الفنان العربي اليعقوبي: إيقونة طنجة المنسية

أحمد بوغابة / المغرب
اشتغل الفنان العربي اليعقوبي مع كثير من السينمائيين العالميين المرموقين منذ أوائل الخمسينات كمصمم الملابس. نذكر على سبيل المثال لا الحصر ” عطيل ” لأورسون ويلز (سنة 1952) ولم يكن هذا المبدع يتجاوز سنه حينها 22 عاما. و”لارونس العرب” للمخرج دافيد لين (سنة 1961) و”الرغبة الأخيرة للمسيح” للمخرج الأمريكي مارتان سكورسيزي (سنة 1984). كما اشتغل أيضا مع المخرج الأمريكي فرنسيس فورد كوبولا فهذا الأخير قام بإنتاج فيلم “الفرس الأسود” للمخرج كارول بيار (سنة 1980) واشتغل من قبل المخرج مصطفى العقاد في فيلميه اللذين صورهما بالمغرب “الرسالة” و”عمر المختار”. وأيضا مع الإسبان والفرنسيين والإيطاليين. ألبس مجموعة من الفنانين العالميين كأنطوني كوين وإيرين باباس وشين كونري وآخرين.
الفنان المغربي العربي اليعقوبي هو آخر ” إنجليزي ” يقطن مدينة طنجة بعد أن شرعوا في مغادرتها في مطلع السبعينات من القرن الماضي كما يحلو للبعض تسميته رغم ملامحه الأندلسية التي يحملها من والده.
تأثر كثيرا بهذه الشريحة من سكان المدينة حينها بحكم وجوده بينهم. فالحي الذي يقطنه معروف لدى سكان طنجة القدامى بالحي الإنجليزي. كان حيا راقيا يقع مباشرة على حافة البحر يطل على المضيق طنجة وله نظرة بانورامية على المدينة العتيقة أيضا.
تأثير ثقافة الإنجليز على الفنان العربي اليعقوبي بادية أولا على هندامه حيث يحرص دائما على أناقته مثلهم وعلى ضرورة التناسق في ما يحمله من ألبسة وإكسسواراتها فلقبوه ب”فارس الأناقة”. كما يمكن رصدها ثانيا حين تحدثه إذ يتحدث مثل الإنجليز بصوت منخفض جدا وبالتأني كأنك تسمع قصيدة شعرية، وحتى ضحكاته تكاد لا تسمعها إذا لم تكن بجانبه فيما نحن الذين عايشوا الإسبان في الأحياء الشعبية نتحدث بصوت مرتفع ونتصرف تصرفاتهم في العيش.
إن العربي اليعقوبي هو ذاكرة طنجة الثقافية والفنية، ذاكرة حية تخزن تاريخا غنيا، فهو شاهد عليه وشكل هو نفسه جزء أساسيا منه وتفاعل معه أيضا. إنه معلمة طنجوية بالروح والجسد والفكر والثقافة. امتدت أيضا إلى باقي أراضي المغرب حيث التحق بفرقة المعمورة للمسرح بالرباط كفرقة محترفة لما بعد استقلال المغرب.
ما زال يحتفظ بوسامته رغم أنه تجاوز الثمانين من عمره وكأن الزمن لم ينل منه بقدر ما أضاف له سرا آخر يتمثل في نضجه. حكيم لا ينطق إلا للضرورة لقول كلام له المعنى.
فهو بالمقياس الفني المتداول ” photogénique ” سواء على الشاشة أو خارجها. هذه ” الصورة الجميلة ” للفنان العربي اليعقوبي ترعرعت معه منذ الطفولة وحملها معه وهو شاب ثم رجل ناضج. لا يمكنه أن يتخلص منها لأنه ولد فنانا بالفطرة لكنه صقل موهبته ودفع بها إلى الاحتراف في سن مبكر جدا من حياته. فهو عميد الفنانين بعد أن رحل كثير من زملائه الذين بنى معهم الأسس الأولى للفنون المشهدية والدرامية والبصرية المغربية.

العربي اليعقوبي

عوض أن يهاجر إلى أوروبا، التي كانت مفتوحة على مدينة طنجة، للالتحاق بفرقها المسرحية أو المشاركة في أفلامها بطلب منها فضل هو مدن الرباط والدار البيضاء وكان يضطر لاستعمال جواز السفر الخاص بسكان طنجة للانتقال إلى داخل المغرب.
كان عضوا نشيطا بفرقة “المعمورة” كممثل ومصمم أزياءها تحت إدارة المخرج الفرنسي أندري فوزان. وعند استقلال المغرب أسس إلى جانب الفنان الراحل حسن الصقلي أول نقابة للممثلين المغاربة التي انتمت لنقابة إتحاد المغربي للشغل كنقابة مناضلة وحيدة حينها إذ كان الجيل الأول من الفنانين (عند استقلال المغرب) قد آمن بأن النضال الفني هو جزء من النضال السياسي والاجتماعي كما سعى لتوسيع قاعدة الفن بتكوين الشباب وهذا ما دفع بالفنان العربي اليعقوبي لقبول تحمل مسؤولية إدارة دار الشباب بطنجة عند إنشائها رغم أنه لا يحب العمل الإداري الروتيني. وبتلك الدار المتواضعة حبَّبَ للأطفال والشباب فن المسرح والسينما والغناء أصبح بعضهم من الأسماء البارزة. وللذكرى والتاريخ فهو صاحب الفكرة لإنشاء هذه الدور الخاصة بالشباب والأطفال لتكون مدينته طنجة أول مَنْ تستقبل هذا المشروع. لكن، حين ذهب للاشتغال في فيلم “الرسالة” مع المخرج السوري مصطفى العقاد بالاتفاق مع الوزارة المسؤولة وبإيعاز منها توصل بعد شهور من ذلك برسالة رسمية تخبره ب”مغادرته للعمل” دون إذن بل تم طرده منها ليُحرم من كل حقوقه التي ترتبت عنها مشاكل كثيرة يتعثر فيها إلى يومنا هذا.
وكانت دار الشباب قد تحولت في عهده لملتقى شباب طنجة من كل شرائح المجتمع خاصة وأن مدينة طنجة كانت من بين المدن المغربية التي تحتوي على أكبر عدد الجمعيات الثقافية والفنية والمسرحية، يرجع تاريخ تأسيس بعضها إلى سنوات الثلاثينات من القرن الماضي وبل بعضها كانت تجمع أعضاء من مختلف الجنسيات التي قطنت طنجة إلى حدود السبعينات.
لا يتردد العربي اليعقوبي إطلاقا حين يطلبه أحد السينمائيين المغاربة الاشتغال معه وإن اقتصر الأمر في البداية على سينمائيي طنجة خاصة فريدة بليزيد وجيلالي فرحاتي اللذين اشتغل معهما كمصمم أزياء أحيانا أو ممثل أحيانا أخرى أو هما معا أيضا. فهو دائم الحضور في أفلام جيلالي فرحاتي مثلا بكل الاعتبار والاحترام اللذين يستحقهما الفنان.
يجهل كثير من متتبعي مسيرته أنه طباخ ماهر حيث يتقن أشكال كثيرة من الوجبات المغربية الممزوجة بالوجبات الإسبانية والفرنسية والإنجليزية ويبتكر فيها إلى حد يمكن لزائر أن يتذوقها جميعا في طاولة واحدة. فقد علمنا بأنه بصدد إعداد كتاب حول تاريخ الطبخ لمدينة طنجة.
حُظي بتكريم خاص في المهرجان الدولي بمراكش وفي مدينته طنجة لكن ذلك لم يساعده على تجاوز مشاكل الحياة اليومية حين تقدم به العمر. إلا أنه لم يفقد حبه للحياة محتفظا بنفس الروح الإنسانية التي تشكل جزء منه حيث بقي منزله مفتوحا في وجه الفنانين وزوار مدينة طنجة في جلسات ثقافية وفنية كانت آخرها في الأسبوع الماضي حين استقبل الكاتب والروائي المناضل المصري شريف حتاتة وزوجته الكاتبة والناقدة أمل الجمل وجمعهم نقاش طويل حول الحياة والفن والثقافة.


 

 


إعلان