرّمة وممنوعة في المجتمعات المتطورة، لكننا في البلدان النامية التي لم تقطع أشواطاً متقدمة في العلم والمعرفة وبناء الإنسان لا نجد حرجاً في أن نعاقب أبناءنا بجحة تربيتهم تربية سليمة. إذن، فالعقوبات القاسية التي يفرضها الآباء على أبنائهم هي بحد ذاتها مشكلة مقلقة، لكن ما الذي يمكن أن تتوقعه حين تأخذ العقوبات طابع الحرق بالملاعق المعدنية الساخنة التي تُضغط بقوة على أيدي وبطون الأطفال؟ هذا هو موضوع فيلم “ملعقة” للمخرج الإيراني الكوردي جلال ويسي. لقد قرّر هذا المخرج أن يتابع في فيلمه الوثائقي القصير القصص المروّعة لعدد من الأطفال الذين تعرضوا لعقوبات مرعبة أكثر قسوة من الحرق، فثمة أطفال ثلاثة يتابعهم المخرج في هذا الفيلم وقد تعرضوا إلى حرق أعضائهم التناسلية باسم التقاليد الاجتماعية المتخلفة!
استئصال اللذة
في الإطار ذاته تتناول المخرجة العراقية الكوردية تافكه محمد في فيلمها المعنون “رماد” موضوع ختان النساء المعروف “ببتر الجزء الحساس من الأعضاء التناسلية” والذي لا يزال يمارس في بعض مناطق كوردستان التي حققت تقدماً ملحوظاً في البناء والعمران وتوفير الخدمات. تسلط المخرجة الضوء على اثنتين من النساء اللواتي عانين من هذه التجربة القاسية التي يجب أن يوضع لها حد كي لا تحطم نسوة أخريات يفقدن الإحساس باللذة جرّاء هذا التقليد البربري المتخلف.

التحرش الجنسي له حصته في هذا المهرجان، ففي فيلم “بيت” للمخرج الكوردي التركي أبو بكر جيتينكايا الذي يؤكد بأن التحرش الجنسي بالأطفال هو موضوع محرّم لم يعالجه الكثير من المخرجين الكورد لحساسيته، لكن هذا الفيلم يروي قصة خمس نساء تعرضن للتحرش المنظم والدائم من قبل أناس يُفترض بهم أن يوفروا لهن الحماية والأمان.
لا يختلف فيلم “طفل” للمخرج محمد بيازداغ، من أكراد تركياً أيضاً، عن الفيلم السابق من حيث إساءته للمواطن الكوردي. ففي هذا الفيلم عرائس في عمر الزهور يؤخذن من عوائلهن ويجبرن على العيش كزوجة ثانية، وفي بعض الأحيان يضطررن للعيش مع أسر معادية لعوائلهن. يخوض هذا الفيلم في قضية الزواج القسري الذي يرتبه الآباء في القرى النائية وخاصة حين تكون الفتيات في سن مبكرة.
لم تقتصر هذه العادات والتقاليد البالية على المضارب الكوردستانية حسب، وإنما تجاوزتها إلى الكورد الذي يعيشون في المنافي الأوروبية. وفيلم “بناز: قصة حُب” لديّاه يتناول خلال سبعين دقيقة قصة الضحية التي تسردها بكلماتها لأول مرة، كما يروي الفيلم قصة فريق الشرطة الذي رفض أن يتخلى عن القضية قبل أن يجلب قتلة بناز إلى العدالة.
ثمة موضوعات أخرى لا تقل أهمية عما تناولناه مثل التهريب الذي يعتبر في نظر البعض أنه مهنة لتحصيل الرزق الحلال ولا يجدون أي حرج في طرح هذا الموضوع وتناوله من زوايا مختلفة. كما أن هناك موضوعات أخرى تتعلق بالأديان المحلية مثل الطقوس الإيزيدية، والترحيل القسري الذي يمارس بقسوة في القرى الكوردستانية بجنوب شرق تركيا سنخصص لها دراسة نقدية منفردة.