أبيكيليبس : الجنود يصورون مأساتهم

كاظم مرشد السلوم

كم هائل من الاشرطة السينمائية صورها الجنود الذين اشتركوا في الحرب العالمية الثانية وفي مختلف الجبهات ،ولطيلة سني الحرب الطويلة التي امتدت على ثلثي مساحة الكرة الارضية ، البي بي سي جمعت هذه الاشرطة ،وكلفت ISABELLE CLARKE لصنع فيلم يتحدث عن الحرب العالمية الثانية وجاء الفيلم بستة اجزاء تحتعناوين ، العدوان ، الهزيمة الساحقة ، الصدمة ،العالم يشتعل ، الانزالات الكبيرة ،الجحيم .كل هذا الكم الهائل من الشرطة صورها جنود اشتركوا بالمعركة وقتل الكثير منهم ،حيث كلفوا بتوثيق يوميات

الحرب بتفاصيلها .وهي سرد وثائقي يستعرض الحروب والمعارك التي جرت في الحرب العالمية الثانية وشخوص وابطال هذه المعارك ،بدأ من بدايتها  والاسباب التي كانت وراؤها ، لاسيما أطماع هتلر بأحتلال كل الدول المحيطة بألمانيا ومن ثم تنامي هذا الطموح لأخضاع العالم كله الى المانيا ، وأنتهاءا بالهزيمة الكبيرة التي تعرض لها الجيش الالماني النازي وسقوط برلين على يد الجيش الأحمر السوفياتي وبمساندة جيوش الحلفاء ، بعد صراع وحرب راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون شخص من مختلف أنحاء العالم وما صاحب ذلك من تدمير لعشرات المدن والقرى وبشكل كامل في بعض الأحيان . مستعرضا معاناة الجنود والمدنيين من أهوال هذه الحرب

نحاول هنا استعراض البناء الفيلمي من خلال التطرق الى السرد الفلمي ،التصوير ،المونتاج والشخصيات التي تناولها الفلم :-

السرد
بسب الكم الهائل من الوثائق الارشيفية التي أعتمدها الفيلم وهي وثائق صورية، تم تصويرها من قبل جميع الأطراف المشتركة في الحرب ، والفيلم اعتمد شكل البناء المونتاجي، وأعتمد هذه الوثائق والأفلام الكثيرة المصورة كمادة للواقع بنيت كفيلم من ستة أجزاء على ضوء المونتاج ، لذلك فأن السرد كان موضوعيا جدا، بسبب أن الحرب العالمية الثانية كانت قد أنتهت قبل أكثر من ستين عاما، وقد أطلع العالم على حيثيات واسباب وكذلك نتائج الحرب، وأطلع كذلك على طبيعة الأفكار النازية والفاشية والتي كانت سببا لأندلاع الحرب، ولذلك فأن الذاتية قد تكون منعدمة في السرد الفيلمي فلا إدانة لهتلر أو موسوليني ولا تمجيد للأتحاد السوفياتي أو للحلفاء ، أن الكاميرا وفي تصويرها للأحداث كانت تصور كل ما يقع أمامها ومن ثم تكون قد أتخذت صفة الحيادية، الفيلم أستعرض كل الأماكن التي جرت فيها الأحداث ولم يكن يعرض مكانا من دون اخر ، فالسيناريو أعتمد على سجل الأحداث التأريخي في وضع معادله الصوري ، الكاميرا عين كانت سببا في الشكل السردي للفيلم ، فالكاميرا كانت تبدو وكأنها عين أحد الجنود المشاركين في الحرب اذ كان يتنقل من مكان لأخر ومن جهة لأخرى طيلة مدة الحرب، حيث كانت الكاميرا تبدو وكأنها جزء من واقع المعركة ، ومقتربة منه ، الأمر الذي وفر متعة في السرد، طبيعة السرد في الفيلم أستطاعت وبأسلوب سلس في عملية الأنتقال بين الزمان والمكان وتبعا لتسلسل الأحداث ، وعلى الرغم من الانتقال في احيان كثيرة من مكان لأخر، من الجبهة الفرنسية حيث القادة الفرنسيون يتوقعون هجوما ألمانيا، الى منتجع هتلر وهو يقرر مهاجمة فرنسا من الأراضي البلجيكية ، كذلك فأن السرد أخذ على عاتقه تفكيك المكان من خلال طبيعة هذا المكان وعرضه للصعوبات التي تعترض حركة الجيوش وقسوة المعارك الجارية فيه وما لحق بالمدن والقرى والناس الموجودين فيه من دمار ، مستعرضا كذلك الطبيعة الجغرافية والاجتماعية للعديد من البلدان التي ربما تختلف من الكثير من العادات والتقاليد والمزايا، لكنه أراد أن يقول أن الحرب لا تعترف بكل هذه الفوارق، وتحقيق الاهداف الخطط الحربية يجعل كل مكان في العالم مكانا مفتوحا للحرب.

التصوير
التصوير في فيلم أبكليبس أعتمد العديد من الأفلام المصورة في أماكن مختلفة طيلة مدة الحرب العالمية الثانية ، فالعديد من الكاميرات كانت تراقب الواقع وتسجله بشكل يومي ، فكان هناك تصور الجانب الألماني وبشكل مستمر سواء على خطوط الجبهات التي فتحت وأخرى كانت تسجل حياة الناس اليومية وهم يرقبون ما يجري من أحداث وما يمكن ان يترتب من نتائج على أندلاع الحرب ، حتى أننا نشاهد في أحد المشاهد الكاميرا وهي تصور فريق عمل الدعاية النازية وهم يصورون محطة قطار ممتلئة بالجيش الألماني أستعدادا لنقلة الى احدى الجبهات، كان المصورون العسكريون شجعانا وحريصون على تصوير كل مايحدث، الأمر الذي افاد كثيرا في هذه الفيلم الذي أعتمد البناء المونتاجي في سرده للأحداث ، الانتقالات المكانية والزمانية في الفيلم ، كان يشار اليها أو توضح من خلال الكتابة على الشاشة ، التصوير كان يختلف من من حيث الإضاءة والجودة بين كاميرا وأخرى ، ولكنه كان عاملا مساعدا على ألأنتقال المكاني بين جبهة وأخرى أو دولة واخرى أو بين الأزمنة المختلفة .
 
المونتاج 


الفيلم أعتمد البناء المونتاجي من خلال توظيفه للعديد من اللقطات الأرشيفية التي صورت طيلة مدى الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال الفكرة والسيناريو الموضوع الذي تم التقطيع المونتاجي في ضوئه ، ولكن هذا البناء ومن خلال خلق التأثير الأكبر على المشاهد  أعتمد العديد من اللقطات الطويلة، لاسيما تلك التي تصور حركة الجيوش، والمونتاج كان متوازيا، خصوصا في أثناء تنقله بين الأطراف المتصارعة والداخلة في الحرب وهي أكثرمن طرف، ثم يعود ليكون ساردا من خلال عرضه للعديد الطرق وكذلك الأمكانات العسكرية لكل منهم من خلال عرضه للعديد من اللقطات التي تظهر حركة الدبابات والطائرات وتجمعات والحشود الكبيرة للجنود ولكل جبهة ، تاركا للمتلقي معرفة إمكانية كل جيش وما يمكن أن تكون عليه النتيجة فيما لو خاض الحرب ، المونتاج نجح وطيلة أجزائه الست من تحقيق شيء من العلاقة العاطفية بينه وبين المتلقي من خلال عرضه الأحداث الواقعية التي جرت خلال سنين الحرب الطويلة وقد نجح في تحقيق ذلك ، وبسبب عدم إعتماد الفيلم على العديد من التقنيات التي يمكن أن تعتمد في الأشكال الفلمية الوثائقية الأخرى كإعادة بناء الحدث، أو أجراء المقابلات واللقطات وأعتماده فقط على الأرشيف الصوري الكبير الذي توافر لصانعيه، فقد كان البناء المونتاجي هو الشكل الذي تم تناول الواقع من خلاله ، والذي استطاع التعامل بشكل مميز مع المعلومات والوثائق وكذلك الأحداث التأريخية التي تناولها على الرغم من تنوع وتعدد أماكنها وأزمنتها .

الشخصيات
أستعرض فيلم ائبكليبس حياة العديد من الشخصيات العسكريةوالسياسية التي كان لها دور مهم ومؤثر في الحرب العالمية الثانية وغيرت من مجرى الأحداث في أحيان كثيرة، وكان تناول هذه الشخصيات يجري ضمن السياق العام للأحداث لذلك فأن بعضها ظهر في الفيلم أكثر من غيره من الشخصيات ، فشخصية هتلر كانت شخصية محورية في الفيلم نتيجة لدورها الكبير في الحرب وكذلك كان ظهور تشرشل، رومل، ستالين، وكان لظهور هذه الشخصيات أهمية كبيرة في تعزيز مصداقية الاحداث المعروضة على الشاشة ، لاسيما وأن ظهور بعض الشخصيات أحيانا في مشاهد حوارية وإجتماعات ، مشهد فرحة هتلر وهو يضرب رجله في الأرض فرحا بخداعه الفرنسيين ، وهي حركات نادرا ما يظهر بها هتلر هكذا، لاسيما مع تعود المشاهد على الصرامة التي تعلو وجهه دائما، لكن الشخصيات الحقيقية التي ظهرت طوال مدة الفيلم هي شخصيات الجنود الذين شاركوا في المعركة وأبراز التاثير الواضح للحرب عليهم عارضا ما علا وجوههم من علامات تعب واعياء، وكان لظهورها خصوصا في لحظات القصف والقتل التاثير الكبير على المشاهد.
ئبيكليبس يعد الفيلم الوثائقي الاكبر الذي صور هذه الحرب مستهدف التذكير بمأساة الحرب الكونية وما الت اليه

من نتائج كارثية مازالت اثارها ماثلة الى الان في العديد من بقاع العالم .


إعلان