دليل السينما العربية، والعالمية للناقد محمد رضا

صلاح سرميني ـ باريس
 حالما وصلتُ إلى الصفحة السادسة من “دليل السينما العربية، والعالمية” لمُؤلفه الناقد السينمائي اللبناني “محمد رُضا”، وبدأتُ بقراءة المقدمة التي كتبها الناشر الإماراتي “عبد الله الشاعر” حتى تقاطعت في ذهني تساؤلاتٍ عديدة :
ـ لماذا تهتمّ جهات حكومية، وخاصة بدعم الأفلام مادياً، وتتجاهل الكتب السينمائية، هل هبط السينمائيّ من السماء، وخرج المؤلف/الناقد من الأرض؟
كما أعرف عن موضوع النشر (وهو ليس مجال اختصاصي)، هناك وسائل محددة لإصدار كتابٍ ما:
ـ التمويل الكامل من طرف مؤسّساتٍ حكومية كما الحالة النادرة في الثقافة السينمائية العربية، وهي إصدارات “المؤسسة العامة للسينما بدمشق”، ويبلغ عددها سنوياً حوالي عشرين كتاباً تُوزعها مجاناً على ضيوف “مهرجان دمشق السينمائي”، وأعتقد بأننا، وبغضّ النظر عن أيّ موقف سياسيّ ـ سوف نترّحم يوماً على توقف هذا النشاط بسبب الحالة المأسوية التي تعيشها سورية. 
ومن المُفيد الإشارة أيضاً إلى تلك المبادرة التي أقدم عليها “المُجمّع الثقافي”(سابقاً) في أبو ظبي بمناسبة انعقاد “مسابقة أفلام من الإمارات” التي كانت تقدم للمكتبة العربية حوالي سبعة كتب في كلّ دورة من دوراتها حتى السادسة منها قبل أن يلتهمها “مهرجان الشرق الأوسط الدولي”.

غلاف الكتاب

ـ التمويل الذاتي عن طريق المؤلف نفسه.
وعلى حدّ علمي، لا تمنح أيّ جهة حكومية دعماً مُسبقاً للكاتب/الناقد بناءً على فكرة كتاب (كما في حالة دعم كتابة السيناريو)، أو منحة كي يتفرغ الكاتب للكتابة، أو مكافأة مالية بعد تقديم مخطوطة أولية (كما حالة الدعم بعد إنجاز الفيلم من أجل إنهاء عملياته الفنية الختامية)، أو جائزة مادية بعد طباعة الكتاب (كما حال “جائزة النوعية” التي يمنحها “المركز الوطني للسينما” في فرنسا لفيلمٍ مُكتمل).
وأعتقد أيضاً، بأنه لا توجد مؤسّسة حكومية عربية واحدة تقدم دعماً سنوياً لمؤسّسات النشر الخاصة من أجل إصدار مجموعة من الكتب يتمّ الاتفاق عليها بناءً على خطة مسبقة، أو دعماً جزئياً من أجل نشر كتاب معين.
وهذا يعني، بأنّ صناعة الإنتاج الثقافي المكتوب، المُتخصص بالسينما تحديداً، يفتقد كلّ آليات الدعم المُتوفرة للأفلام السينمائية بكلّ أنواعها الروائية، والتسجيلية، الطويلة، والقصيرة، تلك المعمول بها في البلدان العربية، أو الأجنبية.
وهذا يجعلنا نتساءل :
ـ لماذا تدعم هذه المؤسّسات الحكومية، والخاصة الإنتاج السينمائي، والتلفزيوني، ولا تهتمّ إطلاقاً بالإنتاج الأدبي، التشكيلي، أو الموسيقي،..؟.
ومن هنا يصبح إصدار “دليل السينما العربية، والعالمية” مغامرة/مجازفة مالية تتوازى في حجمها، وخطورتها مع التمويل الذاتي لأفلام سينمائية قصيرة، أو طويلة (منخفضة الميزانيات).
وبينما يمتلك الفيلم إمكانيات استرجاع التكاليف قبل الإنجاز، أو بعده عن طريق أشكال الدعم، والاستثمار المختلفة (جوائز المهرجانات، العروض التجارية، حقوق البثّ في المحطات التلفزيونية، …)، تكون الخسارة دائماً من نصيب الكتاب الذي يتمّ إصداره بتمويلٍ ذاتيّ من طرف المؤلف/الناشر، لأنه، وفي أفضل الأحوال، لن يطبع أكثر من 1000 نسخة، ولن يجد من يشتريها، وسوف يضطر إلى توزيع نصفها على الأقلّ مجاناً رغبةً منه بأن يصل كتابه إلى عددٍ “محدود” من القراء.
نعم، ما قيل للناشر “عبد الله الشاعر” صحيحٌ تماماً :
ـ “إن إصدار الكتب السينمائية تحتوي على مخاطر كثيرة، وأنها ليست مهنة يمكن بناء مستقبل عليها، …”.
ـ “قرّاء المادة السينمائية قلة، وقرّاء النقد أقل”.
ـ “المسألة لن تكون مجزية تجارياً، وأنّ المسألة في النهاية واضحة: كثير من الكتب تصدر، وقليل منها يُباع”.
ومع ذلك، لا يمتلك المُدافعون عن الثقافة السينمائية إلاّ أن يرفعوا قبعاتهم ـ وُفق التعبير الفرنسي ـ تحيةً على مبادرته الاستثنائية، ودوافعه التي يقول بأنه “وجدها أقوى من كلّ التحذيرات”، وأكثر من ذلك، يُطمئننا بأنّ “المخاطر ليست كثيرة كما يُقال”.
في مقدمته، يُحدد الناشر/الشاعر شكلين لتلك المخاطرة :
ـ “أن لا يُنجز الكتاب غايته التي وُضع من أجلها”.
ـ “أن لا يبيع ما يكفي لسداد كلفته”.

الناشر                                                     الكاتب

وهنا، أتوقع بأنّ الغاية الأساسية توزيع الكتاب، وإثراء الثقافة السينمائية العربية، وهو أمرّ سوف يحدث تلقائياً، ويجد طريقه إلى 1000 شخص يشتريه، أو يقتنيه مجاناً.
وإذا لم يسترجع الناشر تكلفته، ربما تُخفف الإعلانات التي تضمّنها قليلاً من حجم الخسارة.
بروح إيجابية، يُجيب الناشر بنفسه على تلك الإشكاليات، ولحسن حظنا، ينظر إلى المسألة على نحوٍ مختلف:
ـ “هل من المُفترض بأن يحقق المرء التغيير المنشود بالتمني ؟
ـ “هل إذا امتنع كلّ منا عن إنتاج الفيلم الجيد، أو عن نشر الكتاب المفيد، أو عن دعم أيّ إبداع ثقافي، أو أدبي، أو فني يدرك أهميته، وجدواه سنحل أزماتنا الحضارية، أو الثقافية ؟
ـ لماذا على الفرد أن ينتظر التغيير إذا ما كان قادراً عليه ؟
تُفسر هذه الأسئلة/الأجوبة العاقلة لماذا احتفظ القليل، أو الكثير من الثرثارين بأموالهم خوفاً عليها من المُجازفة، وقبل أن تتجاوز أقدامهم عتبات المشهد السينمائي في جانبه العملي، أو الثقافي، شيّدوا حولهم أسواراً فصلتهم مسافاتٍ عنه، وهكذا ظلّ هؤلاء يثرثرون، ويندبون حظوظهم، ورُبما يعلقون شماعات خوفهم على الأنظمة الديكتاتورية، هذه الذريعة الثورية التي سوف ترافقنا إلى الأبد.
وفي الفقرة الأخيرة من مقدمته، يكشف الناشر عن جوهر هذه المُبادرة، أو بالأحرى “جوهرتها”، والتي تكشف بنزاهة المُعجب عن العلاقة التي تربطه مع المؤلف نفسه “محمد رُضا” الذي تتفق كلّ الآراء بأنه الناقد السينمائيّ الأكثر نشاطاً، عطاءً، ومواظبةً، و”ذاكرته ليست مثقوبة”، ويمتلك تاريخاً نقدياً حقيقياً، وأصيلاً.
يكتب الناشر/الشاعر عنه كلاماً لم يكتبه “أجدع” ناقد سينمائي عربي :
“يبقى القول أن واحداً من أهم دوافع قيامي بنشر الكتاب السينمائي الفريد هو مؤلفه محمد رضا، الناقد السينمائي الذي يعلم الجميع تاريخه الحافل، وموهبته، وإخلاصه لما يقوم به، وهذا كان ضماناً شخصياً كبيراً، وحافزاً أكبر”.
السبب هنا، أو الأسباب مجتمعة، لو لم يكن المؤلف “محمد رُضا” رُبما لن يقدم الناشر على هذه المُبادرة/المغامرة/المجازفة الجميلة، النبيلة، والأصيلة.
وفي الحقيقة، فإنها فرصة لنا جميعاً، وليس للمؤلف، والناشر وحدهما ـ كما يختتم الناشر مقدمته ـ بأن نتعاون معاً لنُسدد ديوننا حيال حبنا للفن السابع.

 هامش :
ـ عزيزي محمد رُضا.
مُرفق قراءةً أولية عن كتابك “دليل السينما العربية، والعالمية”، أُطلعكَ عليها قبل النشر، كما أقترح بأن تكتب كلمةً أضعها في هامش كي يُدرك القارئ بأنك قرأتها مُسبقاً، ولن تُثير عندكَ أيّ حساسياتٍ نقدية.
ـ محمد رُضا : لقد قرأت ما كتبت يا عزيزي، وليس لي أيّ حقٍ في مصادرة موقف، أو تعبير، أو رأيّ، وبناءً على رغبتكَ – وإذا أردتَ فقط – يمكن أن تُضيف الحاشية التالية :
أصرّ الزميل الناقد “صلاح سرميني” على شراء نسخته، علماً بأنّ نسخته المجانية كانت محفوظة، وأعتقد بأنه رغب أولاً في التشجيع، وثانياً في الحفاظ على رأيه الوارد هنا، أو الذي سيرد لاحقاً إذا ما استكمل، ما يجب أن يكون منهجاً متوافقاً، ومفهوماً بين الجميع، هو أنه، بصرف النظر عن وسيلة الحصول على نسخة، فإنّ للناقد حقّ أن يكتب ما يريد طالماً أنّ رأيه مبنيّ على حقائق، واستنتاجات موضوعية، وليس على مصلحة، أو حسابات خاصّـة، و”صلاح” أبعد ما أن يكون عن مثل هذه المصالح، أو الحسابات، ما كتبه هنا هو أعمق بكثيرٍ من معظم ما كتـبه آخرون حتى الآن، هناك كثيرون حصلوا على نسخ من دون أن يكتبوا، وأنا أعلم أنهم لم يكتبوا، لكن حقّ الزمالة (هذه المرّة على الأقل) هو الذي غلب.


إعلان