أفلام وثائقية من الشرق الاوسط
عالم لم يتغير، عالم ليس لنا…
ندى الأزهري- باريس
” العالم لم يتغير” منذ النسخة الأخيرة للتظاهرة الباريسية التي تنظم كل عامين، أو بالأحرى تغيرت الأشياء ولكن لتسير نحو الأسوأ فالمضطهد والمضطهِد ما زالا هنا والشرق الاوسط لم يغادر العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار. في “سياق معقد” تنظم الدورة السادسة من “الشرق الأوسط: ما تستطيعه السينما”.
تظاهرة من بين عدة تكرس لسينمائيين عرب واجانب تتمحور أعمالهم حول الشرق الأوسط، تنظمها جمعيات لا حكومية تهتم باكتشاف الغنى السينمائي لهذه المنطقة وتسعى لحوار ثقافي يتم عبر السينما. هي تدرك أن السينما لن تغير العالم لكنها تطمح في أن تساهم في التعرف على الآخر وفي فهم أفضل له وذلك من خلال الأعمال السينمائية المعروضة والنقاش الذي يتبعها بين الضيوف السينمائيين والصحافيين والمختصين من جهة وبين الجمهور من جهة مقابلة.
تعرض تلك التظاهرة الباريسية على مدى الأسبوع الأول من الشهر الحالي، برنامجا غنيا ومنوعا يركَز بشكل رئيس على الفيلم الوثائقي، دون إهمال بضعة عروض لأفلام روائية.
وقد خصصت ايام لأفلام تتناول الأوضاع في فلسطين وسوريا ومصر والعراق وليبيا، كما خصص يوم للفيلم الإيراني وآخر للإسرائيلي المناهض للاحتلال.
“عالم ليس لنا”
يبقى الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في صلب اهتمامات الدورة. وتدور الافلام المختارة هذه السنة حول ثلاثة مواضيع رئيسة ترتبط ” بالسطو الذي يمارسه المحتل الإسرائيلي في فلسطين”، وعلى رأسه المياه مع فيلم “الماء” الذي حققه معا سينمائيون فلسطينيون وإسرائيليون، و”الوادي المختفي” للإسرائيلي ايريت غال. أما السطو الثاني فيتعلق بأحجار البناء و يبديه مؤيد العيان وليلى حجازي في ” الحجر المقدس”، ويتناول الثالث الكتب وعالجه بنَي برونر في ” سرقة الكتاب الأعظم”.
كما جسدت أفلام معاناة الحياة اليومية للفلسطينيين في أربعة محاور. من العبور والجدار مع ” المتسللون” لخالد جرار، إلى غموض مستقبل الشباب في” قبل ولادتك” لعزة الحسن، مرورا بالعمل غير الشرعي في إسرائيل” الليلة البيضاء” لايريت غال، وانكار حق العودة لفلسطينيي الشتات في ” حلم فؤاد” لمارتن دك وورث. وفي”شباب اليرموك” يحاول الفرنسي اكسيل سلفادوري سينز الدخول في حياة مجموعة شابة من أهل المخيم الفلسطيني في سورية فيبين عطشهم للحياة وحاجتهم للحرية وارتباطهم بالمجموعة والخيار الصعب بين الرغبة بالثورة والحياة العادية المنتظمة.

وكان فيلم الفلسطيني مهدي فليفل” عالم ليس لنا” قد افتتح التظاهرة. يقدم الشريط الذي صور على مراحل زمنية متعددة لوحة لثلاثة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة في صيدا، و يعتمد على تسجيلات شخصية تتابع ثلاثة أشخاص من محيط المخرج( الجد، القريب، الصديق). ينقل فليفل بحساسية مشاعر الحنين التي تربطه بالمخيم ويلقي، هو الذي قضى طفولته”السعيدة” في هذا المخيم قبل أن تهاجر عائلته إلى أوربا، إضاءة على مفهوم الانتماء والصداقة والعائلة في حياة هؤلاء وينجح في نقل احساس طاغ بالانحباس يغمر حياتهم.
سورية وإيران
طغى موضوع الرقابة الثقافية في إيران على الأفلام الإيرانية المختارة. المخرج الوثائقي المعروف مجتبى ميرتهماسب أثار في “الصوت الثاني” قضية منع المرأة من الغناء بمفردها( ضمن فرقة لا مانع) في إيران، وبينت روخساري قائم مقامي في ” عند صعود السلم” الصعوبات التي تواجه الإيرانية في سعيها للعمل، فيما عاد محمد رضا فرزاد في “شكوى وشعلة” إلى بدايات الثورة الإيرانية حيث هُدمت أكثر من مائة دار عرض، ويرصد جمشيد أكرمي في “سينما الاحتجاج” ما لاقته السينما الإيرانية من نجاح عالمي في العقود الأخيرة على الرغم مما تواجهه من رقابة صارمة. وبعيدا عن الرقابة جاء فيلم ” المحطة” لكافيه بختياري ليشركنا في الحياة اليومية لمهاجرين غير شرعيين إيرانيين في اليونان، لقد تخلى هؤلاء عن كل شيء وتعرضوا للمخاطر والعقبات الهائلة من أجل حياة افضل، ولكن هل ستأتي تلك يوما؟
أما الوضع السوري فبات يستقطب كثير من المخرجين الشباب من كافة أنحاء العالم، إنما لا تخرج معظم النتاجات عن المواضيع المألوفة ولا تتميز المعالجة عن التقارير الإخبارية التلفزيونية. وسواء تناولت تلك الأعمال حياة اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري أو المدنيين الأبرياء والنازحين من حيث معاناتهم ودفعهم ثمن الحرب، كما في فيلم ” الأعشاب المعذبة” ( عنوان مستوحى من مثل أفريقي يقول” حين تذهب الأفيال للحرب، يعاني العشب..) الذي اخرجته البرازيلية الكورية ايارا لي وهي ناشطة في جمعيات لا حكومية، أم تابعت شخصيات سورية في المنفى تعاني من الوضع في بلادها كما في” الآف الأميال بعيدا عن الثورة” لبهزاد أديب وهو من أصل إيراني، أو حاولت رصد آثار الحرب على أطفال المخيمات كما في “ارواح صغيرة” للأردنية دينا ناصر… تعطي الأفلام الانطباع بسرعة الإنجاز و بأنها سبق وشوهدت.
لقد أمست الأحداث المتسارعة في المنطقة العربية تسبق الأفلام فتأتي تلك أحيانا لتعبر عن وضع سياسي انتهى، لكن الحالة الإنسانية التي تقدمها تبقى صالحة في كل مكان تقع فيه الحروب ويعاني فيه الأبرياء.