حمزة نصر الله فنان في الظل شارك كبار المخرجين

يحمل في ذاكرته تاريخ السينما اللبنانية

“واقع السينما اللبنانية مبكٍ، اليوم”، يصف المتخصص في الإدارة الفنية، والممثل، حمزة نصر الله حال السينما في لبنان. فهو عايش مرحلة الازدهار اللبناني العام اواخر الستينات وأوائل السبعينات، وانعكاس الازدهار على مختلف قطاعات الحياة، وتخضرم حتى المرحلة الراهنة، مختبرا الكثير من الأعمال الفنية السينمائية، والمسرحية، ومعايشا تطوراتها، ازدهارها وانتكاسها، ومشاركا في العديد منها على مستوى الإدارة الفنية Art Director، وفي الديكور، والتمثيل، إلى جانب كبار المخرجين والمنتجين في السينما والمسرح والتلفزيون.

من مارون بغدادي مخرجا، إلى رفيق علي أحمد ممثلا، فحسن بدر الدين منتجا، وكثيرين من لبنانيين وعرب وأجانب، يكتنز نصر الله حيزا هاما من ذاكرة الفن اللبناني، وبعضا من أسراره، خصوصا في السينما والمسرح، وصولا إلى تدريس المواد المتعلقة بالقطاعين في الجامعة اللبنانية بعد نيله دبلوم الدراسات العليا قي هندسة الديكور والفنون الزخرفية عام 1994.

من خلال تجربته، نقف على الكثير من أرشيف السينما اللبنانية، ويعرض تجربته في مقابلة، استهلها بالتعريف عن بداياته: “في طفولتي، وبعد دخولي المدرسة، كنت أتمتع بموهبة الرسم، ونمت معي الموهبة وتحولت إلى مجالات أخرى، وعندما كبرت، تخصصت في هندسةالديكور في الجامعة اللبنانية، وكنت مجليا في هذا الاختصاص، وأنهيت السنة الرابعة في الجامعة اللبنانية-ما قبل الدبلوم- وتوقفت بسبب السفر، وكان ذلك أواسط الثمانينات، ولدى عودتي سنة 1993، تابعت وأخذت الدبلوم  1994”.   

خلال دراسته، لم يقتصر نشاط نصر الله على متابعة الصفوف، بل انخرط في تجارب متنوعة عندما كان يطلب بعض معارفه منه العمل معهم لأنهم يعرفون قدراته وخبرته الفنية، ويتوقف عند ما يرغب باعتباره ما قبل بدايته الفعلية في السينما، وذلك مع المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي عام 1987، وكان لا يزال متابعا لدراسته الجامعية. ي��ول:

“شاركت في مسلسل وثائقي عن العرب (The Arabs) في كافة الأقطار العربية، لمخرج بريطاني اسمه جف دانلوب، وهو مخرج تلفزيوني ويهتم بالعمل الوثائقي. وكان عملي في هذا الوثائقي متركزا في الجزء المتعلق بلبنان، وكنت من ضمن فريق لشركة انتاج أسمها “كاميرا مان أوفيسز”، صاحبها حسن بدر الدين، وكانت التجربة أول معرفة لي بما يسمى سينما وكاميرا.. التجربة كانت بسيطة، ومدخلا، ولم يكن لي منصب حقيقي في العمل، إنما كنت واحدا من ال Runners الذين يهتمون بالتفاصيل، والإضافات. كانت التجربة ممتعة، وفتحت أعيني على شيء أحبه”.

ويتابع: “طلبتني شركة “كاميرا مان أوفيسز”، فصاحبها كان صديقي، ويعرف قدراتي، وابتكاراتي المتواضعة في أوائل عمري. لاحقا تعرفت على مارون بغدادي، ولم أشترك في فيلمه “حروب صغيرة”، لكن تجربتي الفعلية أعتبرها بدأت مع مارون بغدادي في اليونان في تيلي-فيلم “لبنان بلد العسل والبخور”، وطلب مني المشاركة تحديدا لأنني أرسم، ولأنني أتقن الديكور، لكن لم أكن ال Art Director للفيلم. لكن السينوغراف التي أعتمدت لهذا الفيلم بريطانية، والفيلم كناية عن عرض لأحداث جرت مع صحافي فرنسي، هو جاك دودييه، خطف في بيروت أثناء الحرب، ويظهر معاناته، ومشاهداته.

بوسترات عن أفلام السينما اللبنانية في السبعينات

وروى أن عمله كرسام كان أن يحول المطارح اليونانية حيث جرى تصوير الفيلم، إلى مطارح لبنانية، ذاكرا أنه “مع تطور العمل صار العمل الفني قائما علي، فأنا أعرف القهوة، والساحة اللبنانية، والشارع الذي هو خط تماس. قلبت الأشياء، ونال عملي إعجاب منتجي الفيلم، وتعمقت بسببه علاقتي بمارون لما ظهر من تجانس بيننا، كما أن مديرة الانتاج الفرنسية منحتني جائزة مالية بقيمة عشرة آلاف فرنك فرنسي لشدة إعجابها بما حققته”.

وتابع: “كان فيلم “لبنان بلد العسل والبخور”  أول ممارسة سينمائية لي. وشكل الفيلم دفعة كبيرة لي عام 1987، ولقي نجاحا في محطات التلفزة الفرنسية، والأوروبية عامة، ونتيجة لذلك، قرر المنتج جاك باران بالتشاور مع مارون إنتاج نسخة سينمائية عن موضوع الفيلم تحت عنوان “خارج الحياة” (Hor la Vie)  مع الاحتفاظ بمضمونه، لكن بتقنيات محدثة ومتطورة. وتم تصوير الفيلم سنة 1990 في فرنسا وإيطاليا،  بأسلوب تقني متقدم، ويمكن وصفه بالهوليوودي، وكان عملا ضخما، ولا يزال يعرض في فرنسا، وكندا، ودول أخرى على مستوى التلفزيون.  ثم نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان عام 1991.

وفي “خارج الحياة” (Hor la Vie)،  لعب نصر الله دور  شخصية رئيسية هي شخصية أحد الخاطفين المولعين بروبرت دانيرو . ويتحدث عن ذلك: “تميزت لأنني أجيد الانكليزية، ولأنني، أيضا، كنت متيما بروبرت دانيرو ، وصرت أقلده بشكل كوميدي لطيف، وتعاملت مع المخطوف الفرنسي-موضوع الفيلم- بطريقة مختلفة عن كل الذين تعاملوا معه، والشخصيات التي تعاملت معه أثناء الخطف”.

ثم يعود للحديث عن لبنان، فيذكر أن “المديرين الفنيين” في لبنان نادرون، حتى أنه في بداية التسعينات لم يكن هناك مديرين فنيين، ولذلك كان يطلب مني دائما المشاركة في صناعة الأفلام، وأعتبر أنني استطعت تحمل مسؤوليتي بشكل جيد”.

ويعرض لبعض المحطات في هذه المرحلة: “اشتغلت مع معظم المخرجين اللبنانيين المعروفين كروجيه عساف، وزياد دويري، وجان شمعون، وجان كلود قدسي، ورفيق علي أحمد، وسمير الغصيني، وحسن زبيب، وكريستين دبغي، وإيلي خليفة الذي اشتغلت معه فيلما قصيرا من إدارة ألكسندر مونييه (سويسري) لعبت فيه دور البطولة. أيضا المخرج مرزاق علواش، وغسان سلهب، وسمير درويش مخرج تلفزيوني، وأنطوان ريمي، واسماعيل عبد الحافظ (مخرج مصري)، ورندة شهال، ولا ننس المخرج المبدع برهان علوية.

يتوقف عند محطة مهمة في تجاربه وهي “مسرحية الجرس” لرفيق علي أحمد، وهي من أعمال أحمد المنفردة (One Man Show)، ويرى أنها “كانت أفضل مسرحياته، وقد أبدع بشكل رائع في هذه المسرحية. وأنا حضرت الديكور للمسرحية. وكانت أفكار الديكور رمزية تتناسب مع طابع المسرح التجريبي ل”الجرس”. ما قل ودل، لكن دل بكل معنى الكلمة”.

من الأعمال التي شارك فيها من بداياته، مسرحيا، “البداية” مع أسعد سلمان 1985، و”قطع وصل” لرفيق علي أحمد 1993، و”الثعلب والناطور” لأحمد الزين 1993، و”الفحل” لناصر تليلي 1995، و”حبس الرمل” مع ربيع مروة وروجيه عساف 1995. 

 وعلى الصعيد السينمائي، أفلام: “معركة” مع روجيه عساف سنة 1982، و”آن الأوان” مع جان كلود قدسي 1993، و”نؤمن بالله” لحسن زبيب 1994، و”زينب والنهر” لكريستين دبغي 1995.

ويتوقف عند تجربة هامة بالنسبة له، وهي مع الألماني هاينر شتدلر في فيلم “صور عن الحرب”، ويقول: “كانت أهميته أننا صورناه في لبنان، لكن الخلفية لم تكن لبنانية. لم يكن هم المخرج أن يظهر بلدا معينا، إنما ركز على المعنى، وكان دوري أن أبتكر شعارات ليست موجودة أصلا. أهميتها فقط أنها ترمز لحزب معين لكن الحزب غير موجود. التركيز كان على الفكرة. واستخدمنا قاعات معهد الفنون في فرن الشباك حيث المبنى قديم وفيه خراب، وطابع بنائه فرنسي، ولذلك كانت اهميته أنه لم يعط طابع الهوية اللبنانية، فمن هذا المنطلق كان شديد الأهمية. كانت لذة العمل أن لا هوية مباشرة له، ويوصل الفكرة المرجوة منه أي ماهية الحرب وأسبابها”.

عن مشاركاته في الوثائقيات، يقول: “على المستوى الوثائقي البحت لم أعمل، إنما عملت على مستوى الدوكيو -دراما مع المخرج السوري الراحل عمر أميرالاي في فيلمه تحية لميشال سورا، وكان صديقه الحميم، وبمشاركة المخرج السوري محمد ملص، وكان الفيلم تجربة مميزة جدا، أخذني بقوة، وقلت للمخرج عمر أنني أول مرة أشاهد من يرسم بالكاميرا”.

ويشرح الفكرة بقوله: “كان عمر يرسم المشهد عبر الصورة، لكن أحيانا يأخذ الكاميرا ويصور بها بيده، ويدخل بتفاصيل المشهد الذي يصوره، والمشهد أحيانا كان يستغرقه من الساعة العاشرة حتى الرابعة صباحا، من أجل لقطة لا يتعدى طول خلفيتها ال 50 سنتمترا كحدود لمشهد الصورة (الكادر). كان دقيقا للغاية، وحريصا على أن يعطي الفكرة ما تستحق. كان مبدعا بشكل منقطع النظير”.

حمزة نصر الله وخلفه صورة الفنان شوشو

وينتقل للحديث عن السينما اللبنانية، فيصف واقعها ب”المبكي”، ويقول: “هي بنظري في تراجع، فقد كانت في عزها حتى الثمانينات، وبعدها لم نعد نشاهد أفلاما كبيرة كأعمال المنتج شوقي متى، الذي أعطى دفعا للسينما اللبنانية، والآن لا نستطيع ان نأتي بفيلم من أفلامه اليوم ونضعه تحت المشرحة، فالظروف مختلفة، والانتقاد يفترض أن يتم في زمن انتاج الفيلم. إذا أخذنا فيلمه اليوم، فلا نجد التطور المعروف اليوم، فالزمن تغير، لكن إذا أخذنا على سبيل المثال فيلم “حسناء وعمالقة” فقد كان فيلما يمكن أن نسميه “عملاقا” في زمنه على ما أثبت شباك التذاكر”.

ويتناول شيئا من بداية السينما اللبنانية، ويعود بها إلى أواسط القرن الماضي حيث كانت الأفلام قليلة: “تعود بي الذاكرة لأول فيلم معاصر لبناني لجورج نصر، وهو “إلى أين؟” الذي شارك في مهرجان “كان” 1957، ونال جائزة، والفيلم لايزال منذ خمسين عاما، صالحا حتى اليوم، وفيما لو أعيد السيناريو الخاص به، وانتج اليوم، يمكن أن يحكي القصة ذاتها عن اللبناني، وهي قصة الهجرة”.

 وبرأيه أنه “لا يمكن مقارنة الأفلام الحديثة بالأفلام القديمة، فالشباب أفكارهم مختلفة، وبالتالي عينهم مختلفة، وكاميرتهم مختلفة. كل الأمور، من صوت وإضاءة ولون وخلافه، كلها أمور مختلفة عن السابق. لكن لا أنكر اليوم أن هناك إبداعات، منها على سبيل المثال وليس الحصر، فيلم جميل “تحت القصف” لفيليب عرقتنجي، ومن بطولة جورج خباز، وقد صور أواخر حرب تموز 2006، مع دخول قوات الطواريء وعودة الجنوبيين إلى منازلهم، حيث بدأ تصوير الفيلم في قلب العودة، وكانت فكرة ذكية، والفيلم راق، وعرف المخرج كيف يستفيد من اللحظة، فصور الأمور على حقيقتها”.

وانتقد الميل الرائج في السينما اللبنانية المعاصرة للابتذال، واستخدام الصالح والطالح لتحقيق صرعة، ويعلق بقوله: “هناك مخرجون يتكاثرون ويدعون الحرية، والثقافة المزيفة، ويرون أن كل ما هو موجود مباح. وهذه كارثة السينما، فأنا لا أفهم معنى تصوير مشهد جنسي داخل كنيسة، أو مشهد سيدة تنظف جسدها من الشعر! هكذا مشاهد قد تسيء إلى الذوق العام، وهدفها لفت النظر ليس إلا، وليس فيها شيء من الإبداع، وهي سينما لا تعبر عن تطلعات سينمائية راقية الرؤى. السينما في مكان آخر، وللأسف ان هناك الكثير منها. اليوم، لم يعد هناك سينما لبنانية”.

وعن أسباب الاختلاف بين الماضي والحاضر، يعتقد أن الذي توفر للسينما اللبنانية في الستينات، هو الصدفة الاقتصادية، فمنذ اربعين عاما، لم تقدم الحكومات المتعاقبة، ووزارة الثقافة، والإعلام شيئا للسينما. ولم يقدم حكام لبنان دون استثناء أي شيء للسينما. الصدفة الاقتصادية أواسط القرن الماضي وحتى منتصف السبعينات، وكان لبنان في تلك الفترة من أغنى دول العالم،أدت إلى أن تكون السينما من المظاهر التي نمت، خاصة بوجود أشخاص يهتمون بالسينما”.

ورأى أن “هناك كثيرين اليوم يهتمون بالسينما، وأكثر من السابق، لكن الفارق أن ليس هناك اقتصاد، وليس هناك منتج يحب أن يضحي ويغامر بانتاج فيلم سينمائي. كان الفيلم يكلف سابقا 150-200 ألف ليرة، وكان مبلغا كبيرا، لكن الفيلم اليوم يكلف بما يناهز المليون دولار. فمن يمكن أن يغامر بمليون دولار وهو غير متأكد من استرجاعها”.

وتحدث عن فيلم “وست بيروت” لزياد دويري 1998 وهو “من الأفلام التي نجحت، ذاكرا أنه كان  المدير الفني له، والانتاج فرنسي، وهو عن الحرب اللبنانية، وهو فيلم ناجح، وكونه من انتاج فرنسي، لا يزال يعرض في الدول الفرنكوفونية، ومنها كندا. وعند عرضه في السوق اللبناني، كان مدخوله جيدا، لكن لا أذكر أفلاما حديثة العهد دخلت الكثير من المال”.

 وانتهى إلى القول أن “وضع السينما هو انعكاس للوضع العام للبلد. هناك مأساة كبرى للسينما اللبنانية، خصوصا أن السلطة اللبنانية في كل العهود لم تشجع السينما، مع أن السينما هي الصناعة الوحيدة التي يمكن أن تدر أموالا للدولة دون أن تكلفها. فعندما تشتغل السينما، تشغل معها كل القطاعات. وإذا لم يكن هناك دعم من الحكومات اللبنانية، لصناعة السينما، فلن يكون هناك سينما، وسنظل على المبادرات الشخصية الفردية، وللأسف لا تستوفي شروط السينما المقبولة أكاديميا وفنيا”.

ثمة 23 فيلما قام نصر الله بإدارتها الفنية، وشارك في تمثيل بعضها، إلى العديد من البرامج التلفزيونية، والأفلام الإعلانية، والفيديو كليبات، وغالب الأفلام حازت على جوائز في مهرجانات عالمية.

ويمكن اختيار بعض الأفلام التي شارك بإدارتها الفنية والتمثيل فيها: “صور من الحرب”، فيلم ميشال سورا لعمر أميرالاي، تاكسي درايفر، “إمرأة من زمن الحب” للمصري اسماعيل أبو حافظ، “الرغيف” لإيلي أضاباشي، “طيف المدينة” لجان شمعون، “أورغانزا” لجورج حمصي، “حدود الزمان” لدارين الخطيب، “جيش من نمل” لوسام شرف.

حاليا، هو عضو نقابة السينمائيين، و عضو نقابة ممثلي المسرح و السينما و التلفزيون في لبنان، وكان، سابقا، أمين سر نقابة السينمائيين في لبنان، وعضو مجلس نقابة السينمائيين في لبنان، وعضو مجلس نقابة ممثلي المسرح و السينما و التلفزيون في لبنان.  


إعلان