مريم نجفي: “حنين” هي خليط لمجموعة من النساء
محمد موسى – روتردام
الحدود بين الواقع والخيال في فيلم “كيّان” للمخرجة الإيرانية المقيمة في كندا مريم نجفي، هي هشة ومتداخلة كثيرا، فممثلوا الفيلم يَلعبون وإلى حد كبير شخصياتهم الحقيقية في الحياة، والمطعم الشرقي في كندا الذي تجري فيه معظم أحداث الفيلم ، هو المطعم ذاته الذي يتردد عليه أغلب العاملين في الفيلم للسهر ولقاء الأصدقاء، وصاحبة ذلك المطعم الحقيقية، تلعب في الفيلم دور صاحبة مطعم إسمه “كيّان”. أما القصة فهي خيالية عن سيدة لبنانية في منتصف عمرها تدير مطعما في كندا، تواجه أزمة غير متوقعة. الفيلم يرافقها لأيام وهي تجتهد لترتيب حياتها المضطربة بالمشاكل الخاصة وشبح الأفلاس الذي يواجه مطعمها.
بسبب خطأ إرتكبه صحفي أمريكي، نشر في مجلته السينمائية الشهيرة بأن جنسية المخرجة مريم نجفي هي عربية، إختلطت الأمر بعدها على صحف ومواقع ألكترونية عديدة نقلت المعلومة ذاتها. هذا الأمر لا يغضب المخرجة فهي قضت سنوات مع عائلتها في مدينة دبي الإمارتية، ودرست في مدرسة لبنانية وترتبط بعلاقة عاطفية مع اللغة والثقافة العربية. فيلم “كيان” فاز بجائزة “التيارات الجديدة ” في الدورة الأخيرة لمهرجان بوسان الكوري الجنوبي، وإشترك مؤخرا في مهرجان روتردام الدولي، حيث كان معها هذا اللقاء:
فيلمك يخالف السائد من أفلام الهجرة الشرقية إلى الغرب، من جهة الشخصيات المقدمة، فبالعادة نشاهد في تلك الأفلام الجيل الثاني او الثالث من المهاجريين، وهم يواجهون أسئلة الهوية والإنتماء، في فيلمك، الأم، والتي تنتمي الى الجيل الأول من المهاجريين، هي الغارقة بالهموم والمشاكل وليس أبنائها، لماذا كان هذا الخيّار ؟

أولا، لا أعتقد إن “المشاكل” هي حصّر على الجيل الثاني من المهاجريين، لقد تعودنا أن نشاهد في أفلام المهاجرين مشاكل الهوية فقط، نحن لا نشاهد غالبا في معظم تلك الأفلام، طريق المهاجريين الصعب في البلدان الجديدة ونضال بعضهم للبقاء على قيد الحياة، أو تفاصيل حياتهم اليومية، او علاقتهم بالبلدان الأصلية ومع ثقافة تلك البلدان، وهو الهموم والتحديات التي تواجه الشخصية الرئيسية في الفيلم (حنين)، كذلك تواجه هذه الشخصية، والتي هي نموذج لنساء أعرفهن من حياتي في كندا، تبعات زواج فاشل، إلتزامات تربية بنات مراهقات. هي لا تملك خيارات إخرى. أنا تفاعلت مع “حنين” بالأول ثم مع أولادها بالمرتبة الثانية.
الفيلم يتبع “حنين” لخمسة أيام، كيف يمكن وصف شخصيتك الرئيسية ؟
حنين، هي خليط لمجموعة من النساء اللواتي أعرفهن في حياتي في كندا، هي فيها جزء مني شخصيتي أيضا، هي قوية لكنها أيضا هشة في الآن نفسه، هي، وبسبب الظروف، تضطر غالبا أن تلبس ما يشبه القناع على وجهها، فيجب أن تبقى قوية رغم المشاكل التي تواجهها، هي من جانب إمراة عادية، لكنها من الجانب الآخر تملك شخصية غير عادية، هي تملك المسؤولية والهشاشة للعديد من النساء الشرقيات، أعتقد إن النساء العربيات بشكل عام يمكن أن يجدن أنفسهن في “حنين”.
الفيلم يتحدى المشاهد بعدم إفصاحه عن الأزمة التي تواجهها “حنين”، نحن نعرف إن هناك أزمة، هي حامل من شخص ليس له حضور كبير في حياتها اليومية، لكننا لا نعرف أي تفاصيل إخرى، نحن في “العتمة” على طوال زمن الفيلم، هل كان هذا أمرا مقصوداً ؟
نعم بالطبع، أنا رغبت أن يقوم الجمهور بتجميع أشلاء لصورة ما عن “حنين”،عن طريق التفاصيل الصغيرة التي يحفل بها الفيلم، الحضور الوحيد للشخصية الغامضة التي كانت تتصل بها “حنين”، سيكون في نهاية الفيلم عندما نسمع صوته عبر الهاتف، بالنسبة لي كان من المهم كثيرا أن أخوض هذه الرحلة بالذات مع الشخصية، أي مع “حنين”، وليس عبر شخصيات اخرى من حياة شخصيتي الرئيسية، حتى معها، رغبت أن ابقي بعض الغموض وعدم الوضوح، الأزمة التي تواجهها ليست مهمة، وأين تتجه ليس مهما أيضا، او إذا كانت ستحتفظ بالجنين، أبقيت هذا مفتوحا على إحتمالات شتى، لقد تركت القرار لحنين نفسها.
المطعم والمقهى الذي تجري فيه الأحداث، هو كان ما يشبه الواحة لمهاجري الشرق الأوسط في كندا، هناك عراقيين، لبنانين، طلبة من الخليج، لماذا تعتقدين إن هؤلاء الناس يرغبون بالتردد على مكان كهذا ؟
“كندا” ربما تبدو من الخارج وكأنها دولة متعددة الثقافات، لكنك بالتقرب أكثر، ستجد إن عديد من أبناء الثقافات الذين يشكلون نسيج المجتمع يعيشون ضمن تجمعات تضم أبناء جلدتهم او ثقافتهم، هم أيضا لا يختلطون بالآخريين، وهذا ينطبق أيضا على الآتيين من الشرق الأوسط، المطعم “كيان” هو مغناطيس طبيعي لكثيرين يحتاجون بيئة قريبة للتي آتوا منها، “كيان” هو مطعم حقيقي، لكنه أقفل لسوء الحظ بعد نهاية تصوير الفيلم بسبب مشاكل مالية، والمجتمع الذي شاهدته في الفيلم ليس لديه مكان للتجمع يشبه “كيان”.
بالحقيقة “كيان” كان هو الملهم لهذا الفيلم، فأنا كنت أتردد كزبونة على المطعم، كنت في وقتها أستعد لإخراج فيلم مختلف، لكني لم أحصل على الأموال الكافية لذلك الفيلم، ثم بدأت إراقب الناس التي تتردد هناك، ومن تلك المراقبة جائتني فكرة فيلم حنين.
هل تصفين فيلمك بالفيلم المدافع عن حقوق النساء ؟

لا ليس بالضرورة، أعتقد إن الحضور الرجالي بالفيلم هو أقل وضوحاً، لكن رغم ذلك لا أظن إن الفيلم مشغول بالدفاع عن قضية معينة، او أن يسعى أن يقول إن كل الرجال سيئيين والنساء ملائكة، أعتقد إن شخصية الطفل الصغير في الفيلم، ترمز للجيل الجديد من المهاجريين وما يبشرون من أفكار مختلفة عن الجيل الأول منهم، كما إني أملك الكثير من الأمل للمستقبل. لكني لا أعتقد إن فيلمي “نسوي”.
كيف وجدت الممثلين للفيلم ؟
رولا حمادة هي المالكة الحقيقية لمطعم “كيان”، كل الذين ظهروا في الفيلم، يقفون أمام الكاميرا للمرة الأولى في حياتهم، لقد كنت صديقة لرولا لعام ونصف، في الفترة التي كنت إحاول فيها أن أجد الأموال لإنتاج الفيلم، هي كانت جاهزة للقيام بهذا الدور عاطفيا، رغم ما واجهته الشخصية في الفيلم هو مختلف عن حياة الممثلة، أما بخصوص الممثلون الآخرون فلقد نظمنا ورشة عمل لهم لثلاثة أشهر قبل بدء التصوير، لتدريبهم على الوقوف أمام الكاميرا.الذي لعب دور “الدي جي” في المطعم، هو أخي في الحياة، والزبائن الذين ظهروا في الفيلم، هم زبائن حقيقين في المطعم، للأسف زبائن المطعم من السعوديين رفضوا أن يظهروا في الفيلم، وهذا شيء مؤسف لأن كثير من زبائن المطعم كانوا في الحقيقة من السعوديين، وكانوا يطلقون على مطعم “كيان” بيتهم الثاني، وهو شيء يشير على إنهم لا يختلطون كثيرا بشرائح أخرى من المجتمع الكندي. لقد كنا نصور بعد وقت إقفال المطعم اليومي، لاننا لم نكن نملك النقود الكافية لتعويض المطعم وإغلاقه في ساعات عمله، كنا نذهب الى المطعم في منتصف الليل ونبدأ بالتصوير الى منتصف اليوم التالي.