جديد الصالات من الأفلام التسجيلية
أمستردام – محمد موسى
يجب الإنتظار بضعة أسابيع، قبل أن تقوم مؤسسات سينمائية متخصصة بنشر إحصائيات هذا العام، والذي يقترب من نهايته، عن عدد الأفلام التسجيلية التي وصلت للصالات السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول اوربية اخرى لعام 2013. لكن الإنطباع الغالب، إن عدد هذه، هو أقل كثيراً مما عُرض في السنوات الماضية، كما إن هذا العام لم يشهد أفلاماً تسجيلية جذبت جمهوراً كبيراً وعرضت في عدة دول بالتزامن، الأمر الذي يعني إن مداخيل هذا العام المالية، ستكون أقل من تلك للعام الماضي مثلاً.
وحتى قبل صدور أي ارقام عن 2013، فلا جدال إن السينما التسجيلية عانت كثيراً من قوة الأفلام الروائية الفنية لهذا العام، فالمنافسة حصّرت عروض الأولى على صالات فنية معدودة، وفي المدن الكبرى فقط، فيما هيمنت الأفلام الروائية، بخاصة تلك التي نالت على الثناء والإهتمام النقدي عند عروضها في مهرجانات اوربا السينمائية الكبيرة مثل كان وبرلين، على معظم الصالات الفنية في العديد من الدول الاوربية، فإدارات هذه الصالات، وجدت نفسها امام إختيارات وإعتبارات مالية صعبة، ففضلت غالباً، الأفلام الروائية الاوربية وأفلام أمريكية وعدد محدود من أفلام سينما العالم. المنافسة تلك كانت بالقوة، التي أخرجت السينما التسجيلية بشكل يكاد كامل من عروض أشهر الصيف في دول مثل بريطانيا وهولندا.

حملت برمجة شهر نوفمبر بعض التحسن بالنسبة لعروض أفلام تسجيلية جديدة، فتعرض صالات بريطانية منذ أسابيع فيلم ” Seduced and Abandoned ” للمخرج الأمريكي جيمس توباك. في الفيلم يقوم الممثل أليك بولدوين مع المخرج جيمس توباك بتحسس الوضع الإنتاجي للسينما الأمريكية اليوم، فيسافران الى مدينة كان الفرنسية، في أثناء مهرجانها السينمائي، للبحث مع الشركات السينمائية الموجودة هناك، عن إمكانية تجميع الأموال لإنتاج فيلم روائي. ليس من المعروف إذا كان المخرج او الممثل جادان بخصوص نيتهما لإنتاج الفيلم الروائي (يحمل عنوان “التانغو الاخير في تكريت”، كأمتداد للفيلم الشهير “التانغو الاخير في باريس”، لكن الحرب العراقية في عام 2003 كخلفية للقصة)، أم إن غاية الفيلم التسجيلي هي تقديم عالم المال، الذي يحكم السينما، وخاصة الأمريكية، ليجعل عملية إنتاج أي فيلم جديد، هو علمية مُعقدة ودائماً شديدة الصعوبة.
يواصل المخرج والصحفي الإسترالي المعروف جون بيلجر، في فيلمه الجديد “يوتوبيا”، التعرض للقضايا الإنسانية والسياسية المُعاصرة الكبيرة، فيكشف في فيلمه هذا، والذي يعرض في الصالات البريطانية الآن، العنصرية المنهجية، التي تمارسها الحكومات الأسترالية المتعاقبة ضد السكان الاصليين للبلد والمستمرة لليوم. من تتبع ردود الأفعال الغاضبة مما قدمه الفيلم في الصحافة البريطانية، والنقاش الذي أطلقه بخصوص إداء الحكومة الأسترالية، وعن صورة “أستراليا” بالمطلق، كبلد مسالم وأيقونة للحياة السعيدة، فيما لازال يفرض قوانينه الخاصة الغير قانونية او الإنسانية، على ما تبقى من السكان الأصليين، يبدو إن جون بيلجر نجح مرة أخرى في هزّ الركود الذي تعيشه الصحافة التحقيقية التسجيلية.
وفي بريطانيا أيضا يستعيد فيلم “كيف تنجو من وباء” للمخرج الأمريكي ديفيد فرانس، سنوات مرض الأيدز الإولى في الولايات المتحدة الأمريكية، في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وكيف بدأ مصابين بهذا المرض بتنظيم أنفسهم للضغط على حكومة بلدهم بتسريع أبحاث المرض، وتوفير الدواء للمصابين. الفيلم يعتمد بشكل يكاد يكون كامل، على إرشيف تلك السنوات من أفلام صورت بكاميرات فيديو صغيرة. وبعد أن عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان لندن السينمائي، وصل فيلم “ملحمة إيفرست”، والذي أعاد ترميم نسخة الفيلم الأصلية الذي صورها جون نويل في عام 1924 لمغامرة متسلقي الجبال : جورج مالوري و ايرفين أندرو، في عام 1924، والتي انتهت بموتهم على قمة الجبل. الفيلم لن يكون معهم في خطواتهم الأخيرة، لبلوغ القمة، لكنه يُصورهم قبل أن يغيبوا في العاصفة الشتوية وقتها. وعن الحروب السريّة التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات ضد المنظمات المتطرفة، يُعرض في بريطانيا أيضا فيلم “حروب قذرة” للمخرج ريك رولي، والذي يرافق الصحفي الأمريكي جيريمي سكاهيل في تحقيقاته عن سِّجل حكومته السريّ ضد اعدائها.

الجميلة والملاكم !
ويُعرض في بريطانيا وعدد من الدول الاوربية الفيلم التسجيلي “الجميلة والملاكم” للمخرج الأمريكي زاكاري هاينزيكرينغ، عن الفنان التشكيلي الياباني اوشيو شينوهارا و زوجته الفنانة نوريكو. يبلغ الفنان الياباني الثمانين من العمر، لكنه مازال يُطارد حلم النجاح، بروح شاب في العشرينات من عمره. الفيلم يبدأ بالزوجان يحتفلان بعيد ميلاد الثمانين لاوشيو. هما يعيشان في مدينة نيويورك، يتعثران في حياتهما اليومية بسبب قلة النقود. فاوشيو الذي وصل الى نيويورك في نهاية عقد الستينات مسلحاً بسمعة جيدة من بلده، سيحصد على نجاحات متوسطة فقط في أمريكيا، بل إن مشروعه الفني الفريد يعاني منذ سنوات من التهميش ويكاد يخرج من ذاكرة المدينة الفنيّة. من جانب آخر، تنتظر زوجته والتي تصغره عشرين عاماً، نجاحاتها الخاصة، فالعمر يمّر، ولا تستطيع أن تعيش دائما في ظل زوجها كما تَصِّف.
وكالعديد من الأفلام التسجيلية التي تقدم حيوات ومشاريع فنانين تشكيلين، يبحث فيلم ” الجميلة والملاكم ” عن لغة خاصة، توازن بين منجز الفنان البصريّ وأسلوبية خاصة بالفيلم. المخرج يعثر على هذه اللغة، مستعينا باعمال نوريكو ، الكارتونية هو يعطي حياة للصورة الساكنة لتلك الأعمال والمخصصة للمجلات المصورة، ويجعل الصور تتحرك، لتروي قصة الزوجين العامة والخاصة، من إدمان الزوج على الكحول، الى الحياة التي هيمنت عليها رغبات النجاح الفني. ورغم إن “اوشيو” هو أكثر شهرة من زوجته، لكن الفيلم سيهتم أكثر بقصتها هي، فيستعيد قصة الشابة التي وصلت وحيدة الى نيويورك، والتي تعرفت على زوجها، عندما كانت تبحث عن معنى لحياتها. ثم تضحيتها لسنوات من أجل أن تكون بقرب زوجها، لتدعمه في مشروعه الفني.