“واو الوصل”… وصل العمل الجماعي

درويش درويش
يغيّب هولُ القصف والرصاص، وانهمارُ القذائف والبراميل المتفجرة وصواريخ سكود ورعب استخدام السلاح الكيماوي، الكثير من التفاصيل التي يعيشها المواطن السوري، ولا تقصّر بالاتجاه عينه المعركة السياسية الحامية الوطيس، بلاعبيها الكثر، في زيادة طمس  الحياتي، والتعتيم على كوارث لا تقل عن المذكورة أعلاه فداحةً في جرح وهتك نفسيات من بقوا أحياء، في المستوى المستور من الحياة المعاشة لشعب بأكمله بات يقبع تحت وطأة اللامعقول بإطلاق الكلمة.
سيتسل�� مشروع لمجموعة من الشباب السوريين اسمه “واو الوصل” عبر كل هذه الأشواك والحراب والدبابات وفوهات المدافع، وجعجعة السياسة ودهاليزها ومتاهاتها، ليلتقي بالمواطن العادي القابع هناك، في الداخل المحرر على وجه الخصوص، ويصلنا به وبحياته عن كثب، ويصله بنا. وما القناة الواصلة بين داخل الهول وخارجه وبين مكونات البيئة ذاتها إلا كاميرا بيد ناشط/ ناشطة، وحدها فاعليته/ها، ما يحمّل المادة الموِّثقة، معناها وزخمها.
هكذا تكسِرُ كاميراتُ واو الوصل حصاراً مطبقاً مفروضاً على جريمةٍ مستترة، كي لا تخرج إلى العلن وتُفتَضح، وهكذا يغدو صوت السوري المحاصر مسموعاً، بمعية مجادله “المتحيز بحيادية” وبعدسة/ أنثى متآلفة مع المكان، لا تغترب عن أناسه الحانية عليهم.
فيما أسماه شبابُ المجموعة “حَمْلة الأطفال والسلاح”؛ سنشاهد في مادة فيلمية تسجيلية بعنوان “إيمان” مسدساً مصوباً إلينا، بيد طفلة صغيرة، اسمها “عنوان الفيلم”، بالكاد تقوى على حمله. والدها بزيّه العسكري إلى جوارها لا يبدو المشهد عادياً بالنسبة إليه فحسب، بل وأيضاً يسعده، وتنشيه رغبةُ الطفلة الملقَّنة في قتل بشار الأسد، رمز الموت ومصدر البلاء كله بالنسبة إلى الوالد، سنلحظ في هذه المادة التي لا يتجاوز طولها ثلاث دقائق، انشراحَ صدرِ الأب. وابنةً صغيرةً “مسلحة”. وأختَها التي تملي عليها “سرديات” بسطاء سوريا المقهورين بكل قمع النظام، بما يشبه مشهداً درامياً مكثفاً، وأليماً، تم اختياره أو اصطياده بعناية على مرحتلين منفصلتين من حيث التطبيق مكانياً في الغالب، الأولى هي التي قامت بها الناشطة/المصورة/المحاورة أثناء تواجدها بين أفراد الأسرة في بيتهم البسيط، في منطقة من مناطق سورية “المحررة”. والثانية ما قام به من اختار المادة المصورة الخام من بين ما يصور من “راشز” في مجمل هذا المشروع، أو “الحملة”. هذه السمة الأخيرة هي ما يميز مشروع واو الوصل بشكل عام، ويكسبه رونقه “الفني” الخاص، فيوازي فعل “الوصل” في طريقة صناعة وتقديم المادة الفيلمية بين داخل وخارج من جهة وفي “دمج” الجهود الفردية لتكوين ما يشبه الإخراج الجماعي من جهة أخرى، المعنى الضمني للمشروع ويكمله.

هكذا سيذهب فريق “واو الوصل” أبعد في تطبيق “نظرتهم”، بفيلم “البسطار بين الجنة النار”. وهو فيلم كما تم التقديم له على صفحة الموقع يرصد:” ردود الفعل على “البسطار” الفيديو الذي نشرته مجموعة واو الوصل و الذي أثار جدلاً لمقاربته بين سلوك الجيش الحر و الجيش النظامي . أحد الشباب السوريين في فرنسا يستثمر “البسطار” في عمل فني من نوع مختلف و أحد مقاتلي الجيش الحر من أبطال فيديو “البسطار” يشاهده لأول مرة.” لا يتم تطبيق هذه الفكرة الصعبة بتكلف، سنشاهد الراقص في مونبلييه في فرنسا يرقص على موسيقا “البسطار” الذي يعرض على شاشة اسقاط في الخلفية، ثم “سنكمل” متابعة “الفيلم” في “كفرنبل” بعيداً جداً عن فرنسا، مع مقاتل/مواطن ظهر في “البسطار” محاولاً إسقاط طائرة بمدفعه الرشاش، لكنه هنا في “بيته” تحاوره “المصورة” فيما يشبه جلسة سمر يدور الحوار فيها حول تواجده في الفيلم، سيكشف حوار وفعل “الوصل” هذا الكثير من الخفايا، ويساعدنا على “تمثيل” الحالة السورية بشكلٍ مختلف إدراكياً، وتجسيدها أكثر بما هي قضية إنسانية (عضوياً) بالدرجة الأولى. يتعجّب هذا المواطن “الأليف” و”الضاحك” و “المحبب” من تواجده في الفيلم، و من تواجده في ساحة المعركة، مستعيداً تمثل الحالة برمتها بشكل ساخر، كما يفعل القائمون على هذه التجربة الفيلمية.
يسرّب إلينا الفيلم معلومة أن المصورة ليست هي المخرجة عندما يسألها “المواطن” إذا كان “البسطار” شغلها، فترد بالنفي، مما يشي مجدداً بآلية العمل المشار إليها لفريق العمل.
“واو الوصل” تجربة سورية أخرى من مرحلة جديدة. مشروع يتسم بالوضوح والرسوخ، رغم التشوش والتشتت البادي على المرحلة الراهنة، ينبئ –ربما- بمستقبلٍ مختلف.


إعلان