مهرجان تطوان لبلدان المتوسط في دورته 19

صمود… وتطور… ونضال… من أجل السينما

أحمد بوغابة / المغرب

ها هو فصل الربيع يعلن عن نفسه بعد أيام قليلة، هو القادم بكسوته الجديدة المتعددة الألوان والمتناسقة الجمال. في هذا الفصل الذي تتأسس فيه الحياة من جديد في دورتها الطبيعية، يظهر فيه أيضا، ككل سنة، مهرجان سينمائي في شمال المغرب وبالضبط بمدينة تطوان ذات العمق التاريخي كامتداد للأندلس في كثير من تفاصيلها… أو ما تبقى منها.
مهرجان سينمائي، ينطلق افتتاحه مع افتتاح فصل الربيع محتضنا جميع الأقطار المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط. يحاول أن يستحضر في برامجه مختلف تلك الأقطار. كما يكرم كل مرة بلد من خارج هذه الرقعة الجغرافية كإشارة منه على أن مِنْ حوض المتوسط خرجت السفن والناس نحو باقي العالم ولكم في التاريخ مآت الدلائل. الدعوة موجهة هذه السنة إلى بلد قريب جدا من المنطقة: البرتغال.

شعار المهرجان

• خطوة … خطوة…

تاريخ هذا المهرجان هو تاريخ نضال مستمر، إنه نتاج بيئته الجغرافية/التاريخية. بدأ خطوته الأولى من خلال نادي السينما بالمدينة (نادي الشاشة) كتظاهرة محلية محضة قبل أن تتأسس من أجله “جمعية أصدقاء السينما” حين كبر وترعرع وانتشر صداه لتصبح “الجمعية”  مجرد عضو – لكن فاعل مركزي – في “مؤسسة المهرجان الدولي للسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط” كمحطة جديدة في مسار المهرجان. ويترأس “المؤسسة” وزير الإسكان الحالي السيد نبيل بنعبدالله، وزير الاتصال الأسبق.
لم يبق المهرجان جامدا دوغمائيا محصورا في رؤية محدودة بقدر ما كان ذكي بفضل جمعية أصدقاء السينما، بانفتاحه في استيعابه للتحولات المحيطة به بمختلف تجلياتها سواء بظهور مهرجانات أخرى على امتداد حوض المتوسط تتناول نفس التيمة السينمائية وما يطرح ذلك من اختيارات الأفلام والطبيعة الثقافية لبرامجها، أو من حيث استقطاب الأفلام الجديدة والمهمة في ذات الوقت خصوصا وقد تحول المهرجان من لقاء يتم كل سنتين إلى موعد سنوي.
تشاء الصدفة أن يُقام هذا المهرجان المتوسطي بمدينة تطوان (شمال المغرب) التي لا تبعد إلا 60 كلم عن مدينة طنجة التي تحتضن بدورها المهرجان الوطني للسينما المغربية. فإذا كان شمال المغرب به هذين المهرجانين فإن جنوب المغرب يحظى بدوره بمهرجانين مهمين، واحد تيمته هي السينما الإفريقية بمدينة خريبكة والذي هو بدوره مهرجان النضال وما زال يناضل إلى الآن لكونه أقدم مهرجان سينمائي في المغرب. تأسس هو أيضا من لدن نادي السينما بالمدينة سنة 1977 ليمر بدوره إلى جمعية ثم أخيرا إلى مؤسسة مستقلة يرأسها الأستاذ نور الدين الصايل المدير العام للمركز السينمائي المغربي. ويُقام مهرجان خريبكة في مدينة تبتعد عن مدينة مراكش 200 كلم.
وهذه المهرجانات الأربعة هي التي تشكل السقف العالي في التظاهرات السينمائية بالاحترافية المطلوبة على أرض الواقع وبالملموس المحسوس. أما غيرها فكلام النقد كثير فيها. إن الصدفة هي وحدها التي أسست لهذا التقسيم الجغرافي بوجود في كل جهة، الشمال والجنوب، مهرجانين مهمين لا يوازيهما مهرجان آخر.

تنعكس الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية على اختيارات مهرجان السينما الإفريقية نظرا لما تعانيه القارة السمراء من توتر اجتماعي واقتصادي والحروب الطاحنة الداخلية وعلى حدود اكثر من بلد فتحُدُّ من الإنتاج السينمائي وتعرقله وبالتالي غياب الأفلام فتتقلص إمكانية الاختيار القصوى. وهو نفس الإشكال الذي يعني منه مهرجان تطوان للسينما المتوسطية أيضا بسبب توتر المنطقة التي لا تعرف الاستقرار. فداخل هذا الحوض تتشكل بين فنية وأخرى خرائط جديدة ضمن الخريطة الأم ونسوق هنا مثال “يوغوسلافيا” سابقا، هذا البلد الذي كان دائم الحضور بأفلامه الراقية ومخرجيه ومخرجاته في تطوان قد انفجر في منتصف التسعينات وعاد إلى أصله القديم ما قبل الحرب العالمية الثانية إلى دويلات (أو دول) مستقلة عن بعضها وتشاركنا ماء المتوسط ولكل منها أفلامها ذات رؤية مختلفة جذريا عن الأخرى في تناولها للحرب التي دارت رحاها في ما بينها إلا أن إدارة المهرجان لحسن الحظ تنتصر دائما للسينما. كما يمكننا أن نسوق أيضا مثال قبرص المقسمة إلى دولتين، وهلم جرا.
وكانت الأزمة الاقتصادية، في هاتين السنتين الأخيرتين، تأثير كبير على أوروبا خاصة أقطارها الجنوبية (اليونان، إيطاليا، إسبانيا) فانعكس طبعا على إنتاجها السينمائي وهي أقطار سينمائية مهمة في المتوسط لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها.

احمد الحسني ..مدير المهرجان

كما لا يمكن إغفال عنصر آخر يواجهه اصحاب مهرجان تطوان في اختياراتهم وهو أن السينما في الضفة الشمالية للمتوسط تتمتع  بهوامش الحرية واسعة (وليس هامش واحد) في مختلف المواضيع وفي أشكال تصويرها والإبداع فيها وتناولها للحراك الموجود فيها بدون حرج. وغالبا ما تكون أفلام جميلة سينمائيا إلا أنه من الصعوبة بمكان برمجتها في مهرجان تطوان حيث الرقابة الذاتية تفعل فعلها قبل أن تُفرضها المؤسسات الرسمية والمجتمع على حد سواء بحجج خصوصية المجتمع المغربي كونه محافظا وأن ما يُشار إليه من مواضيع في تلك الأفلام هو شأن أوروبي وأن البحر سدا منيعا بيننا لا ينبغي إعطائها تأشيرة المرور عندنا فيفقد المهرجان أفلاما تعرفنا عن الآخر ويمكنها أن تكون موضوع النقاش حول الحرية الفردية والجماعية وما الفرق بينهما وأين يلتقيان ويختلفان لنكون في عمق ما يدور في هذه الكرة الأرضية التي يقولون عنها قرية الصغيرة. لكن التاريخ والجغرافية المشتركين بيننا لا مجال للحوار فيهما عند البعض. وأن الإسلام الذي مر إلى أوروبا حتى وصل إلى وسطها، منطقة البلقان، عبر الشام مرورا بتركيا أو من جنوبها عبر إسبانيا إلى الحدود الجنوبية الفرنسية قد تناساه البعض كما تناسوا أن الثقافة العربية – وتحديدا المغاربية والأمازيغية – حاضرة في أوروبا الحديثة وتأثر في الحياة اليومية للأوروبيين بما فيها بلدان الشمال.
إن مهرجان تطوان هو فضاء سينمائي/فني/إبداعي/ثقافي وفي ذات الوقت اكتشاف الآخر ومحاورته من خلال إنتاجه لإيجاد نقط التلاقي وليس بالضرورة نقط الاختلاف. كما يمكن رصد المستوى التقني والفني في المعالجة السينمائية.

ولا يعرف مهرجان تطوان لتلك العراقيل التي أشرنا إليها أعلاه بل أيضا من داخل المدينة نفسها خاصة مع انتخاب المجلس البلدي الجديد الذي يرفض دعمه ماليا رغم الاتفاقات الرسمية الموقعة بين الطرفين من طرف المنتخبين السابقين والمحددة في القانون. كما تتخذه أطراف أخرى وسيلة لتصفية حساباتها السياسية والإيديولوجية بعيدة عن فنون السينما إلى حد الإساءة للضيوف ونعتهم بنعوت غير أخلاقية.
ومن بين هذه التداعيات نزع المجسم من مفترق الطرق بوسط المدينة الذي كان يرمز لشعار المهرجان والذي كان قد تم تدشينه رسميا منذ 12 سنة من طرف المؤسسات الرسمية فغاب منذ شهر مايو من السنة الماضية.  

• ثمانية أيام سينمائية مكثفة

لنعد إلى مهرجان تطوان في صيغة الدورة 19 الحالية برسم سنة 2013. فقد احتفظ بنفس فقراته المعهودة منذ أن أدرج المسابقات (لم تكن فيه من قبل مسابقات بل كان تظاهرة ثقافية سينمائية محضة). ثلاث فقرات للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، ولكل منها لجنتها الخاصة للتحكيم. تترأس المنتجة الإيطالية غارزيا فولبي لجنة الأفلام الروائية الطويلة والتي سيتم تكريمها أيضا. وسيُتاح لنا بالمناسبة مشاهدة آخر فيلم أنتجته للأخوين طافياني بعنوان” على القيصر أن يموت” والذي سيتم عرضه في حفل الاختتام. بينما سيترأس المنتج والمخرج التونسي ابراهيم لْطَيِّف لجنة الأفلام القصيرة وسيكون معه لقاء مع طلبة مدرسة الفنون الجميلة بتطوان التي تحتضن كثير من أنشطة المهرجان. ويترأس الممثل والمخرج المغربي رشيد الوالي لجنة الأفلام الوثائقية والذي سيعرض أول فيلم روائي طويل يخرجه “يما” (أمي) في افتتاح هذه الدورة من المهرجان يوم السبت القادم 23 مارس 2013 بقاعة إسبانيول وهو خارج المسابقة. وسيكون طبعا أول عرض له عالميا. سبق للفنان رشيد الوالي الذي بدأ حياته الفنية كممثل في المسرح والسينما والتلفزيون والإشهار أن أخرج أفلاما قصيرة، وساهم في إنتاج فيلم “نهار تزاد تطفا الضوء” (انطفأ الضوء يوم ولادته) للمخرج محمد الكغاط.
ستوزع لجن التحكيم 12 جائزة (6 بالنسبة للفيلم الروائي الطويل و 3 بالنسبة للفيلم الروائي القصير و 3 للفيلم الوثائقي وتُقدر ميزانية هذه الجوائز ب 360  الف درهم مغربي)
ففضلا عن المنتجة الإيطالية غارزيا فولبي سيتم أيضا تكريم المخرج الإسباني فرناندو ترويبا والمخرج التونسي رضا الباهي الذي سيقدم درسا سينمائيا، والممثل المصري أحمد حلمي وكذا المخرج المغربي سعد الشرايبي الذي سيقدم بدوره درسا سينمائيا. ومن الطبيعي أن تُعرض بعض الأفلام لهؤلاء المخرجين والممثل المصري خلال حفل تكريمهم وطيلة أيام المهرجان الثمانية.

المجسم

من الأسماء التي اختارها مهرجان لتحظى بالتكريم في دورته 19 لسنة 2013 هي الفنانة الممثلة الشابة ثريا العلوي التي ستكون بدون شك عروسة المهرجان بامتياز نظرا لشعبيتها التي امتلكتها بفنها ورصانتها وتواضعها وصرامتها في تعاملها مع الأعمال التي تختارها بعناية فائقة والابتعاد عن كل ما هو رديء بوعي ثقافي متميز لديها. جمعت هذه الفنانة القادمة من عمق المغرب الأمازيغي (جنوب المغرب) كل الصفات الجميلة والحميدة فيها. هي من أوائل الخريجين من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي لتبرز قدراتها بسرعة على خشبة المسرح ثم السينما. ورغم نجاحها وسطوع نجوميتها إلا أنها بقيت لصيقة بمحيطها ولم يركبها الغرور المفتعل. هي دائمة الابتسامة وكأن الفرح لصيق بها أبدًا. تختلف شخصياتها على الشاشة فتقنعك كمشاهد بواقعيتها ولا تكررها وترفض النمطية. أنثى راقية بثقافتها فيجد فيها المُحاور الصحفي غنى نصوصه إذا عرف كيف يتداول معها النقاش حول  فنون الفرجة سواء المسرح أو السينما.
بدأت خطواتها الأولى في السينما في سن مبكر فحملت على كتفيها الصغيرتين عبء قضية المرأة في عدد من الأفلام التي تناولت هذا الموضوع خاصة وقد صادفت هذه الأفلام في طريقها مباشرة بعد تخرجها من المعهد. آخر فيلم لها “يوم وليلة” (2012) عُرض لأول مرة في الشهر الماضي بالمهرجان الوطني وهو من إخراج زوجها وزميلها الشاب نوفل البراوي منذ سنوات المعهد فبقيا على العهد راسخين. ووقفت ثريا العلوي أيضا أمام مخرجين كثيرين كحكيم النوري وسعد الشرايبي وداوود اولاد السيد.

وتلتفت إدارة المهرجان إلى الجزائر لتكريم هذا البلد الشقيق بمناسبة احتفالات 50 سنة على استقلاله من خلال عرض مجموعة من الأفلام تغطي مختلف مراحل الإنتاج السينمائي الجزائري من أفلام روائية طويلة وقصيرة ووثائقية ولقاء مع بعض السينمائيين والنقاد الجزائريين. ونذكر بالمناسبة أن إحدى جوائز مهرجان تطوان تحمل إسم المخرج الجزائري الراحل عز الدين مدور.

سيتمحور موضوع الندوة المركزية لهذه السنة حول الإنتاج والتوزيع بحوض المتوسط، وهو الموضوع الذي نوقش مرارا في كثير من المهرجانات والمؤسسات في كلى الضفتين لأزيد من 20 سنة، وأنتجت كثير من التوصيات لم يتم ترجمتها على أرض الواقع. وقد تم إنشاء هياكل وصناديق الدعم لهذا الغرض لم توف بالمطلوب. فمن الأجدى للمهرجان أن يبحث أثناء الندوة على صيغة لتفعيل ذلك بالملموس من خلال تسهيل خلق شبكة، هو منسقها، يمكن أن تكون الطرف الساهر والمُنظم لتسهيل مأمورية الشبكة التي تضم كل مَنْ باستطاعته اللالتزام ب”النضال” في هذا الحقل. فالتوزيع بقي محصورا بين المهرجانات السينمائية والتي أصبحت متنفسا لعدد من المخرجين بينما القاعات تبقى منيعة عليهم. أما الإنتاج فمعروفة دواليبه خاصة في الضفة الأوروبية ومنعدمة إطلاقا في الضفة الجنوبية أو الشرقية. هذا مجرد اقتراح من أجل الخروج من هذه الدوامة المغلقة.

المائدتان المستديرتان لهذه السنة هي:

تطوان


الأولى حول السينما وتاريخ الموريسكيين والتي ستعتمد على العروض النظرية في الموضوع في علاقة بالعروض السينمائية. ويمس هذا الموضوع جزء أساسي من تاريخ مدينة تطوان
والثانية حول السينما والرواية المغربية حيث من المقرر ان يجلس على نفس المنصة بعض السينمائيين المغاربة الى جانب الروائيين الذين تم اقتباس أعمالهم إلى السينما.

ولهذا المهرجان علاقة خاصة بالتلاميذ والطلبة وأساتذتهم في المدينة. فمنذ سنوات أصبح وجودهم جزء اساسي في فعاليات المهرجان كجمهور سينمائي متتبع لعروض الأفلام ومناقشتها كل صباح. ويحرص التلاميذ والطلبة على مواكبة الدروس السينمائية والندوات ومنهم من يشارك في الورشات التدريبية حول مهن السينما تناسب سن الأطفال والمراهقين.
وقد خلق المهرجان هذه السنة مسابقة خاصة بأفلام المدارس التربوية وبذلك يتعامل بشكل مباشر مع جمهور الغد ويكونه في اتجاه الصحيح. 


إعلان