السينما الجزائرية تودع صاحب ”الربوة المنسية”
ضاويـة خلـيفة – الجزائر
في عز احتفالاتها المخ��دة لخمسينية استقلالها تفقد الجزائر أحد مفكريها و أبرز سينمائييها الباحث في الثقافة الأمازيغية و المخرج السينمائي ”عبد الرحمن بوقرموح”، الفنان و المثقف الذي ارتبط اسمه برائعة ”الربوة المنسية” المأخوذة عن رواية الأديب الجزائري الكبير ”مولود معمري” الحاملة لنفس العنوان، والتي زادته شهرة و أفاقا أوسع في السينما الجزائرية التي ألبسها ثوبا جديدا فأصبحت هذه الأخيرة تنطق لغة الأمازيغ اللغة الأم، لتصبح هذه الخطوة من الانجازات و المكاسب الكبرى التي حققها فقيد الجزائر بشهادة الجميع.
الكل أشاد بجهود أب السينما الأمازيغية ‘كما يسميه البعض’ طيلة عقود من الزمن لأجل الارتقاء بالصناعة السينمائية و الكثير من رفقاءه تحدثوا عن إسهاماته الثقافية و الفكرية على وجه الخصوص معتبرين إياه من القامات الفنية التي يصعب بل يستحيل تعويضها أو إيجاد مثلها، بنفس القدر والعطاء و التميز، وبالمناسبة تم استذكار انجازات هذه القامة الفنية الفكرية المدافعة عن الأمازيغية والتي حققت الكثير وتركت حلما ومشروعا حول ”طاووس عمروش” -أول روائية جزائرية- كأمانة للسينمائيين الشباب الذين يعدون بالكثير و يعول عليهم لتجسيد حلم بوقرموح الذي لم يمنعه المرض من الحديث عن مشاريع و سيناريوهات جديدة منها ما كان يرغب في تجسيده في الذكرى الخمسين للاستقلال لتخليد مسيرة و نضال رفقاءه في الكفاح المسلح، لولا مشيئة الخالق التي حالت دون ذلك، لتبقى وصيته أمانة في أعناق الخلف الذين تلقنوا المبادئ و الأسس الصحيحة في هذا الفن الذي يكون أقوى وهو أقرب إلى هويته و انتماء صاحبه.
بوقرموح مجسد الأمازيغية على الشاشات الجزائرية

العائلة الفنية وفي مقدمتهم وزيرة الثقافة ”خليدة تومي” نعت الرجل الذي ظل فنه يحتل أولى اهتماماته إلى أخر رمق من حياته، معزية في الوقت ذاته عائلته و أسرته الفنية التي -حسب بيان التعزية- تقول تفقد اليوم قيمة فنية، سينمائي من عائلة تعي بأهمية الفن، مفكر عرف بتمسكه بمبادئه، المجاهد الذي حوّل الفن و الكاميرا إلى وسيلة للدفاع عن التراث و الوطن، مذكرة في الأخير بأهم الأعمال التي رسخت اسمه و شخصه لدى الجزائريين و أعلنت ميلاد موجة و صحوة جديدة في مسار السينما الجزائرية أسسها رفقة عمالقة الفن و السينما، ومن أعماله التي ستبقى تخلده ”كحلة و بيضاء” 1980 الذي لقي نجاحا جماهيريا كبيرا إلى غاية يومنا هذا، ”عصافير الصيف” 1978، ”صراخ الصخر” 1986 فضلا عن ”الربوة المنسية” 1996 الحلم الذي تحقق لصاحبه في العشرية السوداء، الفترة التي عرفت بدمويتها و استحالة تجسيد المشاريع الفنية خلالها بعدها تحولت أحلام الكثير من المحبين للفن إلى كوابيس و سيل من الدماء و التاريخ و العالم شاهدين على ذلك، لكن و بالرغم من ذلك أنجز هذا المشروع الذي أعطى للسينما الجزائرية نفس جديد و توجها بالعديد من الجوائز في كثير من المهرجانات داخل الوطن و خارجه، أما أول فيلم أخرجه فكان ”مثل الروح” 1965، وفضلا عن الأفلام التي جمعت بين الجانبين الجمالي و الفني ساهم بوقرموح -المعروف بمواقفه الثابتة و الذي رافق كبارا المخرجين السينمائيين و الفنانين- في وضع اللبنات الأولى و الأساسية لأحد أهم مؤسسات الصناعة السينمائية في جزائر ما بعد الاستقلال منها بينها المركز الوطني للسينما الجزائرية.
تكريم للحاضر رغم غيابه في مهرجان
السينما الامازيغية
في حديثه للجزيرة الوثائقية أكد محافظ مهرجان الفيلم الأمازيغي بتيزي وزو ”سي الهاشمي عصاد” أن طبعة هذا العام من المهرجان ذاته الذي سبق وأن كرم بوقرموح ستكون مهداة و خصيصا لفقيد السينما الجزائرية و الأمازيغية الذي رافق و لازم كل طبعات المهرجان كرئيس للجنة التحكيم أو كمؤطر للشباب الهاوي، حيث وضع تجربته وخبرته التي تفوق الثلاثين عاما تحت تصرف الشباب الراغب في تطوير السينما و الارتقاء بها، كما كشف عصاد عن عرض و لأول مرة الفيلم المنجز حديثا من طرف المخرج ”علي موزاوي” عن الراحل و الذي يلخص محطات هامة تتناول رؤيته لواقع السينما بالجزائر جهوده و دفاع عن الأمازيغية، و آراءه حول العديد من القضايا و المواضيع خاصة الفنية منها، و كذا أفكار هذا المناضل الذي لم يكن ينتظر أي مقابل غير تزويد السينما الجزائرية بإنتاج وفير ذي نوعية، كما كشف ”سي الهاشمي عصاد” أنه خلال الدورة الجديدة التي ستنعقد في الفترة الممتدة من 23 مارس إلى 28 من نفس الشهر ستبرمج و تعرض كل أفلامه في إطار بانوراما المهرجان الذي منحه كل الدعم و التشجيع و التوجيه.
في توديع الأمازيغي الثائر … السينمائي الثابت … و المفكر صاحب المبادئ

هذا وقد شيع جثمان الراحل ”عبد الرحمن بوقرموح” 77 عاما في جو مهيب يعكس مكانته في الأوساط الفنية و الشعبية يوم الثلاثاء بمقبرة ”أزغر أمقران” ببجاية مسقط رأسه بجانب شقيقه الممثل و المخرج المسرحي ”عبد المالك بوقرموح” الذي كتب و أخرج العديد من الأعمال الناجحة التي يعاد الاشتغال عليها اليوم، و قد حضر جنازة الفقيد العديد من الشخصيات و الوزراء إلى جانب رفاقه و أصدقاءه الفنانين الذين كانت تبدو عليهم علامات التأثر بفقدان زميلهم الذي يرحل في شهر ميلاده، فتسقط ورقته من دفاتر الحياة وعالم الأحياء، لكن التاريخ سوف لن يسقط هذا الاسم من سجله بل سيدون ”عبد الرحمن بوقرموح” و يقدمه على أنه ذاك الغائب الحاضر بروائعه، فكره، أفكاره و أعماله السينمائية التي ستبقى مرجعا للسينما الجزائرية لاسيما الناطقة بالأمازيغية، المدافع عن لغة الأجداد التي حاول المستعمر طمسها و تقسيم منطقة القبائل.
نبذة عن الشخصية التي لا تختصر في سطور
عبد الرحمن بوقرموح (25 فيفري 1936 – 03 فيفري 2013) ابن مدينة بجاية أنهى دراسته الثانويّة في سطيف أين عاش أحداث 8 ماي 1945، بعدما أنهى دراسته في فن الإخراج من المعهد العالي للدراسات السينمائيّة في باريس سنة 1960 اشتغل في استوديوهات الإذاعة الفرنسيّة، وعند عودته إلى الجزائر سنة 1963 أسس رفقة بعض السينمائيين المركز الوطني للسينما، كما تعاون بوقرموح مع كبار المخرجين ك”محمد لخضر حمينة” في فيلمه الحائز على السعف الذهبية ”وقائع سنين الجمر” سنة 1975، و بمرور الأيام و بحكم زاده المعرفي الكبير و رغبته الملحة في تقديم دائما الأحسن التقى بالأديب ”مولود معمري” صاحب ‘الأفيون و العصا” فوجد الاثنان قواسم مشتركة في إعلاء الحرف و الثقافة الأمازيغية و انتهى التكامل بين الرجلين لتجسيد ”الربوة المنسية” و تحويلها من عمل مكتوب إلى رائعة من روائع السينما الجزائرية، و في تزاوج الأدب و الفن تأكيد على عظمة أدباء الجزائر و قدرة سينمائييها على رفع سقف التحدي و كسب الرهانات الحقيقة في أشد و أصعب الأوقات.